13-أكتوبر-2024
(الصورة: فيسبوك) محمد والي

(الصورة: فيسبوك) محمد والي

أسدل مهرجان الدولي للفيلم العربي ستاره بإعلان الأفلام الفائزة في مسابقته الرسمية فئات الروائي الطويل والقصير والوثائقي، حيث عادت جائزة "الوهر الذهبي" في فئة الوثائقيات لعمل "طحطوح" بعد منافسة محتدمة مع أفلام عربية أخرى، إذ يعود الوثائقي إلى فترة مريرة عاشتها الجزائر في تسعينيات القرن الماضي.

المخرج محمد والي لـ "الترا جزائر":  الجزائريون غادروا قراهم الجبلية مكرهين مرّتين مرّة بسبب الاستعمار الفرنسي ومرّة بسبب الإرهاب إبّان العشرية السوداء

تفاصيل حكاية هذا العمل وزوايا أخرى تتعلق بصناعة الأفلام الوثائقية وملف الذاكرة، يتحدث عنها محمد والي، مخرج وثائقي"طحطوح"، خاصة وأن التتويج كان في بلده بعدما حصد جوائز في مهرجانات خارج الوطن، إذ يعبّر محدثنا عن سعادته بتتويج الفيلم الوثائقي في الجزائر بعد أول مشاركة رسمية له.

ويضيف والي: "طبعًا الإحساس مختلف والشعور بالتتويج في بلدك له طعم آخر وسعادتي الكبيرة هي في تفاعل الجمهور الوهراني مع قصة (طحطوح) التي رآها الكثير أنها ترجمة للمعاناة التي عشناها في فترة من الفترات وخاصة مدينة وهران التي صمدت في وجه التطرف إبان العشرية السوداء، لهذا وجدت أنّ الجمهور الوهراني قريب جدًا من هذه القصة.

"طحطوح".. مفاجأة المهرجان

الظفر بجائزة في مهرجان وهران للفيلم العربي، وسط مشاركة أفلام وثائقية مميزة من أقطار عربية مختلفة، لم يكن سهلًا البتة، حيث يتكلم المخرج والي عن استقبال الجمهور والنقاد لعمله وماذا دار خلال جلسة النقاش التي أعقبت العرض، فيؤكّد أنّ "لجنة التحكيم عندما تم إعلان النتائج تحدثت عن وجود صعوبات في الفصل بين الأفلام المتنافسة خاصّة أن عملية اختيار الأفلام الوثائقية المشاركة في المهرجان كانت موفقة وذات مضامين ملهمة."

ويضيف في هذا السياق، أنه بالنسبة للعرض، تفاجأ كثيرون من البيئة التي تم تصوير فيها الوثائقي وهي قرية أفيغو ببرج بوعريريج؛ المفاجأة كانت للجزائريين قبل العرب والأجانب الذين اندهشوا من جمال هذه القرية الجبلية التي هي في حدود ولاية بجاية.

ما وراء "طحطوح"؟

ويردف قائلًا: "الأمر الآخر مضمون القصة التي عادت به إلى الألم الذي تتسبب فيه الأزمات التي قد تمر بالبلد لأنّ الأزمة تنتهي وأثرها يبقى في وجدان المتضرر الذي يعمل على لملمة ذكرياته المفقودة"، ويتساءل في معرض حديثه عن ردة فعل الجمهور والنقاد عقب عرض "طحطوح": السؤال الكبير هل عندما تنتهي الأزمات هل نستطيع تطبيب جراحنا بعدما فقدنا الأمكنة التي عشنها فيها وهجرناها بسبب التدهور الأمني؟، هنا يجيب ويقول في شرحه للوضع: "خاصة نحن الجزائريين غادرنا قرانا الجبلية مكرهين مرّتين، مرّة بسبب الاستعمار الفرنسي ومرّة بسبب الإرهاب إبّان العشرية السوداء، وأعتقد أنّ كل هذه المشاعر الموجودة في الفيلم لامست ودغدغت عواطف ومشاعر الجمهور الذي كان حاضرًا بالقاعة".

وبخصوص قصة "طحطوح" التي شدّت انتباه الجمهور وسافرت به إلى ماض مؤلم، يجيب محمد والي بأسئلة طرحها حول "طحطوح" بطل القصة، وهو ذلك الرجل الخمسيني الذي بقي صامدًا في قريته رغم الأهوال التي مرّت على القرية ولم يستطع أن يغادرها ولكن من أجل إعادة إعمار قريته سواءً بترميمها من تجاعيد الزمن القاسية هل يستطيع أن يبعث فيها الحياة مجددًا من خلال السكان الذين غادروها غصبا بحثًا عن الأمان وهل سيعود هؤلاء بعد أن يستتب الأمن أم أن الذكريات الصعبة ستمنعهم من الفرار؟

العشرية السوداء والذاكرة في السينما

وعلى ضوء هذا فيلم "طحطوح" وأفلام سينمائية أخرى وما مدى معالجة السينما الجزائرية بشكلٍ عام لفترة سنوات الإرهاب في الجزائر، يعتقد محمد والي أن الإنتاجات في مختلف المراحل قليلة نوًعا ما والاشتغال على مأساة شهدتها الجزائر غير محبب من باب إيقاظ الجراح، على حدّ قوله.

ووفقه، فإن معالجته لهذه الحقبة كانت مختلفة تمامًا بحيث خاطب نوع آخر من الفقد، ليس الفقد الجسدي بل فقدان المكان والأرض والطفولة، بحيث -بحسب تعبيره- هناك جيل كامل لم يعش طفولته بسبب ما تعرضت له الجزائر، ومع هذا ما ينتج عن هذه الفترة ضئيل مقارنة بمن دفع الثمن غاليًا وضحّى بحياته من أجل أن تبقى الجزائر واقفة وشامخة، لذلك يرى أنّ "هؤلاء الأبطال" وجب توثيق بطولاتهم عرفانًا لهم ووفاء لنضالهم من أجل أن تعود الجزائر بدون أحقاد.

وعلى علاقة بهذا التاريخ، كيف يبدو "التأريخ" و"التوثيق" سينمائيًا للذاكرة الجزائرية، فيرى ضيف "التراجزائر" أنّه "بحكم خصوصية الجزائر ورصيدها التاريخي الكبير فمحطة التوثيق كانت حاضرة لكن يتساءل هل ما تم إنتاجه لحد الآن كاف أم لا؟ قبل أن يجيب بأنه ليس كاف ولا يجب أن يرتبط الإنتاج الوثائقي بالمناسباتية، بل يجب -وفقه- بأن يكون مسارًا سنويًا من أجل صناعة حقيقية للذاكرة تنخرط فيها جميع القطاعات.

لأن التحدّي الذي نعيشه اليوم، حسبه، هو من يمتلك مرويته الوطنية ومن يستطيع أن يصنع ذاكرة الاستهلاك المحلي ولها القدرة أيضًا على عبور الجغرافيا الجزائرية وذلك طبعًا لا يأتي إلاّ من خلال القدرة على استخدام الأدوات السينمائية لاستقطاب الجمهور إلى صنف الوثائقيات التي أصبحت سلاحًا ناعمًا  لكي لا ننسى تاريخنا ومواقفنا ورموزنا.

عوائق صناعة الوثائقي؟

وإضافة إلى تحدّيات التوثيق للذاكرة بصورة عامة، ماذا عن الصعوبات التي تواجه المخرج والمنتج محمد والي في إنجاز الأفلام الوثائقية، وهل هي على صعيد الموضوع أو التصوير أو التمويل.. أو أخرى؟.. بهذا الخصوص يؤكد أنّ أوّل وأكبر هاجس هو الأرشيف؟، كيف؟ يربط ذلك بندرته وارتفاع أسعاره إن توفر، وهذا -بحسب تصريحه – يجعل المشتغل في حقل الأفلام الوثائقية يصطدم بالتكاليف المرتفعة في صناعة الوثائقيات وقلّة مصادر الدعم سيما من يريد صناعة وثائقية حقيقية وعلى قواعدها المتعارف عليها.

ويضيف والي المتخصص في صناعة الوثائقيات منذ 12 عامًا: "وهذا دائمًا ما نفعله ونسعى إليه، فضلًا عن الاهتمام بالسينما الروائية على حساب السينما الوثائقية ما قد يؤثر على هذا الجنس السينمائي الذي عادت أهميته بعد الثورة التي حصلت في المنصات الخاصّة ببث المواد الترفيهية، وهي أسباب يرى والي أنّها جعلت الوثائقي يسعى لكي يكون في مصاف ما ينتج للسينما من ناحية التكاليف حتى يحافظ على بريقه ويصحح الصورة التي تقول إن الوثائقي صنف ثقيل ومملّ.

3 أهداف من المشاركة في المهرجانات

وفي ختام هذا اللقاء، يعود محمد والي إلى الحديث عن مشاركته في المهرجانات؟ هل من أجل تحقيق انتشار أوسع محليًا وعربيًا أو للترويج للثقافة والتاريخ في الجزائر أو لحصد جوائز كما باقي الأفلام التي تشارك وتتنافس للصعود على منصة التتويج، يرد بكل صراحة أنّه في البداية لم يكن مهتما بالمهرجانات، حيث جاءت مشاركته الأولى عن طريق الإطار بوزارة الثقافة نبيلة رزيق التي أخرجت فيلمه "طحطوح" إلى المهرجانات بتسجيل حضوره في المهرجان الدولي الإسماعيلية للفيلم التسجيلي بمصر، وبعدها توالى الحضور،  وسجل مشاركته في ثلاثة مهرجانات وقابلتها ثلاث تتويجات للفيلم.

ولم يخف المتحدث أنّه "وجد في المشاركة في المهرجانات الاحتكاك الحقيقي بصناع السينما والتعرّف عليهم من خلال عرض أعمالهم أول مرّة في المهرجانات ومناقشتها وتبادل الأفكار انطلاقًا من أنّ لكل مخرج أدواته في سرد قصصه، وهذا ما جعله يشارك في هذه الفعاليات السينمائية بعيدا عن حسابات الجوائز، ويلفت في معرض حديثه إلى أنّ ما يتعلق بالتسويق لتاريخ الجزائر، فكان تحد بالنسبة إليه منذ ولوجه هذا المجال السينمائي، وكان يشتغل على الهدف من خلال الإنتاج للقنوات بدرجة أولى ليصل إلى أكبر عدد من الجماهير التي تستطيع عبر التلفزيون التعرّف على مضامين الأعمال التي ينجزها.

محمد والي لـ "الترا جزائر": لا يجب أن يرتبط الإنتاج الوثائقي بالمناسباتية، بل يجب أن يكون مسارًا سنويًا من أجل صناعة حقيقية للذاكرة

يشار أن محمد والي مخرج ومنتج جزائري، في رصيده عدد من الأفلام الوثائقية أبرزها "السبيبة..فرح الصحراء"، "عبد القادر علولة.. مسرح الناس"، "العرس الشاوي".. وغيرها.