بدأت ملامح الانتخابات الرئاسية في الجزائر، المقرّرة في 12 كانون الأوّل/ ديسمبر المقبل تظهر للعيان، عقب انطلاق المترشّحين في عملية جمع التوقيعات، غير أن هذه الخطوة، يُقابلها رفض عدد من الشخصيات السياسية وبعض أحزاب المعارضة، المشاركة في هذه الرئاسيات، فهل يعود ذلك إلى استجابتهم لمطالب أصواتٍ كثيرة في الحراك الشعبي، رافضة لهذه الانتخابات، أم أنّ قراراتهم، جاءت اطلاقًا من عدم توفّر الضمانات الكافية لانتخابات نزيهة.
مولود حمروش: "لن أستطيع تحقيق أيّ وعود بالشروط والظروف المتوفّرة الآن للانتخابات المقبلة"
البحث عن ضمانات
مؤخّرًا، رفضت عدّة شخصيات وازنة خوض السباق الرئاسي، لأسباب أوردها المعنيون مباشرة للشعب في خطاباتهم وبياناتهم وتصريحاتهم على وسائل الإعلام، آخرها قرار رئيس الحكومة الأسبق مولود حمروش، القاضي بعدم ترشّحه، إذ عزا هذا الموقف إلى أنّ" أيّ رئيس يُنتخب بهذه الطريقة، لن يستطيع أن يُقدّم أيّ شيء،.. أنا لن أستطيع تحقيق أيّ وعود بالشروط والظروف المتوفّرة الآن".
اقرأ/ي أيضًا: حمروش مخاطبًا داعميه.. لو أصبحت رئيسًا فلا يُمكنني فعل أيّ شيء
وقال حمروش، لدى استقابله وفودًا شعبية أمام باب منزله، تُطالبه بالترشّح للرئاسيات، إنّه "لن يقدّم وعودًا وهمية يُحاسبه عليها الشعب لاحقًا"، في مقابل ذلك، ترك رئيس الحكومة الأسبق حمروش الباب "مفتوحًا لمراجعة قراره، وقبول الترشّح في حال تحسّنت شروط المنافسة الانتخابية، وهي الشروط التي يراها متابعون للشأن السياسي العام في الجزائر، سببًا كافيًا لعزوف عديد الأسماء عن المشاركة في المنافسة الرئاسية.
من جهته، اتخذ رئيس الحكومة الأسبق أحمد بن بيتور هو الآخر، الموقف نفسه اتجاه للانتخابات الرئاسية، رغم أن اسمه تكرّر في الكثير من المناسبات، منذ بداية الحراك الشعبي في الجزائر في 22 شبّاط/ فيفري الماضي، بل والأكثر من ذلك، تداول اسمه أكثر من مرّة بين قيادات الحراك الشعبي، واقترح كشخصية لترأّس الحكومة الانتقالية، في الأشهر الأولى من انتفاضة الشارع ضدّ رموز الرئيس السابق، غير أنّ الرجل الذي استقال من الحكومة، في زمن كان الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة يرفض أن يستقيل أحد الوزراء في عهدته، رسم صورة جيّدة عنها، في الشارع الجزائري ولدى الطبقة السياسية، غير أنّه "رفض الترشح قطعيًا معتذرًا لمناصريه، بسبب الظروف التي لا تُساعد على تنظيم انتخابات نزيهة، علاوة على ما أسماه بـــ "حالة الغلق التي تعرفها البلاد في شتى النواحي".
وزير التربية الأسبق علي بن محمد، شخصية أخرى تُضاف إلى قائمين رافضي الترشّح للانتخابات، حيث خيّب الرجل آمال بعض الناشطين الذين طالبوه بالترشّح للانتخابات الرئاسية، لافتًا إلى أنّ "الظروف اللازمة لإجراء الانتخابات غير متوفّرة، وأصدر بن محمد بيانًا جاء فيه " كيف لي أن أسوغ لنفسي الترشّح، والشوارع والساحات في أهمّ المدن، تسيل انهارًا جارفة بأجسام الملايين من أبناء هذا الشعب، متوعّدين العصابة بالتطهير".
الحال لا يختلف أيضًا عند رئيس الحكومة الأسبق عبد العزيز بلخادم، حيث أعلن مقرّبوه في حزب جبهة التحرير الوطني، أنّه"غير متحمّس الآن، للترشّح في الرئاسيات"، بيد أنه "طلب بأن يترك الأمر للأيّام والظروف" وبذلك ترك الباب موارِبًا أمام ترشّحه من عدمه.
