09-يونيو-2019

المياه تغمر شوارع مدينة جانت (الإذاعة الجزائرية)

لم يكن العيد في مدينة جانت يُشبه بقيّة الأعياد، إذ تساقطت عشية ذلك اليوم، أمطار غزيرة على المنطقة التابعة إداريًا لولاية إليزي جنوبي الجزائر، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة، بسبب الدمار الذي خلّفته الفياضات.

أطلق ناشطون من عدّة ولايات جزائرية نداءات لتشكيل قوافل إغاثة نحو منطقة جانت البعيدة عن الاهتمام الإعلامي

مدينة جانت التي تبعد عن العاصمة الجزائرية بـ2300 كيلومترًا إلى الجنوب، حوّلت الأمطار المتساقطة بغزارة مساكنها، إلى قطع ركامٍ عائم فوق مياه السيول والوديان، بعدما أغرقت البيوت المشيّدة من الطين، وجعلت الطرقات تبدو كأنها كثابين من الأتربة والطمي.

اقرأ/ي أيضًا: القصبة العتيقة تنهار.. الإنسان والتراث مهددان في الحي الأثري

نداءات كثيرة عبر الفضاء الافتراضي، أطلقها ناشطون من عدّة ولايات جزائرية، لتشكيل قوافل إغاثة نحو منطقة جانت البعيدة عن الاهتمام الإعلامي، إذ أن غياب السلطات المحليّةـ جعل كثيرين من سكّنها ونشطائها ينتقدون التهميش واللامبالاة والتقاعس على مواقع التواصل، ويتساءلون عن غياب السلطات: هل نحن جزائريون، وإلى أي وطن ننتمي؟

لم يخف محمد أفسيلي، الناشط في جمعية "ناس الخير إيليزي"، غضبه من التغييب الذي طال المدينة؛ إذ أصبحت مدينة أشباحبعد غيابها عن وسائل إعلامية وتأخّر المساعدات الإنسانية والتضامن الشعبي لإغاثة المتضرّرين من الكارثة.

ووجّه الناشط أفسيلي، نداءً استعجاليًا، مفاده بأن السكان يطالبون بإعادة تهيئة المنازل وفتح الطرقات وتهيئتها بعدما جرفتها السيول، فضلًا عن توفير الأدوية والغذاء.

صدمة وإهانة

في بداية الكارثة، تدخّلت فرق وعناصر الجيش لإنقاذ السكان في جانت، ولكن عمليات الإنقاذ كانت بطيئة وغير كافية بحسب السكان، ويعود السبب إلى أن مختلف وحدات الجيش التابعة لولاية إيليزي كانت بعيدة عن مكان الكارثة، فمقرّ الولاية يبعد 400 كيلومترًا عن المنطقة، ورغم ذلك تمّ إجلاء مئات المواطنين وترحيلهم إلى أماكن آمنة وتزويدهم بالمؤونة اللازمة.

بالرغم من عمليات الإغاثة الأوّلية، إلا أن سكان المنطقة يشعرون بـ" الإهانة والإقصاء"، هنا، يقول القاسم اسلافن، الناشط الجمعوي من منطقة جانت في حديث إلى "الترا جزائر"، إنّ السكّان لازالوا  تحت الصدمة بسبب الكارثة الطبيعية، والسيول التي أتت على كل ممتلكاتهم، في مقابل صمت رهيب تعتمده السلطات المعنية، وعلى رأسها الحكومة ووزارة الداخلية والتضامن، وحتى الهلال الأحمر الجزائري، لافتًا إلى أنه يظهر أيّ أثر لمسؤول محلّي خلال يوميْ العيد.

اهتمام الجزائريين منذ أشهر بالحراك الشعبي والوضع السياسي في البلاد، جعل الأحداث الأخرى ثانوية بحسب الناشط السياسي عتيق إبراهيم، قائلًا لـ" الترا جزائر" بأن كارثة جانت، جاءت في فترة العيد، وهو ما أضعف وصول المعلومة إلى فئة واسعة من المواطنين في ربوع الوطن.

