لا بد أنك استمعت مرارًا لأغنية ترقية ترددت كثيرًا في مواقع التواصل وعلى قنوات يوتيوب، حملت عنوان "ليغ الزمن"، وصارت الموسيقى المفضلة للعديد من مروّجي الفيديوهات السياحية في صحراء الجزائر الكبرى التي لا تكلّ أبدًا من العطاء بفضل كرم طبيعتها وأبنائها.
تيكوباوين: قد نلجأ مستقبلًا للغناء بلغات أجنبية كالفرنسية والإنجليزية
تعود هذه الأغنية التي تحتفي بالحب وتدعو إلى التعايش لفرقة "تيكوباوين" التي تملك في رصيدها العديد من الأغاني التي صرنا نرددها جميعًا، ولو لم نفهم معناها لأنها تغنى بلهجة "التماشق" وهي لهجة من لهجات لغة الطوارق، لكننا نغنم منها دوما روح الصحراء الجزائرية الساحرة، ونستحضر من خلالها هوية الإنسان المرتحل الأصيل وبيئته القاسية التي لقنته بقسوةٍ دروس البقاء.
"تيكوباوين" التي تتبنى طابع البلوز الصحراوي، تعزف "الأسوف" ما يعني (الوحدة)، إذ يعد ثورة على الآلات التقليدية في موسيقى أبناء الجنوب، بأعضائها الذين ينحدرون من تمنراست وأدرار وعين صالح من أقصى جنوب البلاد، فرقة من الشباب الواعدين الذين حملوا على عاتقهم رسائل الفن، الهوية، الحب، الأخوة والسلام، وقد اجتمعوا معا منذ سنة 2008 ورددوا أغان شهيرة في الحفلات والأعراس قبل الاحتراف.
خلال سنة 2016، أصدرت هذه الفرقة ألبومها الغنائي الأول الذي حمل اسم "ديرهان" أو (الأمنيات)، حيث احتوى على 12 أغنية مختلفة وملهمة غنتها الفرقة باللهجتين الترقية والجزائرية، وقد تميز هذا الألبوم بروحه الصحراوية والأفريقية وبطباعه المتفردة والمتراقصة على العديد من السلالم الموسيقية، حيث عملت الفرقة على تجديد طابع التيندي النسوي الذي يملك جمهورًا واسعًا عبر العالم باستعمال الآلات الموسيقية الحديثة.
في نهاية عام 2019، أصدرت الفرقة أغنية (سينجل) قبل ألبومها الجديد وكانت بعنوان "تينيري" أو (حيث يعيش البدو الرحل)، وهي الأغنية التي لاقت رواجًا طيبًا وعالجت معاناة أهل الصحراء مع ظروف الطبيعة القاسية، وقد صور الفيديو كليب الخاص بها في منطقة الأهقار، في قلب الصحراء الجزائرية.
أما في بداية سنة 2020، فقد أطلقت الفرقة ألبومها الثاني "أهناي" أو (الصدق) في أوروبا، حيث تضمن 12 أغنية أصلية، من إنتاج (أسطوانة للموسيقى) في الجزائر، وتكفلت بتوزيعه شركة (Le Son 9 Records) Labalme music France / Socadisc.
يذكر أن الفرقة قد شاركت في عدة مهرجانات محلية ودولية خلال السنوات الماضية، أهمها مهرجان أوريونتاليس في مونتريال بكندا، إضافة إلى مهرجان الإمزاد في تامنراست ومهرجان جميلة.
في هذا الحوار نتعرف أكثر على هذه الفرقة، حيث يحدثنا أحد أعضائها البارزين (حسين دڨار) الذي كان يجالس بقية الأعضاء آنذاك، ليكشف لنا أكثر عن خبايا هذه الفرقة، وعن أحلام أعضائها وطموحاتهم تحت اسم "تيكوباوين" التي تخطو خطوات واثقة نحو العالمية.
- لماذا اخترتم تيكوباوين؟ وما مدى ارتباطه بشخصياتكم وبما تصنعونه من هوية موسيقية؟
لقد اخترنا اسم تيكوباوين أو "سيوف الصحراء"، لأن كلمة "تكوبا" تعني السيف، وعلى عكس ما يمثله هذا السلاح من رمزيات للعنف والحروب، نعتبره في ثقافتنا أيضًا وسيلة للمحبة والسلام والاحتفال أيضًا.
ترتبط هذه التسمية بالبيئة التي أتينا منها، فنحن أبناء طبيعتنا، وموسيقانا أيضًا وليدة هذه البيئة التي خلقت فينا الفن والرغبة في تكوين هذه الفرقة بغية الوصول بها نحو الآخر الذي يجهلها، وهذا ما خلق الارتباط الموجود بين اسم فرقة تيكوباوين وشخصيتها الموسيقية.
- فرقة "بلوز الصحراء" اسم لازمكم وترجم ثيمتكم الموسيقية، كما بدا جليًا أيضًا في أغانيكم ذات الألوان العديدة التي جمعت بين الطابع المحلي الترقي وبين الريقي والفولك وغيرهما من الطبوع الموسيقية العالمية. ما الشيء الذي تتميز به فرقة "تيكوباوين" عن بقية الفرق التي تعتمد نفس الطابع الموسيقي في الجزائر أو خارجها؟
إن ما يميز موسيقى "تيكوباوين" هي محاولاتنا العديدة للخروج من قوالب الفرق الأخرى، وابتكار موسيقى تنفرد بثيمتنا الخاصة ولمستنا التي يدركها المستمع فور انطلاق الموسيقى، لقد دأبنا على الاستماع إلى العديد من الفرق التي تحيي الطابع الترقي وفن الجنوب، ومن ثم قررنا أن نعمل جاهدين لابتداع أسلوب خاص بنا، وهذه الرغبة في الاختلاف في حد ذاتها هي ما يميزنا عن بقية الفرق.
- تؤدون كلمات أغانيكم غالبًا بلغة التماشق التي تعد روح الأغاني الترقية وسببًا رئيسًا في انتشارها عالميًا مع عدة فرق معروفة. هل دخول اللغة العربية على الخط من خلال أغنية "أنتِ رواية" جعلكم تكسبون جمهورًا من نوع آخر وانتشارًا أكبر؟ وهل ترون ذلك ضرورة وجب تكرارها؟
نظن أن نوعية الموسيقى التي نقدمها (بغض النظر عن وضوح الكلمات وفهمها من عدمه من طرف من لا يتقنون لغة التماشق)، هي ما يوصلنا دائمًا إلى الجمهور الذي اكتسبناه عبر هذه السنوات، لأن المتلقي بطبعه يرغب دائما في اكتشاف ما هو جديد وفريد، وهذا ما نعمل جاهدين لفعله، لهذا وجدنا ملاذا في قلوب العديد من الناس في الجزائر وخارجها ممن لا يفهمون اللغة ولكنهم عشقوا هذه الموسيقى والإيقاعات المتميزة وأحسوا بها، كما وصلتهم عبرها رسائلنا الخفية والظاهرة معًا.
لقد اخترنا في الواقع خوض تجربة أغنية "رواية" لنثبت للجمهور ومحبي فرقتنا، وحتى لمن لا يعرفوننا، أننا نتقن الغناء باللغتين، وقد نلجأ مستقبلًا للغناء بلغات أجنبية أخرى أيضًا كالفرنسية والإنجليزية، لكسب أكبر عدد من محبي فرقة "تيكوباوين"، ولم لا نجلب أيضًا انتباه جمهور جديد لا يعرف هذا اللون الموسيقي، حتى نسهم في انتشاره محليًا وعالميًا بين كل الطبوع وكل الشعوب في العالم، ما يسهل علينا مستقبلًا التواصل مع الآخر عبر موسيقانا وكلماتنا.
- ما مدى تأثركم بفرقة تيناريوان؟ هل تحاولون اكتساب شخصية غنائية مستقلة بعيدًا عن القولبة التي قد تضعكم في مقارنات دائمة معها؟
من الواضح أن هنالك اختلاف واضح عملنا على وجوده من خلال ما قدمناه من أعمال إلى حد الآن، كما تتمتع فرقة تيكوباوين بشخصية مستقلة مقارنة بفرقة تيناريوان التي تمتلك أيضا طابعها الخاص والمتفرد، ما يقودنا إلى القول بأن المقارنات في الفن غير مجدية في الحقيقة، لأن كل فنان وكل فرقة في العالم يعملون على تقديم ما يميزهم عن الآخرين، وهذا ما قد يبدو واضحًا جدًا للمتلقي الوفي الذي يمكنه التفرقة بين ما تقدمه فرقتنا وبين أي فرقة تتبنى نفس الطابع الموسيقي.