مفارقة سياسية
بينما تركت بعض الأحزاب المشاركة في الانتخابات لمناضليها حرّية التعامل مع الانتخابات، دونما تقديم مرشّح تحت سلطتها مثل"حركة مجتمع السلم" بقيادة عبد الرزاق مقري، وحزب "جبهة العدالة والتنمية" بقيادة عبد الله جاب الله، رفض مؤسّس حزب" التجمّع من أجل الثقافة والديمقراطية" الدكتور سعيد سعدي الترشّح للانتخابات، معتبرًا "إجراءها خطوة للهروب من الأزمة"، وشدّد على أنّ السلطة في الجزائر "تُحاول فرض حل، سيدفع بالبلاد إلى أزمات سياسية"، واعتبر ّأن هذه المرحلة " انتخابات شكليّة، لا يمكنها أن تكون حلًا للأزمة السياسية في الجزائر"، وهو الموقف نفسه الذي اتخذه رئيس حزب"جيل جديد" جيلالي سفيان، الذي ذهب أبعد من ذلك، بالدعوة إلى إلغاء انتخابات نهاية السنة، لأنّها في رأيه "لا تحلّ الأزمة الحالية".
يبدو أن الترشّح لمنصب رئيس الجمهورية أمرٌ لا بدّ منه عند بعض الأسماء السياسية، التي ذاقت دفء المناصب في النظام الجزائري، وهو ما يفسّره الباحث في علم الاجتماع السياسي الأستاذ مصطفى بلغدّوش في حديث إلى"الترا جزائر" ويصفه بـ"المفارقة السياسية" التي تفرضِها حتمية المشاركة في حلحلة الأزمة، الملقاة على عاتق رجالات الدولة والشخصيات الفاعلة فيها من جهة، والظروف غير المواتية لإجراء الانتخابات بهذه الطريقة على مرّ أسابيع من الحوار، وإنشاء سلطة مستقلّة لتنظيم الانتخابات، وهي ضمانات غير كافية للقيام بالعملية الانتخابية، من جهة أخرى على حدّ قوله.
ويفترض الباحث بلغدوش، أنّ الضمانات وحدها ليست السبب الرئيسي لرفض الترشّح، موضحًا أن تخوّف هذه الشخصيات؛ نابعٌ من تجارب منظومة انتخابية تجذّرت في دواليب الحكم، عبر مختلف البلديات، وورثت لأزيد من عقدين من الزمن، عقلية التزوير لفائدة جهة من الجهات، وهو ما يعني بحسب المتحدّث، تزوير إرادة الشعب في النهاية.
ضبابية المشهد السياسي
ميدانيًا، خطت السلطة في الجزائر، خطوة كبرى في تلبية مطلب إنشاء وتفعيل عمل السلطة الوطنية لتنظيم ومراقبة الانتخابات، كهيئةٍ دائمةٍ مستقلّةٍ تُمارس مهامها دون تحيّز وتخضع للدستور والقانون فقط، و"تتمتّع السلطة الوطنية للانتخابات، بالشخصية المعنوية أيّ الاستقلال الإداري والمالي"، غير أن ذلك لا يُمكنه أن يقدّم ضمانات كافية لإجراء انتخابات نزيهة، بحسب الرافضين للترشّح من الأسماء السياسية المستقلّة، رغم تعهدات نائب وزير الدفاع قائد الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح بـ "عدم تدخّل الجيش في العملية الانتخابية، وعدم تزكيته لأيّ مترشّح".
بقاء حكومة بدوي في السلطة زادت من مخاوف الشارع والأحزاب السياسية في تزوير الانتخابات القادمة
مخاوف كثيرة تخيّم حول الانتخابات الرئاسية في الجزائر، بالنظر إلى بقاء حكومة نور الدين بدوي أولًا، وحالة التوجّس من الإبقاء على الممارسات نفسها التي تعودت المنظومة الانتخابية، خصوصًا في ظلّ الظروف التي سبقت تنصيب السلطة العليا للانتخابات، حيث لم تحظ بإجماع لدى الطبقة السياسية والشارع أيضًا، غير أنّ أمل تقديم مقترحات للتوافق الوطني مازال موجودًا، حول مبادرة حلّ أو الدّفع بشخصية توافقية تعيد البلاد إلى المسار الديمقراطي.
اقرأ/ي أيضًا: