30-سبتمبر-2021

محطة المسافرين بالعاصمة (تصوير: بلال بن سالم/Getty)

 

كثيرًا ما انتقد المختصون والمهتمون باللغة العربية استعمال الجزائريين للسان هجين أو فرنسي سواءً من قبل المواطنين العاديين أو من طرف جهات رسمية، وبالخصوص في قطاعات يعد فيها التواصل ضروريًا وعاكسًا لصورتنا لدى الآخر، ولعل أبرزها قطاع النقل الذي يجري حاليًا مشروع بشأنه يتمثل في التصحيح اللغوي لمفردات النقل العام.

إذا تمعنا في المفردات التي يستعملها الجزائريون من إدارة ومواطنين في قطاع النقل يتضح أنها مليئة بالمفردات الفرنسية

وإذا تمعنا في المفردات التي يستعملها الجزائريون من إدارة ومواطنين في قطاع النقل يتضح أنها مليئة بالمفردات الفرنسية، أو بكلمات عربية تحمل أخطاء شائعة، لذلك تبدو مهمة القائمين على هذا مشروع التصحيح اللغوي لمفردات النقل العام الذي يدعمه المجلس الأعلى للغة العربية غير سهلة، بالنظر لتجارب الجزائر السابقة في تطبيق القوانين المتعلقة بالتعريب واستعمال اللغة الوطنية.

اقرأ/ي أيضًا: الإعلان عن مواعيد استئناف رحلات القطار غدًا

عملية تنظيف

لم تترد ممثل المجلس الأعلى للغة العربية لدى مؤسسة تسيير منشآت وخدمات مطار الجزائر فاطمة الزهراء مشلوف في حديثها مع "الترا جزائر"، في وصف التصحيح اللغوي لمفردات النقل العام، بأنه عملية تنظيف المحيط اللغوي من الأخطاء الشائعة، مشيرة ًإلى أن المشروع الذي تبناه المجلس الأعلى للغة العربية يستهدف في قطاع النقل بالتحديد تصحيح لافتات التوجيه بشكل خاص.

وأوضحت مشلوف أن الآلية التي يعتمد عليها هذا المشروع بالدرجة الأولى هو المسح الشامل للوضع اللغوي للعربية في قطاع النقل عن طريق المعاينة الميدانية، ثم تقسيم العمل على معالجة المشكلات اللغوية في قطاعات النقل الثلاث البري والبحري والجوي على ثلاثة مراحل، على حدّ قولها.

تتمثل المرحلة الأولى في تصحيح الأخطاء اللغوية الشائعة، والثانية تخص إعداد أدلة للمحادثة باللغة العربية، والمرحلة الأخيرة تتمحور حول إعداد قواميس مصطلحية لقطاع النقل بأنواعه الثلاثة، حسبما تفصل محدثة "الترا جزائر"، مبينة أنه قد تم تقسيم هذه المراحل حسب مدتها إلى مستعجلة وقصيرة ومتوسطة المدى حسب الإمكانات المتوفرة.

وأشارت المتحدثة ذاتها إلى أن المفردات التي يستهدفها التدقيق اللغوي على سبيل المثال لا الحصر تصحيح بعض الأخطاء الشائعة مثل "مكتب الاستعلامات، بدل الإستعلامات، ومكتب الاستقبال، وليس الإستقبال، وارتفاع مُحدَّد، وليس محدود"، وغيرها من الإشارات والمصطلحات التي تستعمل في قطاع النقل، وتحمل أخطاء لغوية.

دعم الجهات الرسمية

على عكس عدم تحمس عدة قطاعات رسمية في الجزائر لتطبيق قوانين الجمهورية والعمل على تعريب الإدارة، فإن هذا المشروع يلقى اليوم دعمًا من الجهات الرسمية.

هنا، قالت فاطمة الزهراء مشلوف لـ"الترا جزائر" إن مشروع التصحيح اللغوي لمفردات النقل العام لقي الدعم منذ اللحظة الأولى التي تم طرحه فيها على رئيس المجلس الأعلى للغة العربية صالح بلعيد، فقد تم تقديم كافة التسهيلات اللازمة لأعضاء الفريق من المصحح اللغوي الدكتور بوراس ياسين إلى المنسق حنيسة كاسيحي وكذا المصلحة التقنية.

وأضافت انه "وبالنسبة لدليل المحادثة باللغة العربية في مجال النقل الجوي والخاص بالطيران المدني، فقد كانت الخطوة الأولى لبداية هذا المشروع، بعد أن تم الاطلاع على مجمل الخدمات التي يوفرها مطار هواري بومدين، وتم إعداد الدليل وفقها باللغة العربية والإنجليزية والفرنسية، بداية من خدمة الاستعلامات ومرورا بخدمات الطعام والتسوق وانتهاء بخدمات الاتصال والنقل".

رواسب اجتماعية

لا تبدو مهمة القائمين على المشروع بالمهمة السهلة، بالنظر إلى أن قطاع النقل خاصة في فرعه الجوي والبحري لا يزال استعمال اللغة الفرنسية مسيطرًا، والذي يعود إلى جانب تاريخي وعدم اهتمام المسؤولين الذين تعاقبوا على الخطوط الجوية الجزائرية بملف تعريب القطاع، وهو ما يظهر حتى اليوم من خلال منشوراتها على مواقع التواصل الاجتماعي الذي تطبع عليها لغة موليير أكثر من اللغة العربية.

غير أن فاطمة الزهراء مشلوف ترفض هذا الحكم العام الموجه لقطاع النقل، قائلة في هذا الشأن أنه "بالنسبة لتمسك قطاع النقل باللغة الفرنسية، فهذا الوضع لا يمكن تعميمه على الجميع ، بالنظر للدور الذي لعبه مشروع التعريب في تعريب معظم إدارات قطاع النقل، وإن كان في بعض منها يستمر اعتماد الفرنسية لعوامل تاريخية أو عن قصد لعدة أسباب".

ورغم  مرور قرابة 31 سنة على  قانون تعميم استعمال اللغة العربية الصادر في 16 كانون الثاني/جانفي 1991، إلا أن تطبيقه ظل مؤجلًا أو مجمدًا في الجزائر باستثناء فترة إعادة بعثه في كانون الأول/ديسمبر 1996  من قبل الرئيس السابق 1996.

استطاعت بعض إدارات المؤسسات الاقتصادية كبريد واتصالات الجزائر وسونلغاز من المضي في تعريب بعض وثائقها ومعلوماتها

وفي السنوات الأخيرة، استطاعت بعض إدارات المؤسسات الاقتصادية كبريد واتصالات الجزائر وسونلغاز من المضي في تعريب بعض وثائقها ومعلوماتها، إلا أن العملية تبقى بعيدة عن الهدف المطلوب الذي نص عليه القانون، فهل سيستطيع قطاع النقل النجاح فيما فشل فيه غيره لكي يشكل بداية حقيقية لتطبيق ما نص عليه دستور البلاد وفق التعديلات التي أجراها الرئيس عبد المجيد تبون قبل نحو عام والتي دعت إلى إعطاء العربية باعتبارها لغة وطنية ورسمية المكانة التي تستحقها؟.

 

اقرأ/ي أيضًا:

زيادة مرتقبة في تسعيرة النقل بـ 26 % وعودة الخدمة بشروط وقائية

في غياب النقل العمومي بسبب كورونا.. "الكلوندستان" في الخطوط الأمامية للخطر