12-ديسمبر-2019

يتوقع أن تسجل الانتخابات الرئاسية عزوفًا عن المشاركة (تصور: بلال كرمدي/أ.ف.ب)

تعالت الأصوات المنادية بمقاطعة الانتخابات الرئاسية في الجزائر، خاصّة على مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب عدم توفٍّر الشروط الملائمة لإجرائها، وقفز السلطة على مطالب الحراك الشعبي، فهل ستحقّق هذه الحملات مرادها أم أنها ستبقى حبيسة العالم الافتراضي؟

دعا المنتدى الوطني للحراك الشعبي إلى عدم التعرّض لحقوق الآخرين في التعبير عن آرائهم

يقود الرافضون لخيار السلطة في حلّ الأزمة الحالية، حملة متواصلة على الإنترنت لاستقطاب أكبر عدد من الجزائريين، وإقناعهم بمقاطعة الاستحقاقات الرئاسية.

اقرأ/ي أيضًا: خوفًا من اتساع رقعة المقاطعة.. إسقاط شرط الحصول على بطاقة الناخب للتصويت

نشاط متواصل

تصدّر وسم #تسقط_انتخابات_العصابات وهو الشعار الذي يردّده متظاهرون في مسيرتي الثلاثاء والجمعة، قائمة الوسوم الأكثر تداولًا من قبل الجزائريين في تويتر لعدة ساعات، إذ لا يمرّ يوم على الجزائريين في الفترة الأخيرة إلا وتكون التغريدات المنادية بعدم المشاركة في الانتخابات ضمن قائمة ترند الجزائر، أو من بين المواضيع التي تثير نقاشًا واسعًا على فيسبوك.

يحرص مؤيدو هذا الرأي على دعم موقفهم بصور وفيديوهات -تُجدّد باستمرار- للمسيرات والمظاهرات التي تم تنظيمها أسبوعيًا بالعاصمة الجزائر أو مختلف الولايات، والمندّدة بخيار السلطة الحالية المتمثّل في المضي قدمًا لإجراء رئاسيات اليوم الخميس.

ولا تأتي هذه المقاطعة فقط بسبب رفض الخط الذي سلكته السلطة الحالية لحلّ الأزمة التي تعيشها البلاد، إنما أيضًا من منطلق التشكيك في ضمان انتخابات شفافة، فشبح التزوير لا يزال قائمًا، حسب ما غرد خالد بوجمعة، الذي قال إن "التزوير بدأ لما قالت السلطة الوطنية للانتخابات إنه توجد مشاركة قويّة للانتخابات في الخارج".

يعتقد مناوئون لقرارات السلطة، أن الانتخابات التي بدأت بالفعل صباح اليوم، ستُعيد وجوه النظام السابق نفسها إلى الواجهة، ولا تحمل أيّ جديد قد يلبّي مطالب الحراك، ويحرص المنادون بمقاطعة الانتخابات الرئاسية المقبلة على ألا يخرج نضالهم عن السلمية التي طبعت الحراك الشعبي منذ انطلاقه في شباط/فيفري الماضي، وذلك تجنبًا لبعض الانزلاقات التي حدثت في الخارج خلال انتخابات أفراد الجالية الجزائرية، إثر تعرّض بعض الناخبين إلى مضايقات في الشارع.

من جهته، دعا المنتدى الوطني للحراك الشعبي إلى "عدم التعرّض لحقوق الآخرين في التعبير عن آرائهم رغم تباين المواقف السياسية، وتجنب أيّ احتكاك أو الردّ على الاستفزازات من أي جهة كانت".

وخاطب أستاذ علم الاجتماع نور الدين بكيس الذي سيقاطع الانتخابات الرافضين لهذا الاستحقاق  قائلًا: "لسنما في حاجة للتصادم والتخوين، بل يجب مواصلة التدافع بكل سلمية و بصيرة و يبقى الحراك وسيلة يجب أن تخضع للانتقاد والترشيد، لأننا أمام نظام قويّ يستطيع أن يتجدّد ولا يمكن تغييره بهذه البساطة من خارج النظام، بل لا زلت أؤمن أننا لسنا في مسار ثوري و إنما نحتاج لتفعيل مسار إصلاحي جدي".

