كان محتملًا أن يُكون جار الطفل ريان بودحماني (12 سنة)، أحد الذين يساعدون الجيران على نحر أضحياتهم الأحد المقبل تزامنًا مع عيد الأضحى، ولكنّ سكاكينه سبقت إلى نحر الطفل الذي كان يعدّ الساعات ليفرح مع أقرانه، فأعاد القاتل إلى الأذهان سلسلة جرائم القتل والاغتصاب التي طالت فئة الأطفال قبل عدّة أشهر.
القاتل الذي يدّعي أنه مضطرب عقليًا قام بارتكاب جريمته ضدّ الطفل ريان بمساعدة زوجته
شهدت بلدية بوزريعة أعالي العاصمة، ما بين الأحد إلى الإثنين الماضيين، فاجعة راح ضحيتها طفل بريء. إذ لم يكن ريان يتوقّع أن يكون عقاب شجاره مع ابن الجيران الذي يصغره بأربع سنوات واعتاد اللعب معه، هو القتل بأبشع الطرق.
اقرأ/ي أيضًا: نهال.. قصّة اختطاف جديدة تخيف الجزائريين
نقلت الصحافة الجزائرية أن الحادثة التي وقعت بحي بوسيجور الفوضوي (العشوائي) ببلدية بوزريعة، تعود إلى شجار الطفل الضحية مع ابن الجاني الذي لم يتقبل خلافًا عاديًا بين طفلين. وحسب ما نقل عن شهود عيان، فإن الجاني استدعى الطفل ريان إلى منزله يوم الأحد الماضي على الساعة السابعة مساءً، قبل أن يوجّه له عدّة طعنات قاتلة على مستوى البطن ثم يقوم بعدها بذبحه.
لم يُثن صراخ الطفل ريان قاتله عن جريمته. تناهت هذه الصرخات إلى مسامع شقيقيه اللذين أطلقا بدورهما نداء استغاثة وصل صداه إلى سكان الحيّ، فهرعوا إلى مكان الحادث، ليقفوا على جريمة شنعاء قام به الجار الجاني، فقاموا بتسليمه إلى مصالح الأمن التي فتحت تحقيقًا لمعرفة ملابسات هذه الجريمة البشعة.
ووفق ما صرحت والدة الضحية للصحافة، فإن الأب الذي يدّعي أنّه يعاني من اضطرابات عقلية، لم يقم وحده بارتكاب الجريمة، بل إن زوجته هي الأخرى شاركته قتل البراءة باستعمال "شاقور" لضرب ريان، وحرّضته على معاقبة الطفل الفقيد.
ألقي القبض أيضًا على زوجة القاتل من طرف مصالح الشرطة، ويخضع المتهمان للتحقيق لمعرفة ملابسات هذه الجريمة.
أرقام مرعبة
حادثة قتل ريان ليست الأولى في البلاد، فقد سبقتها عدّة حوادث مشابهة في فترات متقاربة، وقد جاءت حادثة ريان لتعرّي ظاهرة الاعتداءات على الأطفال التي يبقى التطرّق إليها مرتبطًا بالمناسبات العالمية، أو عند حدوث جرائم قتل، رغم أن هذه الجريمة ما هي إلا نتيجة لسلوكات مشينة تحدث يوميًا في المجتمع الجزائري الحديث، وفق ما يؤكّد مختصون في السلوك الاجتماعي.
في شهر جوان/ حزيران الماضي، كشفت المفوّضة الوطنية لحماية وترقية الطفولة مريم شرفي، أن مصالحها وصلتها عديد الاتصالات عبر خطها الأخضر (11/11)، تتعلّق بإخطارات حول المساس بحقوق الأطفال، مضيفة أن عدد الحالات بلغ 1035 طفلًا خلال الأشهر الخمسة الأولى من سنة 2019.
وأوضحت شرفي، أنّ هيئتها تلقت 600 إخطارًا حول المساس بحقوق 611 طفلًا من الذكور و424 من الإناث خلال الفترة ذاتها، لافتة إلى أنّه في بعض الحالات قد يشمل إخطار واحد عدّة أطفال.
تُشير إحصاءات المفوضة الوطنية لحماية وترقية الطفولة، أنّ الإخطارات شملت 284 طفلًا لا يتجاوز سنهم ست سنوات، و532 آخر تتراوح أعمارهم بين 7 إلى 13 سنة، أيّ الفئة التي ينتمي إليها ريان، أما الإخطارات المتبقية فتمس 219 طفل تتراوح أعمارهم من 14 إلى أقل من 18 سنة.
وحسب مريم شرفي، فإن هذه الإخطارات التي قام بها مواطنون أو حتى الأطفال أنفسهم، تتمحور حول حالات سوء المعاملة أو العنف أو الاستغلال الاقتصادي للأطفال أو التسوّل بهم.
