22-يوليو-2022

المركب السياحي أكوا بالم بولاية بسكرة (تصوير: بلال بن سالم/GETTY)

تحضر الحكومة مرسومًا تنفيذيًا جديدًا هدفه تسقيف أسعار الفنادق حسب درجات تصنيفهم، وذلك في محاولة لتشجيع السياحة الداخلية في ظلّ بقاء السياحة في  الجزائر قطاعًا لا يساهم في الاقتصاد بالشكل الذي يتواءم مع الإمكانات الكبيرة التي تتوفر عليها البلاد في هذا المجال، والتي أكدتها عدة تقارير دولية مختصة في المجال السياحي، فهل هي بداية انتعاش السياحة الداخلية في البلاد؟

ممثل الوكالات السياحية: جائحة كورونا أسهمت في انتعاش السياحة الداخلية 

رغم أن خطة دعم الاقتصاد التي أتى بها الرئيس عبد المجيد تضمنت تطوير قطاع السياحة، حتى يصبح مدرًا للعملة الصعبة ضمن مشروع الحكومة الهادف إلى تشجيع الاستثمار خارج المحروقات ، إلا أن تحقيق هذا الهدف لم يحصل حتى اليوم.

أداء دون المطلوب

لا تتوفر إحصاءات رسمية كثيرة بشأن عدد السياح في الجزائر سواء تعلق بالأجانب أو حتى الجزائريين داخل بلادهم، وخاصة في السنوات الأخيرة بسبب شلل قطاع السياحة جراء جائحة كورونا.

وتشير آخر الإحصاءات الخاصة بالسياحة في الجزائر التي تعود إلى 2019 إلى دخول 2.9 مليون أجنبي الجزائر، وهو رقم يخص أيضًا أفراد الجالية الجزائرية بالخارج الذين يدخلون إلى البلاد في فترات معينة.

ويبقى هذا الرقم دون مستوى التطلعات، إذ أنه في العام نفسه راهنت وزارة السياحة إلى الوصول إلى 3 ملايين سائح، كما أن هذا الرقم يعتبر ضئيلا مقارنة بالدول المجاورة، وفي مقدمتها تونس التي وصل زوارها من الجزائريين فقط  في بعض السنوات إلى 3 ملايين سائح.

لكن المكلفة بالإعلام بوزارة السياحة أمال رملة توضح لـ"الترا جزائر" أنه لا يمكن البناء هذه الأرقام لأنها تعود إلى قرابة 3 سنوات ماضية، كما لا يمكن حساب الموسمين السابقين بسبب جائحة كورونا التي عرفت ركودا في القطاع السياحي بالجزائر مثلها مثل باقي دول العالم، جراء إجراءات الإغلاق المطبقة التي قللت من الرحلات ومن تنقل الأشخاص.

ويوضح جلول درقاوي العضو بالمكتب الوطني للفيدارلية الوطنية للوكالات السياحية والفندقة  لـ "الترا جزائر" أن سبب عدم تسجيل عائدات كبيرة من قطاع السياحة في الجزائر عاملان رئيسيان هما نقص هياكل الاستقبال، وبالخصوص في الولايات الداخلية والجنوبية، إضافة إلى ارتفاع أسعار الأسرة بالفنادق والتي تكون أحيانا خيالية، والتي لا تتناسب مع القدرة الشرائية، خاصة في ظلّ ارتفاع الطلب مقابل قلة العرض.

وأشار إلى ان الأسعار في الجزائر غير مبنية على قواعد حقيقية، بالنظر إلى انه يمكن أن تجد سعر الغرفة الواحدة في فندق ذي نجمتين يلامس تسعة ألاف دينار(45 دولار)، وهو أمر غير مقبول، كما أن الفنادق الجزائرية هي الوحيدة التي تظل أسعار غرفها بالقيمة ذاتها على طول العام، ولا تعرف الانخفاض في فترات معينة مثلما يحدث في معظم دول العالم.

وأضاف درقاوي أن صعوبة الحصول على تأشيرة الدخول إلى الجزائر، وبالخصوص غياب التأشيرة الإلكترونية من العوامل المسببة لعدم قدوم السياح إلى الجزائر بالقدر الذي يناسب الإمكانات الكبيرة للبلاد في هذا المجال.

