08-نوفمبر-2019

تنامي جرائم القتل في الجزائر تحكمه عدّة عوامل اجتماعية واقتصادية (الصورة: الهداف)

شهدت الجزائر خلال الأيّام الماضية عدّة جرائم مروّعة، أدخلت الرّعب في النفوس، وانتفض لها الشارع المحلّي في عدّة ولايات، مطالبًا بتطبيق عقوبة الإعدام على الفاعلين، وعدم التساهل معها من الناحية القانونية بعقوبات رادعة.

لعبت فترة التسعينات في الجزائر دورًا كبيرًا في تنامي ظاهرة العنف

أربع جرائم مروّعة شهدتها البلاد مؤخّرًا؛ في كل من ولاية سطيف وقسنطينة وسيدي بلعباس، إذ عاشت قبل أيّام منطقة أولاد صابر بولاية سطيف شرقي البلاد، جريمة قتل شنعاء، راح ضحيتها أربعة أشخاص من أسرة واحدة ( الأم وأبناءها الثلاثة)، ارتكبها ربّ الأسرة وسلّم نفسه لمصالح الدرك الوطني، ولم تكشف التحقيقات بعد عن أسباب الجريمة.

اقرأ/ي أيضًا: مقتل الطفل ريان.. عودة الأصوات المطالبة بالقصاص

شهر الجرائم

وقعت هذه الحادثة حسب ما تداولته وسائل إعلامية، إثر نشوب خلاف عائلي مع الجاني (47 سنة) وزوجته حول الانتقال إلى مسكن آخر، وانتهى الخلاف إلى إقدام الزوج على خنق كل أفراد عائلته، أمّا الجريمة الثانية التي وقعت في عاصمة الهضاب العليا سطيف، بعد أيّام من الحادثة الأولى، تبقى لغزًا محيرًا، إذ أقدم شباب مسبوق قضائيًا على قتل ابن الجيران دون أن تُعرف دوافع ذلك.

الجريمة العنيفة الثالثة، حدثت في بحر شهر تشرين الأوّل/أكتوبر الماضي؛ راح ضحيتها ثلاثة قتلى. اثنان منهم من عائلة واحدة، وأصيبت الضحية الرابعة بجروح بليغة، وأكّدت التحرّيات حينها، أن مرتكب الجريمة له علاقة غير مباشرة بالضّحايا، إذ قام بسرقة منزلهم قبل أشهر من الحادثة، واشتُبه فيه لأنّه اشتغل في طلاء بيت الضحايا، ويملك نسخة من مفتاح الباب، وفور إبلاغ العائلة للشرطة بحادثة سرقة البيت، وُجهت إليه أصابع الاتهام، مما جعله يقوم بجريمته ضدّ العائلة، وذكرت التحقيقات أيضًا، أنه مسبوق قضائيًا، وارتكب جريمة قتل أخرى في اليوم نفسه، بعدما تهجّم على شخص رابع بسبب المال وقتله.

بينما الجريمة الرابعة، بطلها الرئيسي هو شرطي ارتكب مجزرة في بيت زوجته السابقة، التي قامت بطلب الخلع، فاستعمل مسدسه وقتل ثلاثة أفراد من عائلة واحدة وانتحر بعدها.

هذه الجرائم التي وقعت في ظرف قياسي، تضع علامة استفهام كبيرة لدى الشارع الجزائري، إذ عبّر البعض في تصريحات متفرقة لـ"الترا جزائر"، أنّها تدخل الشك والرّيبة بين أفراد المجتمع، في محيط الجيران والعلاقات المتشابكة بين الأشخاص والعلاقات الأسرية، وتزعزع عامل الثقة بينهم.

سنوات الإرهاب

لعبت فترة التسعينات في الجزائر، والوضع الاجتماعي الصّعب بحسب متتبعين للشأن الاجتماعي، دورًا كبيرًا في تنامي ظاهرة العنف؛ فتلك المرحلة المريرة في حياة الجزائريين، "لم تختف أوزارها وتداعياتها بسرعة" على حدّ تعبير أستاذ علم الاجتماع، عبد الرحمن عقون في حديثه لـ"الترا جزائر"، مضيفًا "نحن أمام ظواهر غريبة عن مجتمعنا لكنّها مرتبطة بعدّة عوامل؛ تراكمت خلال سنوات طويلة لا يمكن تغافلها"، موضحًا: "برزت هذه الظواهر مع أول الشدائد الاجتماعية كالبطالة والبحث عن سكن، فضلًا عن التفكّك الأسري لأسباب اقتصادية واجتماعية بحتة".

يشرح أستاذ علم الاجتماع الجريمة قائلًا: "لا يُمكن أن نفصل هذه الجرائم رغم أنها متفرّقة عن الوضع العام الذي تمرّ به البلاد، إذ رضخت الأسرة لمنطق المادّة، بينما توسّعت دائرة وظائف الوالدين، وبروز متطلّبات يومية ترهق الزوجين، وقد يؤول خلافهما إمّا إلى الطّلاق وما تنجرُّ عنه من مصائب في حقّ الأولاد، أو الصّبر على ذلك وما ينجرّ عنه من تفريط في الاعتناء بالأولاد ومراقبتهم".

لا تُخفي بعض الدوائر في مجال التحقيقات في قضايا الجرائم، أن هناك خيطًا يربط بين تفشّي الجريمة بمختلف أنواعها، وبين تعاطي المخدّرات والدعارة والاعتداءات الجسدية والقتل، إذ تعتبر المختصّة في قضايا المجتمع نورية بوسيافة، أنّ جريمة القتل التي عرفتها عدّة مناطق مؤخرًا ليست ظاهرة اجتماعية إذا قورنت مع دول أخرى، غير أنّها في الوقت نفسه "تثير التوجّس والقلق، وتُلفت الانتباه لما هو آت في البلد، موازاةً مع تغيير النسيج الاجتماعي في بعض الأحياء السكنية، وغياب الوازع القيمي في بعض المدن".

وأكّدت بوسيافة لـ"الترا جزائر"، أن الجريمة بمختلف أنواعها مرتبطة بقضايا مجتمعية أهمّها المسائل الأسرية، من مشاكل بين الزوجين أو بين أفراد العائلة الواحدة، أغلب الأخيرة ارتبطت بمسألة الميراث على سبيل المثال، لتتوسّع إلى الأطراف المحيطة كالجيران ثم الأصدقاء، ثمّ شبكات الأصدقاء، وأغلبها تتقاطع في عامل مهمّ وهو العامل البراغماتي النّفعي الذي تحرّكه الأموال، والتي أصبحت تشكّل أكثر الأسباب التي تؤدي إلى اقتتال الإخوة والأصدقاء، وهذه حقيقة لا يمكن أن نغضّ الطرف عنها، على حدّ قولها.

المخدّرات سبب آخر

أسباب كثيرة وراء تفشي الجرائم في عدة مدن جزائرية، هنا، يرى أستاذ علم النفس عبد الله بلبحري أن انتشار تعاطي المخدرات "أجهز" على العرف الاجتماعي على حدّ قوله، لافتًا في تصريح لـ"الترا جزائر" أنّ مختلف أنواع المخدّرات، أخرجت لنا عدّة ظواهر أو حالات اجتماعية غريبة عن المجتمع الجزائري، مثل القتل من أجل سرقة مبلغ زهيد لشراء مهدئ أو مخدر، وهي حالات شهدتها عدّة عائلات، مضيفًا أن انتشار المخدّرات في الوسط الشباني مؤشّر قوي لتفاقم الجرائم، خصوصًا وأنها تلعب دورًا مهمًا في تكسير بعض العادات والتقاليد، إذ "لم يعد الجار يحترم جاره، ووصل الحدّ بالبعض إلى التعدّي على شرف العائلات، وهذه الأخيرة وحدها كفيلة بأن تتسبّب في جرائم القتل"، يقول بلبحري.

تتحمّل الأسرة مسؤوليتها كاملة في مثل هذه الأحداث، خصوصًا الوالدين وظاهرة "الفلتان الرقابيّ" التي تعيشه مختلف الأسر الجزائرية لعدّة عوامل، أهمها "تخلّي الوالدين عن مسؤولياتهم تجاه أبنائهم، فضلًا عن التفكّك الأسري كحالة الطلاق، وهجر الزوج لبيته، والمشاكل الأسرية التي تُدخل الأطفال عالم الإجرام من بابه الواسع"، حسب المتحدث.

حالات كثيرة من الاعتداءات العنيفة والنزاعات اليومية أصبحت تحدث في الأحياء و السكنات الجديدة

بعض الأحياء الجديدة، باتت تكشف كلّ يوم عن حالات كثيرة من الاعتداءات العنيفة والنزاعات اليومية بين مجموعات الشباب، فهذه الأحياء ضمت مختلف الأسر ومن عدّة مناطق، ولا توجد بينهم علاقات قوية، وهو ما يجعل سكّانها في حرص دائم على الأمن بسبب وجود مجموعات إجرامية تنشط في سرقة البيوت، خصوصًا بالمدن الجديدة، مثل المدينة الجديدة علي منجلي بقسنطينة شرقي البلاد، وأحياء سكينة جديدة أيضًا مثل تسالة المرجة في الضاحية الغربية للجزائر العاصمة، وعدّة أحياء أخرى في ولاية عنابة أقصى شرق الجزائر، وهي حالات تثير الكثير من التساؤلات، وتستدعي المجتمع الأكاديمي إلى دراستها وإيجاد سُبل لمحاربتها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

نهال.. قصة اختطاف جديدة تخيف الجزائريين

الجزائريون في "حملة فيسبوكية".. نريد مستشفى لسرطان الأطفال