30-سبتمبر-2022

مستودع صيانة طائرات الجوية الجزائرية (الصورة: فيسبوك/ الترا جزائر)

باشرت الحكومة الجزائرية في الفترة الأخيرة جملة إجراءات من قوانين وصفقات ومشاريع تتعلق بتعزيز قدرات البلاد في مجال النقل الجوي سواء الداخلي والخارجي، وهو ما ينبئ بإمكانية  تحول هذا القطاع الذي كان على الدوام عبء على خزينة الدولة إلى مجال مدر للعملة  الصعبة مثلما هو الحال في العديد من الدول العربية والإفريقية كإثيوبيا وقطر والإمارات، فهل تحقيق تنجح مهمة إنقاذ شركات الطيران؟

شهدت شركة النقل الجوي عدّة قضايا فساد أدخلتها في عدة أزمات جعلتها بحاجة إلى مساعدات الدولة 

تندرج الخطط التي تقدمها الحكومة لتطويل النقل الجوي ضمن تطوير قطاع النقل ككل الذي شهد فسادًا كبيرًا، ما جعله القطاع الأكثر تغييرًا للوزراء في عهد الرئيس عبد المجيد تبون بسبب سوء التسيير والفضائح التي طالته، وعلى رأسها النقل الجوي الذي يبقى اليوم مرهونًا بالوضعية السيئة التي تعيشها شركة الخطوط الجوية الجزائرية المعتمدة على الدوام على مساعدات الدولة، في وقت أصبحت قريناتها في دول أخرى مصدرًا مساهمًا في اقتصاديات أوطانها.

دعم حكومي

تكبّدت شركة الخطوط الجوية الجزائرية الحكومية في السنوات الماضية خسائر متوالية جعلتها تحتاج في كل مرّة إلى مساعدات من الخزينة العمومية رغم برامج إعادة الهيكلة التي طبقت عليها، لكن هذه العملية كانت في الغالب خلال العقدين الماضيين تهدف إلى  جعل هذه المؤسسة التي تحتكر قطاع الطيران في البلاد خادمة لمصالح الأشخاص بدل تطوير المؤسّسة وتحسين أدائها الاقتصادي.

لكن أكبر خسارة تعرضت لها المؤسسة التي تستيقظ بين الفينة والأخرى على إضرابات لمختلف النقابات التابعة لهان كانت بفعل جائحة كورونا، بعدما طبقت الحكومة الجزائرية مخطط الإغلاق الجوي الكامل الذي دام أكثر من عام، ولم تتم إعادة فتح المجال الجوي واستئناف الرحلات لشركتها الحكومية بصفة كلية حتى العام الحالي.

وقال الناطق الرسمي باسم شركة الخطوط الجوية الجزائرية أمين أندلسي في تصريحات صحفية إن جائحة كورونا كبدت الشركة خسائر بلغت 300 مليون دولار.

ورغم هذه الخسائر، إلا أن الحكومة تصر على إعادة بعث الشركة من جديد وعدم عرضها للخوصصة كما دعا البعض، كما قامت بحركة تغيير واسعة في طاقم إدارتها.

وأعلنت الشركة أيضًا منذ أيام إطلاق مناقصة دولية لشراء 15 طائرة جديدة لتدعيم أسطول الجوية الجزائرية المطالبة باحتواء الطلب المتزايد على الخطوط التي تعمل بها، وبالخصوص تلك التي توجد بها جالية جزائرية كبيرة، أو تكتسي أهمية سياسية واقتصادية للبلاد.

ويتعلق الأمر بخمس طائرات نموذج 200 A، وثلاث طائرات نموذج 200 (B)، وخمس طائرات نموذج 300، وطائرتين نموذج 400، حسب وثيقة الاستشارة الدولية التي تعني حصريًا صانعي الطائرات المستغلة في النقل التجاري المدني والمتوفرين على الشهادات والاعتمادات المنظمة للنشاط.

ووقعت الجزائر في الأشهر الأخيرة في إطار الشراكة التي تبنيها مع الدول اتفاقات لفتح خطوط نقل جوي جديدة تخص عدة بلدان كإثيوبيا والسنغال ونيجيريا وفنزويلا، وتدعيم خطوط أخرى باتجاه قطر وتركيا وفرنسا وإيطاليا، وغيرها من الدول في إطار توسيع أسواق الجوية الجزائرية.

فتح السوق

لا يقتصر اهتمام الحكومة بتطوير النقل الجوي على مساعدة الجوية الجزائرية للنهوض من جديد وتعزيز حضورها في الأسواق الأفريقية والأوربية، إنما أيضًا بفتح مجال النقل الجوي للخواص.

 وطالب الرئيس تبون في آخر اجتماع لمجلس الوزراء بضرورة الفصل في الملفات المودعة لفتح شركات نقل خاصة جوية، تستجيب للشروط العالمية في هذا المجال، مع تحويل الطائرات الخاصة المُصادرة بأحكام قضائية، ضمن قضايا الفساد إلى الاستغلال في إطار المنفعة العامة، تحت وصاية المؤسسات الوطنية المتخصصة في أقرب الآجال.

وطُرح ملف النقل الجوي في نقاشات الحكومة قبل عام لدى دراسة الـمخطط الاستعجالي للنقل الذي اقترح فتح النقل البحري والجوي أمام الاستثمار الوطني الخاص.

وشدّد وقتها الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان على ضرورة القيام بهذه الخطوة، وزيادة حصة الأسطول الوطني في السوق، بالإضافة إلى تحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين.

ومنتصف حزيران/جوان الماضي، أعلن وزير النقل السابق عبد الله منجي من البرلمان منح الحكومة موافقة مبدئية لـ16 مشروع استثماريًا للقطاع الخاص في النقل الجوي، بينها تسعة مشاريع تخص نقل المسافرين، موضحًا أنه يجرى في الوقت الحالي استكمال كافة التدابير الخاصة بإطلاق هذه المشاريع.

وفي شباط/فيفري الماضي، أعلنت شركة "فلاي واستاف"  الخاصة دخولها سوق النقل الجوي الجزائرية، بعد حصولها على رخص الملاحة، واقتنائها طائرات من شركة "بوينغ" الأميركية.

منافسة شرسة

رغم أهمية الخطوات القانونية والتجارية التي تقوم بها الحكومة الجزائرية لتطوير النقل الجوي وتطويره من الخدماتي العمومي إلى الاقتصادي، إلا أن تحقيق ذلك ليس بالأمر السهل، بالنظر إلى المشاكل التي تغرق فيها شركة الخطوط الجوية الجزائرية التي تحوز أكبر عدد من الطائرات في البلاد.

وحسب تصريحات وزير النقل السابق عبد الله منجي، فإن الأسطول الجزائري يتكون من 70 طائرة، 55 منها تابعة للخطوط الجوية الجزائرية، و15 طائرة الأخرى تابعة لشركة الطاسيلي المملوكة لسوناطراك النفطية، إضافة إلى أربع طائرات شحن مملوكة للجوية الجزائرية.

وتنشط هذه الطائرات في السوق المحلية المتمثلة في 36 مطارًا، 20 منها مصنفة مطارات دولية، و16 مطارًا داخليًا، إضافة إلى أسواق خارجية تأتي الأوربية في صدارتها، وفرنسا على رأسها التي تواجه فيها الجوية الجزائرية منافسة كبيرة خاصة من الخطوط الجوية الفرنسية، رغم خضوع نظام الملاحة بين البلدين للاتفاقية الموقعة في باريس في 16 شباط/فيفري 2006، والتي تضمن التناوب والتساوي في عدد الرحلات والتي  يمكن أن تصل إلى 180 رحلة في الاتجاهين، لكن الأسطول الجزائري الحالي لا يسمح بمنافسة نظيره الفرنسي الذي يتوفر على عدة متعاملين، وشركته الحكومية مصنفة ضمن أحسن الشركات العالمية في هذا المجال.

وبالنسبة للسوق الأفريقية التي تحاول الجزائر العودة إليها وفتح خطوط جديدة بها نحو بعض المطارات، تظلّ فيها الجوية الجزائرية أيضًا حتى اليوم متعاملًا ضعيفًا، فهي لا توجد ضمن أحسن عشر شركات طيران أفريقية التي تتصدرها الخطوط الإثيوبية، وفق آخر التصنيفات الدولية في هذا المجال، ومن ثم فإن دخول هذا السوق يتطلب إمكانات مادية وتسويقية كبيرة وحديثة، في حال ما كانت الحكومة جادة حقًا في خططها للعودة بقوة إلى القارة الأفريقية اقتصاديًا وسياسيًا.

الجزائر لا تمتلك خبرة في مجال خوصصة قطاع النقل الجوي 

ومن النقاط التي قد تعاب أيضًا على الإجراءات الحكومية لتطويل قطاع النقل الجوي، هو اقتصار فتحه للخواص وفق تصريحات المسؤولين على الاستثمار المحلي، وهو ما قد لا يساهم في خلق منافسة حقيقية بالنظر إلى عدم وجود خبرة جزائرية في هذا المجال، واحتمال فشل التجربة ككل وإعادة تكرار التجربة الفاشلة السابقة المتمثلة في "الخليفة للطيران".