قانون جديد

كشف وزير السياحة ياسين حمادي قبل أسابيع عن وجود مشروع مرسوم تنفيذي على مستوى الأمانة العامة للحكومة لتسقيف الأسعار وفقا لتصنيف الهياكل السياحية.

وأشارت أمال رملة إلى أن القانون المنتظر لا يزل محل دراسة على مستوى الأمانة العامة للحكومة، متوقعة في هذا الإطار أن يرفع من مستوى السياحة الداخلية في الجزائر بعد صدوره، ويحدث انتعاشا جديدا في قطاع السياحة الذي يدخل ضمن المحاور التي ركز عليها مخطط الإنعاش الاقتصادي الذي جاء به الرئيس عبد المجيد تبون.

وبدوره اعتبر جلول درقاوي أن صدور قانون يسقف أسعار الحجز بالفنادق حسب درجة تصنيفهم من شأنه أن يساهم بشكل كبير في تشجيع السياحة الداخلية، وينهي فوضى الأسعار غير المبررة الموجودة حاليا.

ولفتت المكلفة بالإعلام بوزارة السياحة إلى أن الوزارة تعمل طيلة أيام السنة على تشجيع السياحة الداخلية مع مختلف شركائها من وكالات سياحية ومؤسسات فندقية، متوقعة في هذا الإطار أن يكون موسم الاصطياف الحالي ناجحا وتتعدى أرقامه تلك المسجلة في العام الماضي.

ورغم بدء موسم الاصطياف في صيف 2021 متأخرًا بسبب جائحة كورونا، إلا أن شواطئ الجزائر شهدت زيارة 29 مليون مصطاف إليها، وهو الرقم الذي تتوقع أمال رملة أن يرتفع هذا العام.

وتعمل الوزارة في هذا الجانب أيضا من خلال رفع هياكل الاستقبال في الجزائر المقدر حاليا بـ135 ألف سرير، والذي سيرتفع إلى 140 ألف سرير هذه السنة مع دخول عدة مشاريع قيد الإنجاز حيز الخدمة.

وقالت المكلفة بالإعلام في وزارة السياحة لـ"الترا جزائر" إن القطاع يشهد دخول 100 مؤسسة سياحية الخدمة كل سنة، وهو ما سيرفع في عدد الأسرة بالجزائر في السنوات القادمة.

تخفيضات؟

بالرغم من عدم صدور قانون تسقيف أسعار الهياكل الساحلية، إلا أن الوزارة تعمل ضمن المتاح لها لتخفيض أسعار هياكل الاستقبال بهدف رفع مستوى سياحة الجزائريين في بلادهم ، حيث أشارت المكلفة بالإعلام بوزارة السياحة إلى حصول الوصاية على التزام من المؤسسات الفندقية العمومية بتخفيضات في الأسعار تصل عند بعضها حتى 30 في المائة، مبينة في الوقت ذاته أنه وبرغم الأسعار السابقة التي يراها البعض مرتفعة، فإن كل الأسرة على مستوى هياكل الاستقبال العمومية محجوزة الآن حتى شهر أيلول/سبتمبر المقبل.

وأشارت في هذا الإطار إلى أن وزارة السياحة عقدت أيضًا اتفاقًا مع وزارة التعليم العالي لاستغلال الإقامات الجامعية كأماكن استقبال موجهة للعائلات ذات الدخل الضعيف، وهذا لتمكين كل الجزائريين مهما كانت مستوياتهم المادية في قضاء عطلة صيفية داخل بلادهم.

وبدوره أشار ممثل الوكالات السياحية جلول درقاوي إلى أن بعض المؤسسات الفندقية قامت ببعض التخفيضات هذا الصيف، مشيرًا في هذا الإطار إلى أن قضاء اسبوع  أصبح يقدر بـ60 ألف دينار (300 دولار) في فندق مصنف في أربعة نجوم، أما الفنادق منخفضة التصنيف فيمكن أن يصل سعر الحجز لأسبوع إلى 30 ألف دينار (150 دولار).

