يرى حسني عبيدي مدير مركز الدراسات حول العالم العربي والمتوسط في جنيف، أن قرار المجلس العسكري في مالي الانسحاب من اتفاق الجزائر للسلام والمصالحة، يمثل انتكاسة جديدة تنذر بعواقب أمنية وسياسية على مالي والمنطقة.
عبيدي: الخطوة المالية تُمثل إعلانًا رسميًا عن خروج المجلس العسكري من مسار الانتقال الديمقراطي
وأوضح عبيدي في تصريح لـ"الترا جزائر"، أن إلغاء اتفاقية الجزائر يهدد الحوار الداخلي في مالي، حيث كان الاتفاق بمثابة إطار للنقاش بين مختلف الأطراف المالية، بما في ذلك المجموعات المسلحة.
ويعود هذا الاتفاق إلى شباط/فيفري 2015، حيث وقعت الحكومة المالية و6 مجموعات مسلحة في شمال مالي في العاصمة الجزائرية "إعلانا" ينص على الوقف الفوري "لكافة أشكال العنف"، و"تشجيع المفاوضات وإعداد الأرضية تمهيدا لتوقيع اتفاق سلام شامل".
وبدأ التنصل من الاتفاق منذ نهاية آب/أغسطس، بعد أن استأنفت الجماعات المسلحة عملياتها العسكرية ضد الجيش المالي في شمال البلاد بعد ثماني سنوات من الهدوء، فيما يشبه حرب مواقع بعد انسحاب القوات الأممية.
ويُشير عبيدي إلى أن الخطوة المالية تُمثل إعلانًا رسميًا عن خروج المجلس العسكري من مسار الانتقال الديمقراطي، وعدم التزامه بتعهداته السابقة، مبرزا أن هذه الخطوة تُؤكد على رغبة المجلس العسكري في الاحتفاظ بالسلطة، وعدم بدء أي عملية انتقالية.
ومن شأن ذلك، وفق أستاذ العلوم السياسية في جامعة جنيف، أن يقوض أي عملية سياسية في مالي، فهو يعطي رسالة لباقي الأطراف حول عدم رغبة المجلس العسكري الحاكم في الانخراط في حوار شامل وجاد.
ويُشكل انسحاب مالي من اتفاقية الجزائر، من جانب آخر، تهديدًا مباشرًا لأمن منطقة الساحل، حيث كان الاتفاق يهدف إلى معالجة جذور الصراع في شمال مالي، ومنع انتشار العنف إلى دول المنطقة الأخرى.
وتعرف مالي تاريخيا مطالب لجماعات الطوارق التي تقطن صحراء مالي في ما يعرف بإقليم أزواد، والتي انتفضت سنة 2012 احتجاجا على إهمال الحكومة لسكان المنطقة مع مطالب بالحكم الذاتي.
ويرى عبيدي في هذه النقطة، أن الخروج من الاتفاقية قد يُؤدي إلى تصاعد التوتر في شمال مالي، وعودة المجموعات المسلحة إلى النشاط، مستغلة حالة التوتر بين الحكومة المالية والتنظيمات التي لديها مطالب سياسية شمال البلاد.
ويؤكد الباحث بأن الجزائر ليست مسؤولة عن انسحاب مالي من اتفاق المصالحة، لكنه يعتقد أن الجزائر كان بإمكانها لعب دور أكبر في مرافقة المجلس العسكري في مالي.
ولفت عبيدي في هذا السياق، إلى أن الجزائر لم تواكب التغييرات التي حصلت في مالي، خاصةً على مستوى التركيبة السياسية والذهنية للمجلس العسكري.
لكن هذا لا يعني وفق الباحث الدخول في حالة صراع مع مالي، إذ يجب حسبه العودة للتشاور بين البلدين وتحيين اتفاق السلام قطعا المحاولات الأجنبية لإجهاض أمن الساحل، خاصة أن هذه المنطقة تمثل أهمية قصوى لأمن الجزائر.
وكانت الجزائر في تعقيبها على القرار المالي، قد أكدت أنها "لم تتقاعس يوما عن العمل على تنفيذ اتفاق السلام والمصالحة في مالي المنبثق عن عملية الجزائر، بإخلاص وحسن نية وتضامن لا يتزعزع تجاه هذه الدولة الشقيقة".
وحذرت من تداعيات القرار وخطورته بالنسبة لمالي نفسها، وللمنطقة برمتها التي تتطلع إلى السلام والأمن، وللمجتمع الدولي برمته الذي وضع كل ثقله ووسائله المتعددة لمساعدة الشعب في هذه الدولة على العودة إلى الاستقرار من خلال المصالحة الوطنية.