غير أن هذا الخطاب قد لا يلقى قبولًا من طرف البعض، فقد غرّدت منال بخوش قائلة: "تصرف الجالية الجزائرية مع المشاركين في الانتخابات لا يعني أن الحراكيين سيكرّرون التصرفات نفسها يوم الخميس، نصيحتكم بعدم التعرّض لهم فيه إهانة لسلمية المتظاهرين، لأن السلمية في الحراك باتت من البديهيات التي لا تناقش ولا تحتاج تذكيرًا من أحد".

رأي مخالف

مع عدم تمكّن دعاة الإضراب العام في تعميم هذا الاحتجاج السياسي على جميع ولايات البلاد، تعالت على مواقع التواصل الاجتماعي الأصوات الداعية للمشاركة بكثافة تجنبًا لما أسموه بتنفيذ أجندات أجنبية.

وكتب الصحافي محمد دحو: "أعرف أن صوتي لن يكون إلا قطرة في بحر إرادة الشعب الجزائري، انتخبت لأجل حراك الجزائر، وأمنها واستقرارها، ضدّ العصابة والمفسدين، أعطيت صوتي لبلدي، أصواتنا أمانة في أعناقنا، الجزائر أمانة في رقابنا".

ويعتبر البعض أن تأييدهم للانتخابات رغم النقائص التي تشوبها مردّه فشل الحراك في تقديم حلٍ عملي للأزمة التي تضرب البلاد منذ أكثر من 10 أشهر.

من جانبه، كتب الصحافي هشام موف: "أحترم كثيرًا من قرر عدم الانتخاب لعدم وضوح الرؤية عنده، أو عدم توفّر شروطه الدنيا في سير العملية، أحترم كثيرًا من قرر مقاطعة الانتخابات لربح قدر من المصداقية وفق حسابات سياسية له تتعلّق بموعد الانتخابات البرلمانية والمحلية القادمة، أحترم كثيرًا من كان يريد الانتخاب، لكنه قرر عكس ذلك كي لا يعطي النظام أي تفويض أو تبرير أو هامش تدخّل في الاستحقاقات القادمة، أحترم كثيرًا من قرّر الانتخاب في الرئاسيات لأنه غلب على ظنه أنه أخف الضررين حاليًا، وأنه دفعٌ لمفسدة كبرى بمفسدة صغرى، وإني من الصنف الأخير.. وإني منتخب بإذن الله".

يبدو أن خيار الانتخاب يحظى لأوّل مرة بتأييد من المنتسبين للتيّار السلفي في الجزائر، بعدما كانوا في السنوات الماضية من دعاة مقاطعة انتخابات السلطة، فقد تم تداول بيان منسوب لأربعة من شيوخ السلفية الذين يحظون بمصداقية عند كثير من الجزائريين، وهم محمد علي فركوس وعبد المجيد جمعة وأزهر سنيقرة ونجيب جلواح على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي، مفاده أن هؤلاء يؤيدون الحل الانتخابي.

وغصت تغريدات الجزائريين بأوسم #بيان_مشايخ_الجزائر و#الشيخ_فركوس_مفتي_الجزائر و#الجزائر_بلدك_لا_تخربها_بيدك، ويظهر من البيان، أنه لا يمانع لأوّل مرّة من الذهاب إلى صناديق الاقتراع حتى ولم يذكر ذلك صراحة.

يبقى الأهم ألا تتحوّل هذه الآراء إلى عنف من الجانبين

ومهما اختلفت الدعوات للمقاطعة أو المشاركة في الانتخابات الرئاسية، التي تبدو في بعض المرّات قريبة حتى من التطرّف من بعض المغرّدين، يبقى الأهم بالنسبة لمراقبين ألا تتحوّل هذه الآراء إلى عنف من الجانبين، من مقاطعين يمنعون الآخرين من أداء حقّ يكفله لهم الدستور، أو من سلطة تجبر الناس على الانتخاب مثلما حدث في التسعينات.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الحملة الانتخابية في الجزائر.. بداية "باهتة" وقلق من المقاطعة

رافضو الترشّح للانتخابات الرئاسية.. استجابة لمطالب الحراك أم بحث عن ضمانات؟