شهدت السنوات الماضية جرائم مرعبة وقعت ضدّ الأطفال، منها اختطاف الطفل ياسين بوشلوح (4 سنوات) في إبريل/ نيسان 2008، من أمام منزله الواقع ببلدية برج الكيفان بالعاصمة الجزائر، ليتمّ العثور عليه بعد 50 يومًا جثّة مرمية في بئر قريب من منزله.
توالت بعدها جرائم قتل الأطفال، بداية من الطفلة شيماء يوسفي ذات الأعوام الثمانية التي اغتصبت وقتلت في ديسمبر/ كانون الأول بحي المعالمة بالعاصمة، وبعد أسبوع من ذلك تم العثور على سندس قسوم (6 سنوات) ميّتة بعد ثلاثة أيّام من اختفائها ببلدية درارية، وتبيّن أن زوجة عمّها هي من قتلتها.
في مارس/ آذار ، اختطف الطفلان، هارون زكرياء بودايرة (9 سنوات) وإبراهيم حشيش (8 سنوات)، بالمدينة الجديدة علي منجلي في قسنطينة شرق البلاد، وعُثر على جثّتيهما بعد الاعتداء عليهما جنسيًا وقتلهما شنقًا.
هذه الحوادث تكرّرت في سنة 2015، إذ شهدت مقتل الطفل أنيس محفوظ بن رجم بميلة، وفي 2016 قُتل الطفل ناصر تلاغت (4 سنوات) بعين الفكرون في ولاية أمّ البواقي، ونهال سي محند بولاية تيزي وزو وأحمد ياسين بـ بشار، وفي 2017 تم العثور على جثّة الطفل حسام بلقاسم ميتًا في حوض مائي بولاية تيبازة.
تشابهت الجرائم التي تستهدف الأطفال في الجزائر، وإن اختلفت أسبابها، فهي في الغالب ما تُخرج الغاضبين إلى الشارع للمطالبة بالقصاص وتنفيذ حكم الإعدام على مرتكبيها، إلّا أن المشرّع الجزائري لم يتحرّك في هذا الاتّجاه.
مطالب بالقصاص
لم يكن للمواطنين ولعائلات الضحايا الذين نظموا في كثير من المرّات مسيرات مندّدة بهذه الجرائم، سوى مطلب واحد هو القصاص وتنفيذ الإعدام في حقّ قاتلي الأطفال. غير أن هذا المطلب يبقى مستبعدًا بعدما جمّدت السلطة تنفيذ حكم الإعدام، رغم صدور أحكام قضائية تأمر بتنفيذه.
أوقفت الجزائر تنفيذ الإعدام سنة 1993، بعدما أعدمت أربعة إرهابيين متّهمين بتفجير مطار هواري بومدين بالعاصمة الجزائر، وذلك تحت مبرّرات مختلفة،
وتوقّفت الجزائر عن تطبيق حكومة الإعدام بسبب الاتفاقات الدولية التي وقعتها آنذاك، فضلًا عن ضغوطات بعض المنظمات الحقوقية الدولية التي تنتقد حتى وجود عقوبة الإعدام ضمن التشريع الجزائري.
تختلف أراء الحقوقيين الجزائريين بشأن تطبيق حكومة الإعدام ، وإن كان أكثرهم يطالب بتجميدها بحّجة غياب ظروف الحكم العادل في القضاء الجزائري، ما قد يفتح المجال لإمكانية سلب الحياة من الأبرياء، خاصّة وأن كثير من القضايا التي تم استئنافها أوقت بضحايا آخرين، وبرأت من كان إلى وقت قريب الجاني الرئيسي.
ويؤيّد رئيس اللجنة الوطنية لحماية وترقية حقوق الإنسان المحلّة، المحامي مصطفى فاروق قسنطيني تجميد تنفيذ عقوبة الإعدام، إذ عمل مع بعض المحامين البارزين إلى دفع الحكومة لإلغائها نهائيًا من التشريع الجزائري، مثلما قال في وقت سابق لـ"الترا جزائر"، غير أنه لا يُمانع أن يقتصر تنفيذها على قاتلي الأطفال.
يزداد خوف الأولياء على أبنائهم مع اقتراب موعد الدخول المدرسي بسبب انعدام الأمن في محيط المدارس
وإلى أن تستجيب السلطات لمطالب أهالي الضحايا، تتزايد مخاوف الجزائريين من أن تُزهق أرواح أخرى، خاصّة وأن الدخول المدرسي على الأبواب، إذ يرفع غياب الأمن في الشوارع وفي محيط المدارس من احتمال وقوع مثل هذه الحوادث، خاصّة في المناطق المعزولة، وهو ما كان في كثير من الأحيان، عاملًا مساعدًا في تزايد جرائم قتل الأطفال.
اقرأ/ي أيضًا: