31-يناير-2020

تصريحات الرئيس ماكرون حول الجزائر تثير سخطًا كبيرًا في فرنسا (الصورة: و.أ.ج)

قال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون في تصريح لجريدة "لوفيغارو" الفرنسية، إنّه يريد تسوية مسألة الذاكرة المتعلّقة بالفترة الاستعمارية للجزائر، مثلما فعل جاك شيراك بخصوص "الهولوكوست"، وإقراره بمسؤولية فرنسا في ترحيل اليهود.

المؤرخ نوفل الميلي: ماكرون يريد تعبئة الفرنسيين من أصول جزائرية قبل الانتخابات

وأضاف ماكرون، أنّه "مقتنع بأنّ على فرنسا أن تعيد النظر في ذكرى الحرب الجزائرية (1962-1954)، لوضع حدٍّ لصراع الذاكرة الذي يعقّد الأمور داخل فرنسا"، واعتبر المسألة تحديًا سياسيًا له، وأن "الحرب الجزائرية هي بلا شكّ الأكثر مأساوية".

اقرأ/ي أيضًا: بنجامين ستورا: ماكرون يريد تسوية ملف الذاكرة مع الجزائر

أثارت تصريحات ماكرون، ردّ فعل هجومي من زعيمة اليمين المتطرّف، ماري لوبان، فغرّدت على تويتر قائلة: "مقارنة المحرقة بحرب الجزائر بذاءة.. ماكرون في تخبّط تام".

يجدر التذكير، أنّ الرئيس الفرنسي صرّح خلال حملته الانتخابية عام 2017، أن الاستعمار الفرنسي للجزائر جريمة ضدّ الانسانية. ونقلت جريدة "لوموند" اعترافًا رسميًا له، بأنّ الدولة الفرنسية سمحت باستخدام التعذيب خلال الحرب في الجزائر. كما اعترف الرئيس الفرنسي، بمسؤولية الدولة الفرنسية في مقتل المناضل الشيوعي المساند للثورة الجزائرية، موريس أودان عام 1957.

المصالحة التاريخية

من جهته، وفي تصريح لجريدة "لو باريزيان" الفرنسية، قال المؤرّخ بنجامين ستورا، "إنّ الجيل الجديد في فرنسا كما في الجزائر، يريد أن يستعيد تاريخًا غير متخيّلٍ ولا موظفٍ لأغراض أخرى، "إيمانويل ماكرون من مواليد سنة 1977 ينتمي إلى هذا الجيل".

وأشار أن ماكرون، لا يتمتّع بمنطق الشعور بالذنب، أو ضرورة التوبة والاستغلال التاريخي، وعلى ضوء هذا يرى ستورا، أن رؤية ماكرون هي أن يجعلنا ننظر في المسألة التاريخية لتجاوزها، ومواجهة تحدياتِ المستقبل، على حدّ قوله.

وشدّد الباحث، على ضرورة التصالح مع الذاكرة على اعتبار أنها ضرورة تاريخية، وليس تحديًّا زمنيًا فقط، كاشفًا أن الجزائر بلدٌ عظيمٌ ومفتاحٌ للعديد من القضايا، كمسألة المهاجرين والإرهاب، مستطردًا "لا يمكننا السماح لأنفسنا بامتلاك علاقات مبهمة مع هذا البلد".

الحسابات الانتخابية

من جهته، أوضح المؤرّخ والكاتب، نوفل ابراهيمي الميلي، في حديثه إلى "الترا جزائر"، أنّ ماكرون يُريد تسجيل هدفين بضربة واحدة؛ فالأمرُ الأساسي له قبل الانتخابات، هو تعبئة الفرنسيين من أصول جزائرية لصالحه.

وكشف الميلي، أنّ زيارة ماكرون للكيان الإسرائيلي، حظيت بتغطية إعلامية كبيرة من قبل وسائل الإعلام، وبالتالي يقول محدثنا، إنّ الرئيس الفرنسي يريد إعادة التوازن، من خلال مقارنته بين المحرقة وجرائم ضدّ الإنسانية ارتكبتها فرنسا، على حدّ قوله.

وفي تقدير كاتب ومؤلّف "فرنسا والجزائر 50 سنة من القصص السرّية"، أن ماكرون يريد إرضاء السلطة الجزائرية، لأنّ الرئيس الجديد عبد المجيد تبون، سبق وأن أشار إلى جرائم الاستعمار الفرنسي، وأفاد أن مشروع الرئيس الفرنسي، يتجاوز الحرب في الجزائر، ويريد تسوية ذكرى الجرائم الاستعمارية الفرنسية، الهند الصينية وأفريقيا، يقول ابراهيمي الميلي.

ويختم المتحدّث، أن الرئيس الفرنسي يريد من وراء تصريحه، "إغواء عدد من الناخبين الفرنسيين من أصل أجنبي، في وجود فرضية الجولة الثانية بينه وبين مارين لوبان".

جدل تاريخي

من جهته، شدّد الكاتب والمهتم بتاريخ الحركة الوطنية لحسن خلاص، أن المنتظر من المجتمع الفرنسي بمسؤوليه ومثقفيه ومواطنيه، هو الاعتراف بأن الاستعمار ليس خطأ تاريخيًا فحسب، بل جريمة في حقّ الشعوب المستعمرة، وهو اعتداء وظلم في حقّ السكان الأصليين.

وبخصوص تصريح ماكرون، الذي قارن بين الاستعمار والمحرقة، أشار خلاص إلى أن مثل هذه الاعترافات المجرّدة والفضفاضة، ليست هي الأولى لماكرون، ولا للرؤساء الفرنسيين لاسيما هولاند.

يستشهد خلاص، بأن هولاند هو أوّل من خطى خطوة اعتبرت حينها هامّة، لمّا تحدّث عن الطابع الأليم للاستعمار. مستطردًا "أليم للطرفين طبعًا، لكي لا يُغضب الأوساط الفرنسية المحافظة والحركى، بل وأقدم على شجب واستنكار القمع الذي تعرّض له المتظاهرون ضمن أحداث 17  أكتوبر 1961".

وخلص محدثنا، أنه لا يمكن أن نجد رئيسًا فرنسيًا لا اليوم ولا غدًا يستنكر الاستعمار في حدّ ذاته، بل كلّ ما يفعله الساسة في فرنسا، هو التعبير عن الأسف حول التعاملات الوحشية والمؤلمة للطرفين أثناء الحقبة الاستعمارية، على حدّ قوله.

يحاول ماكرون الهروب من المسؤولية السياسية والتاريخية، ويصنع لها مقاربات فكرية وذاكراتية وسياسية

يحاول ماكرون الهروب من المسؤولية السياسية والتاريخية، ويصنع لها مقاربات فكرية وذاكراتية وسياسية، ويتنصّل من تسمية الأشياء بمسمّياتها، فهو غير قادر على الخروج من التقاليد الراسخة، التي تراعي التوازنات الموجودة على الساحة الثقافية والسياسية في فرنسا، ولعبة الحسابات الانتخابية، في مقابل ذلك، هناك شعبٌ ومجتمع لا يزال ضميره الجمعي، يعاني من الصدمة الكولونيالية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ماكرون يشبه الاستعمار بالهلوكست.. اعترافٌ فرنسي أم انتقاصٌ من كفاح الجزائريين؟

فرنسا في قلب الحملة الانتخابية.. "حصان طروادة" لمرشّحي الرئاسيات