تحسن مشجع

وكشف  جلول درقاوي لـ" الترا جزائر" أن السياحة الداخلية بدأت تعرف نوعًا من الانتعاش هذا العام، لافتًا إلى أن الوكالات السياحية لاحظت على سبيل المثال قدومًا لافتًا لسياح من الشرق الجزائري إلى الولايات الغربية، خاصة خلال الدورة الـ19 للألعاب المتوسطية التي جرت بوهران والتي ساهمت في الترويج لزيارة الباهية، مضيفًا أن هذا الوضع استمر بعد انتهاء الألعاب، حيث أنه من السهل لمن يكون في وهران مشاهدة 6 إلى 7 حافلات لوكالات سياحية قادمة من الشرق الجزائري إلى عاصمة الغرب الجزائري.

وأشار درقاوي إلى أن انتعاش السياحة الداخلية في هذا الصيف يعود إلى أن الجزائريين تمكنوا من التعرف على مناطق بلادهم خلال جائحة كورونا، وهو ما جعلهم يفضلونها هذا العام على وجهات أخرى، إضافة إلى أن تراجع القدرة الشرائية ساهم هو الآخر في تفصيل الوجهة الداخلية على الخارجية.

ولدعم السياحة الفندقية، استقبل وزير السياحة والصناعة التقليدية ياسين حمادي، الأربعاء الشركاء الاجتماعيين، منهم رئيس الفيدرالية الوطنية لمستغلي الفندقة، ورئيس الفيدرالية الوطنية لجمعيات وكالات السياحة والسفر، ورئيس النقابة الوطنية لوكالات السياحة،ورئيس الملتقى الوطني الجزائري لوكالات السياحة، ورئيس الاتحاد الوطني لوكالات السياحة والأسفار.

وأفاد بيان للوزارة السياحة  أن "هذه اللّقاءات سمحت بتشخيص وتحليل مرحلي لموسم الاصطياف 2022، والذي اعتبره الشركاء الاجتماعيون ايجابيا بامتياز، مؤكدين على انه عرف انتعاشا ملحوظًا للسياحة الداخلية وإقبالًا كبيرًا للعائلات الجزائرية على المنتوج السياحي الجزائري".

وأكد وزير السياحة على ضرورة مواصلة الجهود من أجل رفع تحدي كسب ثقة المواطن الجزائري من خلال اقتراح برامج تتناسب ومتطلباته بأسعار تنافسية كما ألح على أهمية مواصلة هذه اللقاءات الدورية والتي ستسهم بصفة فعالة في وضع تحليل ميداني ودقيق لمجريات المواسم السياحية على غرار موسم الاصطياف والموسم السياحي الصحراوي.

ورغم هذا المؤشر الإيجابي لانتعاش السياحة الداخلية، فإن الطبيب سليم بن خدة يرى أن "بعث السياحة الداخلية يبقى أمرا جد صعب، في ظل غلاء الأسعار وتدني مستوى الخدمات اللذان يدفعان الجزائريين إلى البحث عن وجهات سياحية بديلة كل عام و أهمها تونس".

وكتب بن خدة على حسابه في فيسبوك قائلا "فمثلا هنا في الغرب الجزائري  المركبات السياحية القليلة التي تقدم خدمات مقبولة للمصطافين أسعارها تعجيزية و مرتفعة جدا، حتى بالنسبة لبروفيسور في الطب الذي يحمد الله على دعم مصلحة  الخدمات الاجتماعية لقضاء بعض  أيام العطلة وسط الطبيعة الساحرة في ظروف شبه مقبولة ".

وأضاف "فالفنادق والمركبات  قامت برفع الأسعار بشكل رهيب لا تتحمله جيوب العائلات البسيطة وحتى الميسورة، واضطرت عدة عائلات في منطقة  بني صاف مثلا إلى مشاركة شقق مخصصة للكراء رغم أنها تفتقد أدنى الخدمات".

الاهتمام بالبنية التحتية وخدمات النقل والفندقة تسهم في انتعاش السياحة الداخلية 

 من المؤكد أن تشجيع السياحة الداخلية والترويج لها أمر ضروري للنهوض بهذا الميدان الاقتصادي الهام، غير أن جعله قطاعًا مساهمًا بالشكل المطلوب في اقتصاد البلاد يتطلب النظر إليه بعين شاملة وكاملة، تتعلق بكل القطاعات من بنية تحتية وإعلام ونشاط ثقافي وتسهيلات النقل والخدمات البنكية، لأن السياحة أكثر من مجرد السفر إلى مكان ما.