تقلّد البروفيسور عبد الرحمان بن بوزيد منصب وزير للصحة في ظرف عصيب شهدته الجزائر على غرار دول العالم، إذ حمل حقيبة مُثقلة بترسّبات الماضي منذ استقلال الجزائر، ومليئة بالتحديات، وذلك مباشرة بعد توليه المنصب بأزيد من شهر فقط لاحت أزمة الفيروس القاتل"كوفيد-19"، بعد اكتشاف أول حالة في الجزائر بتاريخ 25 شباط/فيفري من العام 2020.
يرى متابعون أن تصريحات وزير الصحة حول ضرورة تهديم مستشفى مصطفى باشا كانت وراء التعديل الحكومي الأخير في وزارة الصحة
عيّن البروفيسور وطبيب العظام بن بوزيد في حكومة أيمن بن عبد الرحمان في الثاني من كانون الثاني/جانفي 2020، غير أنه لم يكن في حِلّ من إدارة أزمة خطيرة مستجدّة، لأنها تتعلق بمنظومة صحية، فضلًا عن مواجهة الفيروس بالإمكانيات المتاحة، بالموازاة مع حلّ مشاكل القطاع الذي مازال لحدّ اليوم يعاني من تكبّد سوء التسيير، بحسب تصريحات كلّ من مروا على الجهاز الصحي والطبي في البلاد.
حقيبة وأزمة
أزمة كورونا، اشتدت واشتد معها البحث عن تقليل المخاطر وإيجاد الحلول لصدّ فيروس أصبح وباء ومواجهته بمقدرات الخزينة العمومية، كان وظيفة مسؤول قطاع الصحة هذا بالإضافة إلى الاستعانة بخبرات الكادر البشري من أطباء وممرضين ومختلف تقنيي السلك الطبي والصحي في البلاد.
تشكيل اللجنة العلمية لرصد ومتابعة فيروس كورونا فضلًا عن كشف تطوّرات الوباء، كانت خطوة أولى يشرف عليها الوزير السابق، البروفيسور بن بوزيد، فيما حاول رئيس الجمهورية أن ينظُر بعين أخرى للقطاع، وأعلن في حزيران/جوان 2020 عن تنصيب البروفيسور كمال صنهاجي رئيسًا للوكالة الوطنية للأمن الصحي.
ويجدر التذكير أن وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية نشرت عن هذا التعيين برقية جاء فيها أن هذه المؤسّسة الصحية تُعنى بـ"وضع نظام متطور يضمن مستوى عالٍ من العلاج والطب النوعي وتوسيع الوقاية من مختلف الأمراض".
بصلاحيات منفردة وبحيازتها على كلّ بطاقات العبور واتخاذ القرارات المستقلة حتى عن وزير الصحة، تعتبر الوكالة الصحية خطوة لإصلاح المنظومة الصحية، رغم أن وقت تنصيب الرئيس لأعضائها كان وقتا حساسًا وفي مركز أزمة صحية خطيرة، رغم أن الرئيس صرح في أحد اللقاءات الإعلامية بأن الوكالة هي: "المخ الذي سيضمن مستوى عالٍ من العلاج والطب النوعي وحماية الطفولة والأمومة وتوسيع الوقاية من مختلف الأمراض"، فيما ستكون وزارة الصحة بمثابة جهاز وأعضاء ينفذون في الميدان.
لكن الملفت للانتباه، تثار تساؤلات كثير من قِبل المهتمّين بشؤون قطاع الصحة في البلاد إلى أن الهيئة الرسمية لم تعلن بعد عن مخططات مشاريعها ورهاناتها أو بالأحرى؛ ماذا قدّمت للقطاع عمومًا، وأين وصلت في أداءها الميداني؟ أسئلة مشروعة خصوصًا وأن القطاع يعتبر من القطاعات الحساسة في البلاد، ويقدّم خدمة عمومية مازالت مجانية، في إطار دولة مجتمعية تركز على تدعيم الخدمات الأقرب اهتمامًا للمواطن، وتضمن صحته.
مهام أخرى
بعد التّعديل الوزاري الذي مسّ بالدّرجة الأولى رأس وزارة الصحة، فإن اسم بن بوزيد لم يكن مطروحًا للتغيير في الوقت الحالي بالذات، إذ مازالت تداعيات كورونا قائمة وضرورة التركيز في ملفّ مكافحة الأوبئة وسبل تعزيز القطاع أيضا، فالمهمة لم تكتمل حتى وإن افترضنا أن القطاع والمشاريع باقية ومستمرة تغير الوزير أم لا.
