فتحت حادثة تسويق دواء غير مُطابق للمواصفات في الآونة الأخيرة الأعين، حول ما إذا كانت الجزائر مسرحًا لتسويق أدوية ومستحضرات مغشوشة، في ظل تنامي هذه الظاهرة عالميًا بعد أزمة كورونا الأخيرة التي رفعت من قيمة الأدوية وجعلتها سوقًا للتربح السهل على حساب صحة الناس.
بعض الأطباء يصفون أدوية غير متوفرة في السوق ويخبرون المريض بعدم تناول الدواء الجنيس المحلّي وعدم الثقة في فعاليته
وفي تفاصيل هذه الحادثة الخطيرة على الصحة العامة، كانت مديرية الصحة والسكان لولاية قسنطينة شرق البلاد، قد نشرت بيانًا تأمر فيه جميع الصيادلة الخواص بالسحب الفوري للدواء (أومنيتروب 15مغ /1.5 مل) وعزله من المخزون إلى غاية صدور تعليمات جديدة، وذلك تبعا لإخطار ورد إلى المديرية المذكورة من جهات أمنية مفاده تسويق كمية مغشوشة من طرف شركة وهمية تسوق هذا الدواء في الولاية تحت رقم الحصة (ل.م 3517).
مختبرات "ساندوز الجزائر" المنتجة لهذا الدواء، أصدرت هي الأخرى على الفور تنبيهًا أبلغت فيه السلطات المعنية بوجود عينات مغشوشة من عقارها في الصيدليات، ذكرت فيها أن "هذه الدفعة لم يتم تسويقها أو تصنيعها من قبل مختبرات ساندوز، والشركة لا تتحمل أية مسؤولية عن استخدامها". وأبلغت الصيادلة الخاصّين وعامة الناس أن جميع المنتجات التي يتم تسويقها حاليًا يتم استيرادها وتسويقها تحت إشراف وزارة الصناعة الدوائية والمختبر الوطني لمراقبة الأدوية (ANPP) وتخضع لجميع معايير الجودة والسلامة.
أما وزارة الصناعة الصيدلانية تبعًا للشكوى التي وافتها بها مخابر "ساندوز" بتاريخ 17 نيسان/أفريل 2022 المتعلقة بتسويق المنتوج المغشوش، فقد قامت بالتنسيق مع المصالح المختصّة لقيادة الدرك الوطني على الفور باتخاذ كل الإجراءات الضرورية لفتح تحقيق ومتابعة الجناة المتهمين بالاستيراد والتوزيع غير الشرعي للمواد الصيدلانية وذكرت في بيانها أن مصالحها تعمل على ضمان وفرة المواد الصيدلانية ذات الجودة العالية والوصول إليها وذلك من أجل الحفاظ على الصحة العمومية.
ويؤكّد في هذا الشأن، مصطفى زبدي رئيس الجمعية الجزائرية لحماية المستهلك، أن وزارة الصناعة الصيدلانية تتجاوب في كل مرة تقوم المنظمة بإخطارها، سواءً من أجل التحقيق أو سحب المنتوج، وهذا التحرك إيجابي بالنظر إلى خطورة الموضوع على الصحة العمومية.
وذكر زبدي في حديث مع "الترا جزائر"، أن بلاغات منظومته تكون في العادة حول أدوية غير مطابقة للمواصفات مثل أن يكون هناك قارورة فيها شوائب أو علبة فيها عدد الحبات منقوص وغير ذلك. لكنه أشار إلى أن الجزائر ليست في منأى عن الأدوية المغشوشة حتى وإن كان عددها غير معروف، حيث تذكر منظمة الصحة العالمية، حسبه، 20 % من الأدوية المغشوشة متداولة في سوق الدواء العالمي.
الأدوية المغشوشة في الجزائر
حادثة "أمنيتروب 15 مغ/1.5 مل"، ليست الأولى من نوعها في الجزائر، فقد كانت هناك عدة عمليات لتهريب الأدوية وتسويقها بطريقة غير شرعية، ففي 2012 أمرت وزارة الصناعة بحظر 15 صنفًا دوائيًا، خصت أساسًا حقن ''لوفينوكس" وهي مضادات للتخثر تستعملها الحوامل في مرحلة ما بعد الولادة و ''أوكالسيك فيتامين ك1" الذي يوظف عادة لمواجهة النزيف الدموي بسبب الإشكالات البكتيرية، وكذا حقن ''فيتوميناديون'' التي يُنصح بها في معالجة نقص الكالسيوم في الدم.
وفي الواقع، عادت ظاهرة الأدوية المزيفة للفت الانتباه مؤخرًا، لعدّة أسباب كسهولة الحصول عليها فهي متاحة على كافة وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنيت، إذ أصبح أيًا كان يمكنه الحصول على أي عقار بكل سهولة بنقرة زر وبدون الوصفة الطبية التي عادة ما يشترطها الصيدلاني للبيع، كما أن ندرة الأدوية أيضًا ساهمت في التكثيف من نشاط المسوقين الوهميين مستغلين بذلك حاجة المريض فهو يبحث عن الدواء للاستشفاء بأيّة طريقة كانت لأنها غير متوفرة في السوق، بالإضافة إلى إصرار بعض الأطباء أحيانًا، على وصف أدوية غير متوفرة في السوق وإخبار المريض بعدم تناول الدواء الجنيس المحلّي وعدم الثقة في فعاليته.
وساهم انعدام الرقابة على هذا النشاط غير القانوني فيما يخص الاستيراد، في خلق ما يشبه سوقًا موازية للأدوية أو ما يعرف بـ"أدوية الكابة" أي الحقيبة، لبيعها بشكل غير قانوني على مستوى الصيدليات أحيانًا أو عبر الإنترنيت، وهذه الأدوية فضلًا عن كونها لا تمر عبر دائرة الرقابة القانونية للأدوية المستوردة ما يجعلها مقلدة أو منتهية الصلاحية أو فاسدة في الأصل، يتم جلبها أحيانًا دون مراعاة شروط الحفظ الضرورية للأدوية، ما يجعلها معرضة لخطر الإتلاف أو ضعف فعالية مكوناتها.
هنا، يقول الدكتور معاذ تبينات رئيس الجمعية الوطنية للصيادلة الجزائريين، إن "سوق الأدوية في الجزائر سوق منظّم بل من أكثرها تنظيمًا من حيث تسجيل المواد ومتابعتها وتوزيعها في الصيدليات لكن لا ننفي وجود أدوية مغشوشة مثل حادثة أومنيتروب حيث وجدت الحصة المزيفة".
وأضاف المتحدث في تصريح لـ"الترا جزائر"، أنه يمكن أيضًا أن نجد في الصيدليات مواد مغشوشة لا تتبع طريق التوزيع النظامي مثل المواد شبه الصيدلانية أو التجهيزات الطبية، لكن في المجمل سوق الأدوية، حسبه، منظم جدًا ومؤطر من حيث شهادات التسجيل والترخيص للحصص القابلة للتوزيع حصة بحصة من طرف الوكالة الوطنية للمواد الصيدلانية".
وأشار رئيس الجمعية الوطنية للصيادلة، أن محاربة الظاهرة يبرز فيها دور التفتيش من جهة الذي يقوم بإحصاء هذه الحصص واتباع مسارها ويخضع المتسببين لعقوبات صارمة إذا لم يتم احترام المعايير المعمول بها في توزيع وتسويق المواد الصيدلانية، كما يبرز من جهة أخرى دور الصيادلة في إخطار الهيئات المختصة للتفتيش الوكالة الوطنية للمواد الصيدلانية وكذلك وزارة الصناعة الصيدلانية لاتخاذ الإجراءات اللازمة.
أصناف الأدوية غير المطابقة
لا شكّ أن المواد المغشوشة هي مواد خطيرة جدًا على الصحة العمومية، والأمر لا يخص فقط الأدوية وإنما مستحضرات أخرى تستعمل على الجسد مثل العطور ومستحضرات التجميل وكل ما يستعمل في الاستطباب ويتداول في السوق.
والجديد في متابعة هذه المواد، وفق الدكتور تبينات، أنه بعيدًا عن الأدوية التي سوقها منظم، تم اعتماد إجبارية إلحاق كل المستحضرات الخاصة بالاستعمال البدني وكل التجهيزات الطبية إلى وزارة الصناعة الصيدلانية، وهذا يعني إعادة هيكلة كلية من حيث منح تراخيص خاصة بالتوزيع الاستيراد والتصنيع هذه المستلزمات.
ويشير من جانبه مصطفى زبدي، إلى أن "ما هو مطمئن في الجزائر أن 70 % من الأدوية هي إنتاج محلّي، فالمخابر الجزائرية تجلب المادة الأولية وتقوم بمعالجتها وهذا ما يجعل نسبة الغش في المادة الأولية قليلة، لكن الظاهرة مع ذلك تبقى موجودة بدليل التصريح عن ذلك من قبل السلطات.
ويرصد رئيس جمعية حماية المستهلك نوعًا آخر من الغش، إذ تقوم بعض المخابر بتصنع دواءٍ على شكل مكمل غذائي يحمل نفس اسم الدواء مع تغيير حرف أو حرفين (الاسم التجاري) ويتم بيعه أيضًا في الصيدليات وبنفس التغليف وهذا ما يضلل المرضى باستغلال علامة موجودة وأظهرت فعاليتها.
وفي الجانب الردعي، تمتلك الجزائر نصًا خاصًا في قانون العقوبات حول ظاهرة الغش في الدواء. وتنص المادة 423 من هذا القانون على أنه "إذا ألحقت المادة الغذائية أو الطبية المغشوشة أو الفاسدة بالشخص الذي تناولها، أو الذي قدمت له، مرضًا أو عجزًا عن العمل، يعاقب مرتكب الغش وكذا الذي عرض أو وضع للبيع أو باع تلك المادة وهو يعلم أنها مغشوشة أو فاسدة أو سامة، بالحبس من خمس (5) سنوات إلى عشر (10) سنوات وبغرامة من 500.000 دينار جزائري (3500 دولار) إلى 1.000.000 دج (7000 دولار). ويعاقب الجناة بالسجن من عشر (10) سنوات إلى عشرين (20) سنة وبغرامة من 1.000.000 دج إلى 2.000.000 دج (14 ألف دولار)، إذا تسببت تلك المادة في مرض غير قابل للشفاء، أو في فقد استعمال عضو أو في عاهة مستديمة. ويعاقب الجناة بالسجن المؤبد، إذا تسببت تلك المادة في موت إنسان.
نصائح لتفادي الدواء المغشوش
لقد ساهمت أزمة كورونا في العامين الأخيرين من انتشار واسع للمنتجات الطبية المغشوشة والمقلدة خاصة الكمامات والمعقمات في العالم. وفي الجزائر، يلعب المخبر الوطني لمراقبة نوعية الأدوية ومخبر اليقظة الدوائية ومخبر اليقظة التسممية، دورا كبيرا في مراقبة الأدوية المسوّقة.
وما يجب معرفته أن الأدوية المغشوشة التي يتم تهربيها وتسويقها بطريقة غير قانونية هي أدوية بلاصقات مزيفة، بتاريخ إنتاج ونهاية صلاحية كاذبة، بمقادير مزيفة، لا تحتوي على المادة الفعالة أو بتركيز أقل، يمكن أن تكون مخزّنة في ظروف غير ملائمة لشروط حفظ الأدوية مما يجعلها غير فعالة أو مضرّة.
أحيانًا لا تظهر على علبتها معلومات ضرورية مثل اسم الشركة المصنعة أو البلد المنشأ. ولتفادي الوقوع في أدوية مزيفة مجهولة المصدر يجب على المريض أن يحرص على أن يشتريها من صيدلية تحمل ترخيصًا، وأن يشتري بوصفة طبية متقيدًا بالأدوية الموصوفة فيها ومقارنة الأسعار بالمتعارف عليها، إذا كان السعر أقل بكثير من المألوف فغالبًا يكون الدواء مغشوشًا.
ما يجب معرفته أن الأدوية المغشوشة التي يتم تهربيها وتسويقها بطريقة غير قانونية هي أدوية بلاصقات مزيفة
ويوصي خبراء، للحد من هذه الظاهرة، بتعزيز الرقابة على الأدوية الموجودة بالسوق وتعزيز الإجراءات المتبعة حاليًا فيما يخص تصنيع وتوزيع وترويج وصرف الدواء، كما يجب تقليل منابع التهريب لهذه الأدوية حيث أن أغلب هذه الأدوية تصنع في الصين أو الهند، بالإضافة إلى التطبيق الصارم للإجراءات الردعية، كما يجب تشجيع الصناعة الصيدلانية وشبه الصيدلانية المحليّة بمقاييس دولية للتخلّص من تبعية الاستيراد وأزمة الأدوية النادرة