- لمسنا في أغنية "تينيري" (أين يعيش الرّحّل) صرخة تحكي حال سكان الصحراء ومعاناتهم وتدعو إلى التكاتف، كأنما هي رسالة ثورةٍ على الحالة الاجتماعية والإنسانية لأهل المنطقة. هل تعتقدون أن هذا النوع من "الأغنية الصرخة" قد يساهم في الخروج بهم من التهميش نحو النور والفرج؟
لقد كانت أغنية "تينيري" في الحقيقة أمنية خالصة تنأى بنفسها عن أية رغبة في الثورة، تمنينا من خلالها أن يعيش كل البشر على حد سواء حياة كريمة يستحقونها، بغض النظر عن مكان عيشهم أو جنسياتهم أو أصلهم، حيثما كانوا، في الشمال أو في الجنوب، أو في أية بقعة من بقاع الأرض، نحن ندعو للإنسان أيا كانت صفته، موسيقانا تعد دعوة خالصة ورسالة محبة للبشر أجمعين حتى يغنموا العيش الكريم الذي يبتغونه.
إن "الأغنية الصرخة" ضرورةٌ لحكيِ معاناة الإنسان اليومية، وما يجابهه من ظروف صعبة ومشاكل تؤرقه، كما أن الفن وسيلة مُثلى لفعل ذلك، وإلا فما نفعه؟
نحن نتمنى أن نسهم ولو قليلًا في إيصال هذه الرسائل عبر ما نقدمه، وأن نفيد أكبر عدد ممكن من البشر.
- البحث عن الماء وأغاني الترحال للتزود به.هل هي دعوة لطلب الحرية والكرامة الاجتماعية؟ أم أنها إشارة الى أهمية هذا العنصر الحياتي الذي أصبح يثير اهتمام الدول ويشعل حتى التنازع بينها؟
يعد الماء أساس الحياة في كل المجتمعات، كما أن حضارات عديدة تكونت من خلاله، وبالنظر إلى الظروف الطبيعية التي عشناها حيث ولدنا وتربينا، يعد هذا العنصر الحيوي شيئًا نادرًا ومفقودًا وجب التغني به وطلبه والبحث عنه دائمًا، لهذا تلجأ بعض أغانينا إلى ذكره وإلى التذكير بضرورة وجوده والحفاظ عليه من الاندثار في الظروف الصعبة، كما وجب دائما توعية الناس بضرورة احترام البيئة والطبيعة والمحافظة عليها بشكل عام، وهذه أيضا إحدى رسائل الفن النبيلة العديدة.
- نشهد لكم خطوات واثقة ولكنها متأنية نحو جمهور عالمي خارج الجزائر. كيف كان الصدى مع ألبوم "آهناي"؟وما الذي تحتاجه تيكوباوين لبلوغ العالمية؟
كل شيء في هذه الحياة يبتغي منا التأني والمضي قدما خطوة خطوة، وهذا ما نفعله في مشوارنا مع فرقة "تيكوباوين"، نحن نتأنى في اختياراتنا وفي ما نقدمه، لأن الجمهور الذواق صعب الإرضاء، وإذا ما تسرعنا قد نقع في الاستسهال والفشل، لهذا وجب علينا دائما أن نمشي ببطء بغية الوصول نحو قلوب الجماهير، كل شيء سيأتي مع الوقت، ونحن لا نستعجل الشهرة.
نتمنى أن نكتسب جمهورًا عريضًا خلال هذا الوقت داخل الجزائر وخارجها، إننا نعمل حاليًا جاهدين ونحن ندرك جيدًا أن الطريق أمامنا ما تزال طويلة.
- ما مشاريعكم القريبة؟
في الواقع، وجد ألبوم "أهناي" تجاوبًا كبيرًا وقت طرحه من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وكانت الآراء في معظمها إيجابية ومشجعة جدًا، أما فيما يخص الحفلات التي كان من المفروض أن تواكب خروج الألبوم فقد ألغيت وقتها بسبب وباء كورونا، وهذا ما قلل من انتشاره بين الجمهور، حيث لم يوف حقه من الترويج، تمامًا كما حصل مع العديد من الإنتاجات الفنية في تلك الفترة الصعبة.
تيكوباوين: نعمل حاليًا لطرح ألبوم جديد سنكشف عن تفاصيله مع نهاية العام الحالي
نعمل حاليًا لطرح ألبوم جديد سنكشف عن تفاصيله مع نهاية العام الحالي، وسنضع كل جديد مع التفاصيل في صفحاتنا على المنصات الإلكترونية المختلفة، ليكون جمهورنا الوفي على اطلاع دائم بكل ما يخص فرقة تيكوباوين وجديدها إن شاء الله، فقط تابعونا..