17-يونيو-2019

صورة بروفايل للناشر كمال قرور صاحب دار"الوطن اليوم" (الترا جزائر)

كلّما التقيت الكاتب والنّاشر والنّاشط الثّقافيّ الجزائريّ كمال قرور (1966)، كلّما واجهني هذا السّؤال: هل يمكن للمثقّف أن يكون عضويًّا، بتوصيف أنطونيو غرامشي، من غير أن يكون يساريًّا؟ ذلك أن الرّجل مشغول بتفعيل المشهد الثقافي والاجتماعي، منذ عقدين على الأقلّ، حتّى أنّه يندر أن يتحدّث عن غير هذا الهاجس، في مجالسه الواقعيّة والافتراضيّة.

 نشر كمال قرور خلال فترة وجيزة  140 عنوانًا في مختلف المجالات، وأصدر في المقابل سبعة كتب في القصّة والرواية

أعلن عن نفسه إعلاميًّا في تسعينات القرن العشرين، إذ كتب في جرائد كثيرة وأسسّ أخرى. ثمّ ناشطًا ثقافيًّا ومدنيًّا، إذ بعث "منتدى المواطنة" عام 2009 في مدينة العلمة، ثمّ ناشرًا، إذ بعث دار "الوطن اليوم" للنّشر والتّوزيع عام 2015، حيث نشر خلال هذه الفترة الوجيزة 140 عنوانًا، في مختلف المجالات وبمختلف الصّيغ، ومع هذه الاهتمامات كلّها كتب ونشر سبعة كتب في القصّة القصيرة والرّواية والإعلام الثّقافيّ.

اقرأ/ي أيضًا: حوار| سمير قسيمي: زاد الحراك أسئلتي وأوقفني على عبثية الوجود

قبل أيّام، في عزّ الحراك الشّعبيّ، تلقّى تهديدًا من وزير الدّفاع السّابق خالد نزار، طالبًا منه سحب كتاب "بوتفليقة رجل القدر" للكاتب والإعلامي عبد العزيز بوباكير، ممّا أعاد سؤال حرّية النّشر والتّعبير في الجزائر إلى الواجهة مرّة أخرى. هنا حوار جمع "الترا جزائر" به.        

  • في عزّ عطاء دار النّشر، بعد جملة من المكابدات، التّي سنتحدّث عنها لاحقًا في هذا الحوار، يأتيك تهديد صريح من رجل عسكريّ. هل أثمر لديك الأمر إصرارًا أم تثبيطًا؟

تهديد الجنرال أعطاني إشهارًا  مجّانيًا لم أحلم به يومًا، وموقف الأجهزة الأمنيّة كان حياديًا ومشرّفًا. بعد هذه المسيرة المؤلمة والطّويلة، أنا أكثر إيمانًا بتجسيد المشروع على أرض  الواقع، حيث الكتاب والقراءة آخر اهتمامات الجزائريّين. ورغم الظّروف المحبطة أنا الآن أكثر استعدادًا لمواجهة  المشاكل وما يتبعها من طوارئ.

 لا يمكن أن تنجز مشروعًا في  الجزائر، من دون أن تدفع الثّمن من وقتك وصحّتك وأعصابك وجيبك. هذا المشروع  هو  وجه  من وجوه المواطنة، التّي  كرّست  شطرًا من  وقتي لنشر ثقافتها. ولا أعتبره "مزيّة " منّي  بل أسمّيه "واجب الواجب". لذلك كلّما أغلقت القوى المعادية للمبادرات  بابًا، أفتح بابًا  آخر، وأكمل المشوار نحو الهدف مستميتًا في تكريس  الفكرة.

 

بالتّجربة تعلّمت تجنّب  الدّخول في  الجدالات  والمواجهات العقيمة مع تلك القوى المكرّسة للجهل. أنا أعرف  هدفي جيّدًا. وكلّ الطّرق تؤدّي إلى الهدف. الآن آمنت بأنّ الخطّ المستقيم  مجرّد  وهم. لذلك يمكن ألّا نصل  في  الوقت  المحدّد، لأنّ  المتاريس كثيرة، ومثبّطي العزائم لهم  كفاءة عالية وإمكانيات كبيرة. ولكن يجب أن نواجههم بالإصرار.