الرئاسة أعلنت عن تغيير وزير الصحة واستدعاءه لمهام أخرى، لذا فإنه من غير المستبعد أن يتمّ ترقية البروفيسور بن بوزيد لمنصب أعلى تِقنيا من الوزارة نفسها، وخروجه من بوابة مقر " المدنية" بأعالي العاصمة الجزائرية، سيكون لوجهة أكثر أهمية وفائدة لمكانة الصحة العمومية في البلاد، رغم أن الوزارة من حيث الشّكل هي أعلى المناصب الإدارية في البلاد، وهو ما أسرّت به بعض المصادر لـ"الترا جزائر" أن الرئيس تبون غير راض على وضعية قطاع الصحة في البلاد، خصوصًا من حيث التهيئة المؤسّساتية والبِنى التّحتية للعديد من المنشآت الصحية من مستشفيات ومؤسسات الصحة العمومية الجوارية عبر مختلف ولايات الوطن.
تغيير إدارة منصب وزير الصحة، إلى منصب آخر لن يكون بديله أقلّ مرتبة من حيث الكفاءة بالنسبة لمن أدار أزمة كورونا، خصوصًا بعد أعمال فعاليات الملتقى الوطني الأول حول تجديد المنظومة الصحية، الذي انعقد في بداية السنة الحالية، والذي أسفر عن عدة توصيات من المفترض متابعتها وتنفيذها على أرض الواقع.
وفي هذا المضمار، كشفت المصادر أن الرئيس يريد بن بوزيد في مهمة لإصلاح المنظومة الصحية في علاقة مباشرة مع الوكالة الوطنية للأمن الصحي، إذ يظلّ قطاع الصحة من القطاعات الهشة من حيث الخدمات المقدمة للمواطن رغم الاستثمارات الكبرى التي تخصصها الحكومة لتحسين ظروف العمل والخدمات المقدمة على مستوى المستشفيات والمؤسسات الاستشفائية والطبية في ربوع البلاد.
قرارات أم صلاحيات
تصريحات الوزير بن بوزيد الأخيرة عن وضعية أكبر مستشفى جامعي في الجزائر مصطفى باشا"، وضرورة تهديمه وبناء مستشفى أكبر وأحسن يليق بعاصمة البلاد، لها أثر أيضًا في هذا التعديل الحكومي الأخير، وإن كانت التصريحات مفاجئة للبعض وجريئة عند البعض الآخر، في علاقة بقراءتها من ناحيتين مختلفتين أو متباينتين.
وقال مصدر رفض الكشف عن هويته، أن تصريحات بن بوزيد يمكن قراءتها بأكثر إيجابية، إذ هو اعتراف من القائم على شؤون القطاع بظروف ومكانة المستشفى وتسببه في تعطيل مصالح الجزائريين خصوصًا من ناحية الموقع وضرره على المرضى أيضًا، فضلًا عن الثغرات الكبرى في المؤسسة الطبية تقنيًا، ما دفع به إلى التصريح بضرورة الإقرار بفشل هذه المؤسسة ووجب تعويضها بمؤسسة أرقى في العاصمة الجزائرية.
في قراءة عكسية لمضمون التصريح فإن بن بوزيد وقع في فخّ تقديم تصريحات مخالفة لتصريح الرئيس تبون الذي قال في عدد من التصريحات الإعلامية بأننا نملك منظومة صحية قوية والأحسن في القارة الأفريقية.
تحديات أكبر
يعتقد الدكتور محمد لمين سراي، أن وزارة الصحة تستحقّ كفاءات كبرى في علاقة مع مؤسسات تعتني بالكادر البشري أولًا، وهو ما يعني أن الوزير أمام تحديات أخرى تتعلق أساسًا بتنفيذ عدة قرارات متعلقة بإصلاح المستشفيات، متوقعًا استدعاء البروفيسور بن بوزيد لمنصب مؤسسة أهمّ تقنيًا، لافتًا في تصريح لـ"الترا جزائر" أن أكبر مهمة تواجه أي وزير صحة في الجزائر هي مراجعة نصوص القوانين الخاصة بمستخدمي قطاع الصحة.
وأضاف في هذا الإطار أن وضعية ممارسي مهنة الصحة وظروف عملهم على المحكّ، فلا يكفي تعديل منحة العمل في ظروف وباء كورونا، ولا يمكن أيضا الاستغناء عن تحسين الخدمة العمومية، خصوصًا أمام تحديات الهجرة لآلاف الأطباء،وإفراغ المؤسسات الطبية الحكومية من كوادر استثمرت الدولة الجزائرية الملايير لتكوينهم، في مقابل إهمال تحفيزهم اقتصاديًا واجتماعيًا وتحسين ظروف العمل لديهم.
الأزمات الصحية السابقة جعلت من الضرور توظيف كفاءات سبق لها وأن تمرست في معالجة ملفات الصحة
لكن في هذا الإطار، فإن تغيير بن بوزيد واستدعاؤه لمهام أخرى، تبقى في خانة الاستفهام، وربما لن يعلن عن تلك المهام رسميًا خصوصًا وأن ما أبرزته أزمة كورونا وتهافت الشركات الكبرى للدواء يجعل من ملفات ثقيلة في هذا القطاع تحتاج إلى كفاءات سبق لها وأن تمرست في معالجة الأزمات والاستشارات في علاقة بالصحة العامة، إذ تعدّ تحديات تبعات "كورونا" أكبر من منصب وحقيبة.