تحتفل منابرُ محدودة في الجزائر باليوم العالميّ للفلسفة الموافق لـ28 نيسان/أفريل، ثمّ يخمد النّقاش الفلسفيّ والاهتمام به، رغم أنّ معظم الجامعات الجزائريّة باتت تتوفّر على قسم للفلسفة، وأنّ اللّحظة الوطنيّة باتت أحوجَ ما تكون إلى العقل الذّي تأتي الفلسفة وما جاورها من علوم، مثل علم الاجتماع وعلم النّفس والأنثروبولوجيا، في مقدّمة الحقول المحرّكة له.
جمال الدين بغورة: ينبغي أن ننزعج ممّا تقدّمه القنوات الجزائريّة من إنتاجات تقتصر على شهر رمضان، من دون الرجوع فيها إلى كتّاب وخبراء ومفكّرين ومثقّفين، خاصّةً فيما يتعلّق بالفكرة العامّة للإنتاج والسّيناريو، بل إنّهم لا يعودون إليهم حتّى في الجلسات التّقييميّة لتلك الإنتاجات
وفي الوقت الذّي بات فيه الفيلسوف في الفضاءات الغربيّة، ضمن قائمة الوجوه التّي تحظى بالنّجوميّة، على غرار وجوه السّياسة والإعلام والسّينما والدراما والرّياضة، بالنّظر إلى ارتباطه العميق بهواجس وقضايا زمنه، وقدرته على تحريك النّقاش العامّ الذّي يهمّ المجتمع والكوكب، ومعرفته بكيفيات فعل ذلك، وفق تحوّلات فنّ الإثارة، ما يزال السّؤال الفلسفي في الفضاء الجزائريّ غائبًا في سياقات ومغيّبًا في أخرى، وخاضعًا لنظرة شعبيّة ونظاميّة ساخرة ومستهزئة وسطحيّة تلخّصها عبارة "راك تتفلسف علينا".
يشير أستاذ الفلسفة في جامعة الجزائر 02 جمال الدّين بغورة، 1991، إلى ريادة الفلسفة التّحليليّة الأمريكيّة حاليًا، باكتشافها أنّ الأبستمولوجيا ظاهرة معرفيّة. وأنّ المعرفة تخضع لنشاط العقل ونتاج للمجتمع، تمامًا مثل الأكسيولوجيا أو القيم التّي هي نتاج جمعي تواضعًا أو طبيعةً، والأنطلوجيا أي الوجود الخاضعة بدورها للتّفكير العقليّ والوعي وإدراك الوجود بما هو موجود، "بالتّالي هنالك أمور تسبق المباحث الثلاثة الكبرى: العقل. اللّغة. المجتمع. وكلّ سؤال من الأسئلة الفلسفيّة ينتهي إلى هذه الثّلاثيّة".
من هنا، يقول محدّث "الترا جزائر"، يتوجّب على المثقّف الوظيفيّ بتعبير غرامشي والمثقّف النّقديّ أو الحرّ بتعبير شريعاتي أو المثقّف الوسيط بتعبير علي حرب أن يمارس النّقد الفلسفيّ للثّقافة بكلّ تمظهراتها، حتّى تحدث ديناميكيّة وتطوّر تحتاجهما الحياة العامّة، تمامًا مثلما هو حاصل في المشهد الغربيّ، ولا يبقى المعيش مفصولًا عن التّفكير الفلسفيّ أو العكس، فيقع الأوّل في الابتذال والثّاني في التّعالي.
ويمكننا أن نستدلّ على أثر الفلسفة في المشهد الثّقافيّ الغربيّ، يواصل جمال الدّين بغورة، من خلال السّينما والتّلفزيون، حيث اقتبِس مسلسل، على سبيل المثال، من قصّة مصوَّرة مشتقّة هي الأخرى من مقال فلسفيّ لجيمس نيغل تناول فرضيّة وجود الزّومبي، وأنجِز فيلم مقتبس من فلسفة العقل وإشكالية الوعي.
"هنالك رجع صدًى يبدأ بمقال أو نظريّة فلسفيّة، فقصّةٍ أو روايةٍ أو فيلمٍ أو مسلسلٍ، لتشكيل لغة تساهم في بناء العقل بالمعنى الفرديّ والحسّ المشترك، أي العقل بالمعنى الجمعيّ، ليصبح لدينا مجتمع سويّ وغير مشوَّه. وهذا هو المشهد الثّقافيّ الفاعل والمتفاعل والقائم على التّحليل والتّفكيك".
ويُبدي أستاذ الفلسفة الجزائريّ أسفه على غياب التّكامل بين الفلسفيّ والإبداعيّ في المشهد الجزائري، "ينبغي أن ننزعج ممّا تقدّمه القنوات الجزائريّة من إنتاجات تقتصر على شهر رمضان، من دون الرجوع فيها إلى كتّاب وخبراء ومفكّرين ومثقّفين، خاصّةً فيما يتعلّق بالفكرة العامّة للإنتاج والسّيناريو، بل إنّهم لا يعودون إليهم حتّى في الجلسات التّقييميّة لتلك الإنتاجات، في تجاوز صارخ وغير حامل على الحياء والحرج لما هو معرفيّ وفكريّ، لتكون النّتيجة، إلّا نادرًا، أعمالًا تقوم على الاستسهال والابتذال والسّطحيّة والشّعبويّة التّي هي ليست ثمرة للواقع فقط، بل تؤسّس لمستقبل مائع أيضًا."
يذكر محدّث "الترا جزائر" في سياق مقارنته بين المشهد الجزائريّ والمشهد الغربيّ، أنّ هذا الأخير لم يكتفِ بالاستلهام من الكتّاب ذوي المشاريع الجادّة فقط، بل مهّد أيضًا لبعضهم أن يكونوا مخرجين، مثل جورج مارتن في مسلسل "صراع العروش" وجاسن روثينبيرج في المسلسل التّلفزيونيّ
" الذّي حاكى فيه نهاية العالم وما بعدها.tthe 100".جمال الدين بغورة: لا يُعفي جمال الدّين بغورة المهتمّين بالفلسفة في الجزائر من المسؤوليّة، على هذا الوضع الذّي وصفه بالمفكّك والباعث على القلق
ولا يُعفي جمال الدّين بغورة المهتمّين بالفلسفة في الجزائر من المسؤوليّة، على هذا الوضع الذّي وصفه بالمفكّك والباعث على القلق، داعيًا إيّاهم إلى النّزول من أبراجهم العاجية، "على المثقّف أن يتماهى مع روح عصره، ويعمل بأدواته إذا أراد أن يغيّر الذّهنيات، ذلك أنّ الاكتفاء بالشّكوى وتتفيه وتسفيه أحلام الجيل الجديد ليس إلّا دليلًا على العجز والافتقار إلى خطاب مواكب".