  • ماذا حدث بالضّبط مع الجنرال خالد نزار؟

أظنّ أنّه حدث سوء فهم، أو خطأ ما. وقد يكون تهافتًا من الطّرف الآخر بنيّة مبيّتة، تهدف إلى الضّغط الاستباقي لمنع الإفراج عن مذكرات الرّئيس الأسبق الشّاذلي بن  جديد  في  جزئها  الثاني، الذي يحمل الكثير من  المفاجآت.

من حسن  حظّي أنّي قرأت المخطوط، بعد أن أكّدت لصديقي الكاتب عبد العزيز بوباكير أنّه إذا كان غير موضوعي في الكتاب فلن  أنشره. لا يمكن أن أطعن من سقط أرضًا رغم أنّي كنت لا أتفق  مع سياسته وهو في أوجّ  قوّته (يقصد الرّئيس بوتفليقة).

لكنّه أكّد لي موضوعيته وكان صادقًا. هناك من قرأ المخطوط بعدي، ولم يكن ينتمي  إلى الطّاقم  المشرف على سلسلة  كتاب  الجيب. وأثنى  عليه، ولم  يقدّم ملاحظات سلبيّة. لهذا كنت مطمئنًّا، وثابتًا، رغم الضّغط الرّهيب الذّي عشته. لكنّي استطعت تجاوز الامتحان الصّعب.

  •  هل يعني هذا التصرّف، أنّ عالم نشر الكتاب لا يختلف عن عالم نشر الصّحف، لم يدخل بعد عالم الحرّية المطلوبة؟

النّشر بمختلف وسائطه، يخيف السّلطة ورموزها ومن  يدورون  في  فلكها. ولذلك  ما زال الإشهار محتكرًا، لتتحكّم به في الجرائد، كما تتحكّم في نشر الكتاب. والدّليل هذه الأشكال من الدّعم التّي  طالها الفساد أيضًا، من دون  استراتيجيّة  واضحة لإنعاش  صناعة الكتاب. والدليل أيضًا أن هناك بعض المذكّرات الجادّة، التّي  ينتظرها القارئ بشغف، لكنّها لم  ترَ النّور.

 

  • لنعد إلى بدايات مشروع دار "الوطن اليوم". ما هي الأحلام/ الأفكار الكبرى التّي قام عليها؟

منذ البداية كان مشروعًا طموحًا وبأحلام لا متناهية. وكنت متيقّنًا من  أنّه سيتجسّد في الواقع، وسيلقى التّرحيب، ويكون قيمة مضافة في  المشهد الثّقافيّ الجزائريّ. كان همّي كيف يقرأ الجزائريّ بحرّيّة وديمقراطيّة، من دون وصاية وتوجيه أيديولوجيّ يقولب وينمّط فعل القراءة. كنت مراهنًا على القارئ المتشبّع بروح الانفتاح والخاضع للعقل النّقديّ.

  • ثمّ شرعتَ في تجسيد المشروع على أرض الواقع. بأيّة عقبات تعثّرت؟

الجانب التّقني حال دون انطلاق المشروع في وقته. وتعثّر أكثر من مرّة. بالإضافة إلى نوعيّة الورق، وإمكانيّة صدور الكتاب في  وقته. ونقاط البيع التّي  لم تكن المكتبات الكلاسيكيّة جاهزة لاحتضانها. لقد كيّفنا المشروع أكثر من مرّة ليجسّد في الميدان. ولو لم نكن مرنين لاستحال التّجسيد.

  • في المقابل. ما هي محاسن/ مكاسب/ محفّزات المقروئيّة في الميدان؟ هل ثمّة ما يدعو إلى الاستثمار في هذا الحقل جزائريًّا؟

نظريًّا يعدّ مستقبل المقروئيّة في الجزائر واعدًا مع هذه الأجيال، التّي نالت حظّها من  التّعليم، ولكن واقعيًّا يصبح الأمر مختلفًا؛ مازال الطّريق طويلًا، والرّهان على التّوزيع قائمًا. إذا  كنت تملك شبكة توزيع جيّدة، فبإمكانك أن تنجح، أمّا إذا لم تستطع تحقيق ذلك، فحتمًا سوف تُخفق.

  • ماذا عنكم؟

من جهتنا نحاول في كلّ مرّة أن نربح رهان التّوزيع بابتكار الحلول المتميّزة، من ذلك بعث نقاط بيع في محطّات الطّريق السيّار والمحالّ التّجاريّة الكبرى، لكنّه يبقى مستعصيًا دائمًا. فكلّما اجتهدنا في الوصول إلى حلّ، تواجهنا مصاعب جديدة لا قبل لنا بها.

  • هل ترى أنّه على النّاشر أن يكتفي بما هو موجود، أم عليه أن يعمل على صناعة القارئ الخاصّ به؟

هذا هو رهاننا في "الوطن اليوم". أن نصنع القارئ، وأن نساهم في صناعة الذّوق والوعي. فالقارئ الجاهز موجود بتوجّهات مختلفة، وله العناوين الجاهزة التّي  يبحث عنها.

  • ما هي الأطراف التّي ترى أنّها شريكة في نشر ثقافة القراءة ورعايتها؟ وهل هي تقوم بما يجب أن تقوم به؟

يد واحدة لا تصفّق. فهذا المسعى يحتاج إلى  تكاتف الجهود: مؤسسات ثقافية، جمعيّات، مؤسّسات تربويّة، مؤسّسات صناعيّة، ومؤسّسات خدماتيّة. للأسف كثير من  هذه  المؤسّسات لا تقوم  بدورها، وإن حدث ذلك، يكون ارتجاليًّا وغير مدروس رغم أنّها تملك الوسائل والمال.

 

 

  • هل ترى أنّ مسعى الحراك الشّعبيّ سيخلق خارطة نشر جديدة في الجزائر؟

بكل تأكيد، فالحراك لحظة فاصلة بين زمنين. واللّحظة التّاريخيّة الجديدة، تحتاج إلى مواطن  جديد وإلى قارئ جديد، ومتطلّع إلى معرفة ما يدور حوله، والكتاب أحد هذه المفاتيح التّي  تمنحه الفرصة ليعرف.

  •  كيف ترى دور النّخب المختلفة في فرض مشهد ثقافيّ جديد ومختلف وقائم على مراعاة المعايير الجماليّة مستقبلًا؟

النّخب مطالبة اليوم بالنّقد الذّاتي وبمزيد من الإنتاج المعرفيّ والجماليّ، وقبل ذلك لابدّ من  قطيعة مع الممارسات القديمة التّي أساءت إليها وجعلتها محطّ ريبة وسخريّة. دور النّخب ليس تبرير قرارات  السّياسي، بل هي مطالبة بالنّقد الموضوعيّ والتّحليل والرّيادة  والاستشراف، من أجل  المرور الآمن للمجتمع نحو المستقبل.

كمال قرور: عزائي أنني أجد متعة عميقة في أن أوفّر فرصة نشر لغيري

  • ما تقول في هذا الحكم: كان كمال قرور يصدر كتابًا هو كاتبه دوريًّا، قبل أن يكون ناشرًا. ثمّ كفّ عن ذلك بعد بعثه دار نشر؟

أنا أكتب وأحتفظ بعدّة مخطوطات، غير أنّني في حالة مراجعة صارمة لمشروعيّ الأدبي، وقد وجدت العزاء في كوني أجد متعة عميقة في أن أوفّر فرصة نشر لغيري.

 

اقرأ/ي أيضًا:

حوار | رباح بدعوش: الشعر هو الشاهد على الإنسانية

حوار | كمال الرياحي: "عشيقات النذل" تحدّثت عن اللصوص فسرقوها