يستطرد عتيق قائلًا: "إن كل هذه الأسباب لا تبرّر أي تقاعس من السلطات الجزائرية، التي لازالت تُهمل الجنوب الجزائري ويعتبر خزانًا للنفط فقط"، محمّلًا الحكومة مسؤوليتها الكاملة في تأخّر إغاثة السكان في جانت.

 حملات فيسبوك

خلال اليومين الأخيرين، أطلق نشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي حملات تضامنية بالتنسيق مع جمعيات خيرية تنشط في مختلف مناطق الجزائر، بهدف جمع التبرّعات والذهاب لإغاثة سكان جانت وتقديم المساعدات لهم، وتحسيس الجزائريين بوضعيتهم الصعبة عقب الكارثة.

يحدث ذلك في ظلّ غياب تام للإعلام، في نقل صورٍ حيّة من عين المكان، وهو أسهم في تغذية جدل أفضلية الشمال على الجنوب، واللامساواة التي تنتهجها السلطة في توزيع الثروات والاهتمام الإعلامي بهذه المنطقة، التي يفترض أن تشكّل قطبًا سياحيًا هامًا في البلاد.

هنا، يعتبر ميلود بن علي صاولي، الأستاذ في علوم الإعلام، أن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت بديلًا، عن الإعلام التقليدي، موضحًا في تصريح لـ" الترا جزائر"، أن مختلف القنوات التلفزيونية لا تعتمد مراسلين في ولايات الجنوب، فضلًا عن عدم اهتمام هذه المنابر الإعلامية بالمناطق الحدودية خاصّة الولايات الجنوبية الكبرى من قبيل جانت وإليزي على حدّ قوله.

وأشار صاولي، إلى أن الأمر نفسه حدث مع فيضانات منطقتي برج باجي مختار وعين قزام مؤخرًا، "إذ شاهدنا وصول كاميرات التلفزيون العمومي لهذه المناطق بعد يومين من وقوع هذه الحوادث"، داعيًا في السياق، إلى "إعادة رسم خارطة التغطيات الإعلامية في المناطق الحدودية والجنوب الكبير".

ينبّه كثيرون إلى أن عدم اهتمام وسائل الإعلام بهذه الكارثة، أثّر بشكلٍ واضح على تأخّر التضامن الشعبي مع سكان جانت، كما أدّى بدوره إلى اتساع الهوّة بين سكان الوطن الواحد، في مثل هذه الظروف.

هنا، يشير خالد بن حمودة، الباحث في علم الاجتماع السكان في حديث لـ"الترا جزائر"، إلى أن عدم الاهتمام بالجنوب في مثل هذه الكوارث يهدّد النسيج الاجتماعي وتماسك المجتمع الجزائري. 

وأضاف قائلًا: "إذ يكفي الدور الذي يلعبه العامل الجغرافي وبعد المسافة عن مركزية الإدارة، ليُضاف إليها سبب آخر، يبعث على  مشاعر الإحساس بالاغتراب داخل هذا البل، وفي مناطق تفتقد لأدنى ضروريات العيش الكريم، خاصّة مع غياب التضامن معهم في مثل هذه الظروف الصعبة".

حطّ الرّحال

إغاثة سكان جانت التي تعني بلغة الطوراق الأمازيغ  بـ" حط الرحال"، ضروري وواجب إنساني، فضلًا عن حماية أحد أهمّ الوجهات السياحية في الصحراء الجزائرية، وقبلة السياح الأجانب في كل سنة. 

تضمّ المنطقة جداريات ونقوش صخرية للسكان الأوائل في القارة السمراء وتعود إلى خمسة آلاف سنة قبل الميلاد

تضمّ هذه المدينة، سلسلة جبال الطاسيلي وكهوفها العجيبة على مساحة 12 ألف كيلومتر مربع، وتضمّ المنطقة جداريات ونقوش صخرية لأقدم سكان القارة السمراء، إذ تعود هذه الآثار إلى خمسة آلاف سنة قبل الميلاد، وتم تصنيفها ضمن التراث الإنساني في سنة 1982، من طرف منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو).

 

اقرأ/ي أيضًا:

تحولات باب الواد.. شاهد شاف كل شيء

فنوغيل.. المنطقة التي أنصفها التاريخ وظلمتها الجغرافيا