08-يوليو-2023
لسع عقربي

(الصورة: Getty)

قبل خمس سنوات، استيقظت الجزائر على صدمة وفاة الدكتورة عويسات عائشة بورقلة جنوب شرق الجزائر، وهي أستاذة في قسم الآداب بجامعة الوادي وعضو اللجنة العلمية، إثر لدغة عقرب في مقر سكناها، بعد أن مكثت عشرة أيام في غرفة الإنعاش بالمستشفى.

الجهاز عبارة عن كاميرا رقمية ذكية، يمكنها أن تتعرّف على العقرب بدقة متناهية، ثم ترسل تنبيهات تحذر من وجود الحشرة في المكان

يتذكر الدكتور السعيد غندير، الأستاذ بكلية العلوم التقنية بجامعة ورقلة، وهو يتحدث لـ"الترا جزائر"، بأسى عن تلك الحادثة الأليمة، ويقول إن وفاة زميلته كانت دافعًا له ولزملائه في البحث عن حلول علمية لظاهرة لسع العقارب المنتشرة في الجنوب الجزائري والتي تودي سنويًا بحياة العشرات من الضحايا.

وقد حانت الفرصة مؤخرًا، وفق الدكتور، بعد اعتزام طلبة في قسم التقنيات بجامعة ورقلة، إعداد مذكرة تخرج ماستر تطرح طريقة جديدة مبتكرة باستعمال جهاز يقوم بالتنبيه من خطر الحيوانات السامة مثل العقرب والأفاعي باستعمال تقنيات الذكاء الاصطناعي، وهو المشروع الذي أشرف عليه شخصيًا مع الطلبة.

وفي تعريف هذا الجهاز، يقول الأستاذ إنه عبارة عن كاميرًا رقمية ذكية، يمكنها أن تتعرف على العقرب بدقة متناهية، ثم ترسل تنبيهات تحذر من وجود الحشرة في المكان. وتظهر النتائج الأولية وفق أصحاب الاختراع،  نسبة نجاح  تفوق 98 بالمائة في تمييز الجهاز حشرة العقرب عن غيرها من الحشرات أو الأشياء المشابهة. وهذا الجهاز وفق أصحابه، يعمل بالليل والنهار ويتم العمل لتطويره في نسخ أخرى ليشمل عديد الحيوانات والحشرات الضارة والمفسدة.

واليوم، ينتظر الفريق البحثي المكون من الدكتور غندير والطلبة بكري صلاح الدين وبورقعة أيمن وقديري ياسر، بفارغ الصبر، صدور براءة الاختراع للجهاز التي تمّ إيداعها لدى المعهد الوطني للملكية الصناعية، والهدف بعد ذلك هو إنتاج نماذج منه وتعميمها على الأماكن التي تنتشر فيها العقرب لتفادي سقوط ضحايا جدد، وهو إنجاز في حال تحقّق سيساهم وفق الأستاذ في الحد من الظاهرة.

وبالفعل، تنتظر الجزائر مثل هذه المبادرات العلمية، لحلّ أزمة بقيت مستعصية بالنظر لعدد الضحايا الكبير سنويًا والميزانيات التي ترصد سنويًا لتوفير المصل المضاد للسمّ، فقد ظلّت المقاربة المعتمدة علاجية أكثر منها وقائية، خاصة أن أكثر الإصابات تتم في الأماكن المغلقة حيث يتسلّل العقرب في غفلة من الناس في منازلهم أو مقرات عملهم وتحدث الكارثة.

سمّ العقرب مميت

وتشير في هذا الصدد، إحصائيات وزارة الصحة في الجزائر إلى أنه يتم تسجيل سنويًا ما لا يقل عن 40 ألف لدغة عقرب في الجنوب والهضاب العليا وحتى بعض ولايات الشمال. ورغم أن العدد كبير، فقد سجل منحى تنازلي في الإصابات خلال السنوات الأخيرة، فمن 50 ألف حالة خلال 2018 إلى 46787 لسعة عقرب و39 وفاة خلال سنة 2019 ثم 44019 إصابة و30 وفاة سنة 2020 وصولا إلى 40138 إصابة و22 وفاة خلال سنة 2021. 

ويقول الدكتور فتحي بن أشنهو طبيب مختص في الصحة العامة، إن سمّ العقرب بعد اللدغ  يسبب حساسية في جميع أنحاء الجسم تؤدي إلى الموت في حال عدم تقديم العلاج الضروري، لذلك لا يجب حسبه الاستهانة أبدًا بلسعة العقرب ومعالجتها على الفور.

الجزائر تُحصي سنويًا ما لا يقلّ عن 40 ألف لدغة عقرب في عموم البلاد

وأوضح بن أشنهو في تصريح لـ"الترا جزائر" أن المصل  المضاد لسمّ العقارب والحشرات السامة الأخرى يصنع في الجزائر بتقنيات بيوكيميائية وصيدلانية متطورة في مخابر خاصة انطلاقًا من سمّ العقرب في معهد باستور الجديد بالجزائر، وهو فعّال ويُنجي من الموت حسب سرعة التدخل والتنقل إلى الاستعجالات، إذ كلما كان التدخل أسرع كلما كانت فرص النجاة أعلى.

ويستعمل المصل حصرًا في الوحدات الصحية القاعدية في جميع ولايات الوطن ومتواجد بكمية كبيرة في الولايات التي تعرف أكبر عدد حالات تسمم عقربي خاصة في فصل الصيف، وأكد الدكتور أن مكافحة التسمّم العقربي عبر المصل المضاد قطعت أشواط كبيرة في الجزائر في السنوات الأخيرة حيث أصبح متاحا بوفرة في جميع العيادات. 

أما عن الاسعافات الأولية، فقال الدكتور إن كل ما يجب فعلُه هو نقل المريض على جناح السرعة إلى أقرب مستشفى أو عيادة طبية من أجل الحصول على المصل المضاد، والابتعاد عن القيام بالعادات التقليدية  الخاطئة مثل مص الدم أو استعمال أعشاب وخلطات تقليدية ظنا منهم أنها توقف انتشار للسم وفي الحقيقة هي تضييع للوقت فقط. 

الوقاية خير من العلاج

وفي الجانب الوقائي، شدّد الطبيب على أهمية الدورات التحسيسية  والتكوينية على طول العام للأطفال في المدارس والأمهات في كافة ربوع الوطن في إطار حملات الطب الوقائي للوصول إلى أكبر شريحة ممكنة وعدم الاقتصار فقط على المناطق الصحراوية.

ولفت المتحدث إلى أن التكثيف من هذه الحملات أصبح ضرورة لتزويد الجمهور بالمعلومات اللازمة حول المخاطر التي تسببها لدغات  العقارب، وتقديم نصائح مختلفة تتعلق بأهمية الحفاظ على نظافة البيئة وتجنب الطرق التقليدية في العلاج، والتأكيد على ضرورة نقل الشخص الذي تعرض للسع بسرعة نحو أقرب مرفق صحي للاستفادة من الرعاية الطبية.

عقرب
عملية استخراج سمّ العقرب لتحويله إلى أمصال مضادّة (الصورة: Getty)

وتحسبا لموسم الحر الذي تكثر فيه الإصابات، أعدت وزارة الصحة دليلًا وطنيًا شاملًا للتكفل بالتسمم العقربي والوقاية منه، وهو دليل مرجعي وتوجيهي مخصص للعاملين في القطاع الصحي والذي وزع على كافة الوحدات الاستشفائية والجوارية في الجزائر.

ويحمل هذا الدليل كافة الحلول للمشاكل التي يسببها لسعات العقرب حسب خصوصية كل منطقة، منها كيفية التكفل والوقاية من التسمم العقربي، كما أنه يصنف لسعة العقرب على أنها حالة مستعجلة ضمن أمراض القلب والشرايين وتستدعي التدخل السريع بالمصل المضاد لسم العقرب حسب حالة المريض ونوع العقرب الذي لدغه.