04-أكتوبر-2021

الصحافي أحسن خلاص (فيسبوك/الترا جزائر)

ما تزال أحداث الخامس من أكتوبر سنة 1988 تثير كثيرًا التساؤلات والسجالات إلى اليوم، حول إن كانت تلك الأحداث ثورة شعبية مطالبة بالعدالة الاجتماعية والمساواة، أو كانت صراعًا بين أجنحة داخل السلطة استغلت فيها الأحداث الاجتماعية، من ستحمل المسؤولية الأمنية في ذلك الوقت. وهل كان للتيارات السياسية الإسلامية والليسارية والراديكالية دور في ذلك.

أحسن خلاص: لا بدّ من الإقرار بأن الجماهير الشعبية في أحداث أكتوبر لم تكن تطمح لبناء مؤسّسات تعددية بقدر ما كانت تنتظر من السلطة تلبية حاجياتها الاجتماعية

في حوار لـ "التر جزائر" يحاول أحسن خلاص، المحلّل السياسي والاجتماعي الإجابة على كثير من الاستفهامات، والرد على نقاط شكلت محطة سياسية برازة في الحياة السياسية الجزائرية المعاصرة

اقرأ/ي أيضًا:  حوار | جيلالي سفيان: السلطة أقحمت نفسها في الصراع الأيديولوجي لإضعاف الحراك

  • ثلاثة وثلاثون سنة تمر على ذكرى أحداث أكتوبر 88 ولا يزال النقاش قائمًا، هل كانت هذه الأحداث انتفاضة شعبية أم صراعًا بين عصب في السلطة كان الشارع مسرحا لها؟

الصراع بين العصب جزء من طبيعة السلطة في الجزائر، منذ الصراعات التي عرفتها فترة الثورة التحريرية على قيادتها مرورًا بأزمة صيف 1962 ومختلف المراحل الأخرى بعد الاستقلال وما تخلّلها من أزمات.

 لكن قليلًا ما كانت الصراعات بين العصب تستدعي تدخلًا شعبيًا عفويًا لحسم تلك الصراعات، لأنّها ظلّت من أسرار الدولة، وما يعلمه العامة منها كان مجرد تسريبات وفي بعض الأحيان تمويهات، ثم إن الرأي العام الداخلي كان يعتبر صراعات العصب داخل السلطة ظواهر عابرة، غالبًا ما تنتج عن تحالفات ظرفية.

لا بدّ من الإقرار بأن الجماهير الشعبية لم تكن تطمح لبناء مؤسّسات تعددية بقدر ما كانت تنتظر من السلطة تلبية حاجياتها الاجتماعية. ولم تكن المطالب المتعلقة بالتغيير السياسي إلا في إطار التيارات المطلبية الكبرى، وهي ثقافية ودينية على وجه الخصوص كرّسها التياران البربري والإسلامي وبدرجة أقل التيار اليساري الراديكالي.

 ومن هنا صارت أحداث أكتوبر 1988 منعرجًا مهمًا، إذ مثلت تلك اللحظة التي تداخل فيها صراع العصب مع احتقان على الجبهة الاجتماعية جراء انخفاض أسعار النفط وما نجم عنه من تفشي الندرة منذ 1985، وارتفاع الأسعار مع البدايات الأولى لتحريرها. كل هذا حدث فجأة ودون سابق إنذار بعد أن عاش الجزائريون العهدة الرئاسية الأولى في ظلّ بحبوحة مالية تحت شعار "من أجل حياة أفضل".

حدث كل هذا أيضًا وغالبية الجزائريين في الأحياء الشعبية بمدينة الجزائر والمدن والقرى الأخرى، صاروا يشاهدون التغير السريع في نمط الاستهلاك مع ظهور طبقة بورجوازية طفيلية تغذت من النفوذ والبيروقراطية، وهذا النمط الجديد من العلاقات الاجتماعية لم يكن موجودًا في عهد بومدين، بل كان الحديث عنه من قبيل المحرمات.

وهنا، شعر كثير من الجزائريين أن هناك إعادة نظر واضحة في توزيع الثروة الوطنية مع هذه الفوارق الجديدة، بالموازاة مع الاحتقان الشعبي الذي ذكرنا بعض أسبابه برز منذ بداية الثمانينات صراع جديد داخل السلطة حاول الرئيس الشاذلي بن جديد الاستفادة منه قدر الإمكان لضمان التوازن والسيطرة لوقت أطول.

هو ذلك الصراع بين حزب جبهة التحرير الوطني وقواها الجماهيرية، الذي ازدهر واكتسب نفوذًا أكبر في عهد محمد الشريف مساعدية من جانب، وبين قوى جديدة ليبرالية وتقنو بيروقراطية التفت حول حكومة عبد الحميد ابراهيمي، دون أن تنتمي بالضورة إلى حزب جبهة التحرير الوطني. أحداث أكتوبر جاءت في وقتها من أجل تجاوز هذا الصراع وإتاحة المجال لنخبة جديدة "إصلاحية" تجاوزت الحرس القديم لحزب جبهة التحرير الوطني والحرس القديم للحكومة.

  • هل حالة الانسداد بين التيار الإصلاحي وأنصار العهد القديم المتمثل في جبهة التحرير الوطني عجّل في انفجار الشارع؟

عشية الأحداث لم يكن ممكنًا الحديث عن تيار إصلاحي مقابل تيار محافظ داخل حزب جبهة التحرير الوطني، بل بين الحزب وقوى أخرى من النظام تنتمي إلى تيارات سياسية أخرى، أوما يمكن أن نسميه مجازًا حزب الإدارة، حيث ظهرت لأول مرة ثنائية الحزب والدولة بعدما كانا شيئًا واحدًا في عهد بومدين. التيار الإصلاحي تشكل فيما بعد لإنقاذ النظام؛ وهو تيّار كان ينادي بضرورة إبقاء حزب جبهة التحرير الوطني في السلطة لكن بثوبٍ جديد، وهذا التيار لم يحكم بزمام الأمور إلا بعد الاستفتاء على دستور 23 شباط/فيفري 1989، وتولي مولود حمروش رئاسة الحكومة في أيلول/سبتمبر من السنة نفسها، حيث شرع في إعداد ترسانة من القوانين التي من شأنها ضمان المرور من الأحادية إلى التعددية ومن الاقتصاد الاشتراكي إلى اقتصاد السوق.

ما تم في عهد عبد الحميد الإبراهيمي لم يكن إصلاحًا بقدر ما كان تفكيكًا للبنية الاقتصادية الموروثة عن عهد بومدين دون بناء بديل واضح، ولما انهارت أسعار النفط في 1986 وجدت المنظومة الاقتصادية المفكّكة والمبنية على الريع نفسها عاجزة عن مواجهة المطالب المتنامية من المجتمع.

  • هل كان للتيارات اليسارية التي كانت تنشط في السرية دور في تفجير الأحداث؟

يمكن القول إن هذه التيّارات غذت إلى حد كبير الاحتقان القائم والاحتجاجات التي سبقت الأحداث خاصة في مركب رويبة، وأذكت الطبقة الوسطى ضدّ الحزب ومنظماته، وحاولت تحميل هذا الأخير كل السلبيات والنقائص، لاسيما وأن المادة 120 من القانون الأساسي للحزب اشترط الانخراط فيه لتولي المسؤوليات السامية في الإدارة والمؤسسات الاقتصادية وهو ما أثار ردود فعل سلبية تجاه قيادة حزب جبهة التحرير الوطني لاسيما لدى إطارات حزب الطليعة الاشتراكية آنذاك.

  • رد فعل السلطة كان عنيفًا تجسدّ في الاعتقالات والتعذيب. من يتحمل مسؤولية الإدارة الأمنية آنذاك؟

لست في موقع من يحدّد المسؤوليات الشخصية والمؤسساتية. ما يمكن قوله إن هذه المسؤوليات تعددت بعد دخول الجيش على خط المعالجة الأمنية. لم تكن أجهزة الشرطة في ذلك الوقت بالجاهزية والعدد والعدة التي هي عليها الآن، فلجأ الرئيس الشاذلي بن جديد إلى استدعاء وحدات الجيش الوطني الشعبي وإعلان حالة الحصار وحظر التجوّل أمام تفاقم الشغب والعنف خلال المظاهرات. النتيجة أن الأحداث خلفت عشرات القتلى ومئات الجرحى وانتشار قصص التعذيب، دون أن يجري تحقيق تكشف نتائجه للرأي العام.

  • هل كان التيار الإسلام السياسي المستفيد الوحيد من الأحداث؟

عكس التيار البربري الذي لم يشارك في الأحداث، فإن التيّار الإسلامي بحكم تواجده المكثف في أحياء العاصمة الجزائر ركب موجتها وحاول توجيهها لاسيما في العاشر من تشرين الأوّل/أأكتوبر، أي خمسة أيام بعد اندلاع الأحداث خلال الصدامات التي حدثت في حي باب الواد. كان هذا التيار مهيأ لذلك منذ بداية الثمانينات لاسيما الطرف المنتشر عبر المساجد الشعبية الذي شكل بعد ضمه النخبة الجامعية فيما بعد الجبهة الإسلامية للإنقاذ، التي تأسست بعد أشهر قليلة من الأحداث أي في آذار/مارس 1989، وحازت على أغلب مقاعد المجالس البلدية، وفازت بالدور الأول من الانتخابات البرلمانية.

أمّا التيار اليساري التقليدي فكان مصيره الانكماش؛ لاسيما وأن الأحداث تزامنت مع سياق انهيار المعسكر الشيوعي وسقوط الديمقراطيات الشعبية في أوروبا الشرقية. التيار البربري عرفت تحولات مع انقسام الحركة الثقافية البربرية إلى قسمين وظهور حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية الذي اضطر جبهة القوى الاشتراكية أيضًا للانسياق كلية مع المطالب الثقافية.   

  • رغم أن الخامس من تشرين الأوّل/أكتوبر 88 منعرج حاسم في الحياة السياسية بالجزائر، لماذا في رأيك هناك تجاهل رسمي ومجتمعي لهذا التاريخ، وهل هناك قواسم مشتركة بينه وبين الحراك الشعبي؟

حتى وإن فتحت الأحداث الباب للاعتراف الرسمي بالتعددية السياسية والإعلامية والنقابية والجمعوية، من أجل فك عزلة النظام القائم آنذاك، إلا أنها لم تكن عصا سحرية لحلّ جميع مشكلات الجزائر لاسيما الاقتصادية منها، بالعكس وجدت الحكومات المتعاقبة منذ حكومة مرباح إلى غاية 1999 صعوبات مالية كبيرة جدًا بل وصل الأمر بالجزائر إلى عدم القدرة على دفع خدمات الدين الخانقة فاضطرت إلى إعادة جدولة ديونها بعد أن ظلّت حكومة حمروش تلجأ إلى الاستدانة الخارجية قصيرة المدى.

على المستوى الشعبي لم تحقق أحداث أكتوبر أهدافها الاجتماعية، لم تقض على الفروقات ولم تؤسّس لعدالة اجتماعية ولم تؤد إلى ازدهار اقتصادي بل دفعت إلى وضع أمني مأساوي متزامن مع حل المؤسسات الاقتصادية وتسريح العمال. وحتى باب التعددية والنقاش السياسي المفتوح غداة الأحداث ما لبث أن أغلق بسبب الأزمة الأمنية. لم تنجز الجزائر الانتقال السياسي والاقتصادي الذي أنجزته الديمقراطيات الشعبية في أوروبا الشرقية في ظرف قصير.

أحسن خلاص: المقارنة بين محطة تشرين الأول/أكتوبر ومحطة شبّاط/فيفري ليست سهلة فنحن أمام جيلين مختلفين

المقارنة بين محطة أكتوبر ومحطة شبّاط/فيفري ليست سهلة فنحن أمام جيلين مختلفين. وإن كانت بعض مطالب تشرين الأول/أكتوبر 1988 حاضرة في  شباط/فيفري 2019 مثل القضاء على الفساد والاستبداد، إلا أن تشرين الأوّل/أكتوبر كان صرخة غضب في حين أن الحراك الأخير كان صرخة رفض بمحتوى سياسي أكثر منه اجتماعي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

حوار| أحسن خلاص: الحراك حركة تاريخية وليس خصومة سياسية

حوار | أحسن خلاص: الحراك الشعبي لن يتوقّف