مكمن شغفه بالكتابة والأبحاث التاريخية، هو أنه يجد في ذلك متعةً شخصيةً واكتمالًا لمزاجه المعرفي، وقد تقوده فكرة ما، إلى سفرٍ جديد أو تعلّم لغات جديدة، هي رغبة تتجدّد عند الباحث فوزي سعد الله، كلّما انطلق في فكّ شفرات الأسئلة التارخية الغامضة.
يركّز صاحب "يهود الجزائر هؤلاء المجهولون"، في كثيرٍ من مؤلّفاته على تاريخ الأندلس، وهجرة الموريسكيين، وتاريخ اليهود وثقافتهم
يركّز صاحب "يهود الجزائر هؤلاء المجهولون"، في كثيرٍ من مؤلّفاته على تاريخ الأندلس، وهجرة الموريسكيين، وتاريخ اليهود وثقافتهم، حيث تضمّنت كتبه الكثير من المفاهيم التاريخية عن شعوب شمال القارّة الأفريقية وحوض المتوسّط، غير أنّه يبدي اهتمامًا كبيرًا بالثقافة الجزائرية، وهو يجيب على أسئلة "الترا جزائر"، إذ يكشف في هذا الحوار، أنه بالتزامن مع دراسته للغة الإسبانية، اتّجه منذ عامين على الأقل، للبحث في تاريخ فنّ الطبخ الإسلامي، مركّزًا على المجال الثقافي الأندلسي المغاربي، وعلى الحالة الجزائرية بشكلٍ خاصّ.
اقرأ/ي أيضًا: حوار| بشير ربّوح: الحراك الشعبي حقل دسم للفلسفة
- كيف انتقل فوزي سعد الله من عالم الصحافة والإعلام إلى مجال التاريخ؟
بسيطة جدًا.. ربما يتعجبون لأنهم لا يعلمون أن فوزي سعد الله عندما بدأ يشتغل كصحافي نهاية سنة 1990، كانت لديه خطة شخصية لِيصبح كاتبًا في ظرفٍ ما كان يجب أن يتجاوز خمس سنوات. هذه هي المُهلة التي مَنحْتُها لنفسي لأحِقَّقَ أمنيتي.
أنا جئتُ إلى الصحافة مُتَخِّذًا إيّاها وسيلة لا غاية في حدّ ذاتها لأبْنِيَ نفسي كَكَاتِبٍ بِتعلُّم الكتابة وتقنيات التحرير والاحتكاك بالعالَم بمختلف جوانبه الاجتماعية، والسياسية، والثقافية وبالاطلاع المباشِر على الواقع والتَّعَرُّف على صانِعيه بكل شرائحهم. كل هذه العناصر تَمْنَحُ الصّحفي المبتدِئ حيِّزًا كبيرًا من الواقعية وتُكسِبه معارفَ واسعةً ونضجًا ووعيًا يحتاجه إن ارتقى في يوم من الأيام إلى البحث والتأليف. بالموازاة مع ذلك، كان عليَّ أن أُكْمِلَ دراساتي الجامعية، لأنني كنتُ لا أزال طالبًا، وأن أتعلَّم اللغات الأجنبية لِتنفتح في وجهي آفاقٌ ثقافية أخرى أرْحَب وتجاربُ أممٍ لا يُمكن الإحاطة بها بغير لِسانها.
أمَّا لماذا اخترتُ التاريخ بالذات؟ ربما هذا مرتبط بطفولتي التي قضيتُ العديد من سنواتها وأنا في المدرسة الابتدائية ثم في التعليم المتوسّط متفسِّحًا لاهيًا بين أزقّة مدينة الجزائر التاريخية، حي القصبة، المحاذي لبيتنا وقصورها ومساجدها وعيونها من جهة، و بين صفحات "تاريخ الجزائر العام" للشيخ عبد الرحمن الجيلالي و"مدينة الجزائر، نشأتُها وتطوُّرها" وتاريخ أبطال الإسلام، كأعمال حسين هيكل، بالإضافة إلى تاريخ الحضارة الإسلامية من خلال أعمال هامَّة كمؤلفات المصري أحمد أمين بمجلداتها الـ8، أيْ "فجر الإسلام" و"ضحى الإسلام" و"ظهر الإسلام".. وفي نهاية المطاف، نَجَحَتْ خطَّتي والحمد الله، لأن أوَّل مؤلفاتي ابتدأتُ العَمَلَ عليه في خريف سنة 1992م وهو "يهود الجزائر هؤلاء المجهولون" الذي كان جاهزًا نهاية عام 1995، دون تَجاوُزٍ للمهلة المُقرَّرة بـ"خمس سنوات"، لِيُنشَر في ربيع 1996، بصعوبةٍ بالِغة لِتخوُّف الناشرين مِن حساسية الموضوع في ظروفٍ أمنيةٍ عاليةِ الخطورة كان ثَمَنُ الخطأ فيها يُدفع بالأرواح.. ولولا ستْر الله، ما كنتُ أردُّ على أسئلتك الآن.
أمّا سببُ اختياري هذا الموضوع بالذات فلارتباطه بأحداثٍ هامة في بلادنا بين سنتيْ 1989 و1991 برز فيها مستشارون اقتصاديون يهود في الحكومة الإصلاحية آنذاك من جهة ولِإشباعِ فُضُولي الشخصي قبْل كل شيء من جهة أخرى.
في المقابل، مِن حيث التكوين الجامعي، تَمكَّنْتُ مِن حيازة شهادة ليسانس في النظرية الاقتصادية وأخرى في اللغة الإنجليزية، بالإضافة إلى مستوى ماجستير في التحليل الاقتصادي طَوَّر قدراتي العامّة وسَمَحَ لي كمحلِّلٍ في هذا المجال بالتدخلات الإعلامية والحوارات على مدى أسابيع على أمواج "إذاعة الجزائر الدولية" لأشرحَ وأحللَ باللغتيْن الفرنسية والعربية الأزمةَ الاقتصادية التي عَصَفَتْ بالعالَم في 2007/2008. كذلك، أَضَفْتُ إلى تكْوِيني دراسةَ اللّغة الإسبانية، وأنوي مستقبلاً تَعَلُّمَ اللغة التركية، لا سيّما التركية القديمة التي يُطلَق عليها "العثمانية".
- قلت إن كتابك الأخير "الشتات الأندلسي" في الجزائر، الصادر عن دار قرطبة، هو حصيلة عشر سنوات من البحث. من أين بدأت الفكرة؟
هذا الكتاب أخذ 13 سنة من عمري في الحقيقة، لأنّ العمل عليه بدأ منذ العام 2002/2003، وانتهيتُ من إنجازه في نهاية عام 2015، ونَشرتُهُ في خريف 2016.
خَوْضِي في هذا الموضوع مُرتبطٌ ارتباطًا عضويًا بدراستي تاريخ الطوائف اليهودية في الجزائر والتي تُوِّجتْ بإصداري ثلاثة مؤلفات وهي: "يهود الجزائر هؤلاء المجهولون" و"يهود الجزائر موعد الرَّحيل" و"يهود الجزائر مجالُسُ الغناء والطرب". لا يمكنك دراسة تاريخ هؤلاء الموسَوِيِّين في الجزائر دون التطرُّق إلى يهود الأندلس، لأنَّ نسبةً كبيرة منهم لَجَأتْ أو هاجرتْ إلى الجزائر عندما اضْطَهَدَهَا الإسبانُ النصارى خاصَّةً عام 1391، لا سيما في جزر الباليار وإشبيلية ومقاطعات أخرى كان حُكم المسلمين فيها قد انتهى منذ فترة طويلة، وأصبحتْ إسبانيةً كاثوليكيةً، وجاءتْ أفواجٌ أخرى أيضًا إلى بلادنا عند سقوط غرناطة آخر الممالك الإسلامية في الأندلس في الثاني من يناير من العام 1492. وبالتالي، اكتشفتُ عبْر ما جرى لِيهود الأندلس مِن مآسٍ على يدِ مَحاكِم التفتيش والحُكَّام الكاثوليك أن مئات الآلاف، بل الملايين، مِن مُسلِمي الأندلس تَعرَّضوا للمآسي ذاتِها وأكثر وعلى مدى زمنيٍّ أطْوَل امتدَّ مِن عام 1492، إلى سنوات الطَّرد الرَّسمي العامّ لِبقايا أهل الأندلس وأحفادهم بين عاميْ 1609 و1614.
فوزي سعد الله "خَوْضِي في هذا الموضوع مُرتبطٌ ارتباطًا عضويًا بدراستي تاريخ الطوائف اليهودية في الجزائر"
كنتُ أعتقد، مثلما هو شائع في البلاد العربية وربما حتى عند الكثير من المسلمين مِن غير العرب، أن وجود الأندلسيين في شبه الجزيرة الإيبيرية انتهى بسقوط غرناطة وتَسْليم مفاتيحها من طرف آخر ملوكها أبو عبد الله النصري للملكة إِيسَابِيلْ (Isabel) وزوجها فرْنانْدو (Fernando). وفي الحقيقة، هذا غير صحيح بل هو خطأٌ كبيرٌ شائع. لِكُلِّ ذلك، قَرَّرْتُ، لِرغبةٍ شخصية بالدّرجة الأولى، أن أفْهَمَ ما حَدَثَ في أنْدَلُسِنَا بعد انهيارِ حُكْمِنَا لَهَا في نهاية القرن 15م، لأن ما قبْل ذلك تَزْخَرُ بتفاصيله المؤلّفات الأندلسية ذاتُها والمؤلفات الحديثة والمعاصِرة بِغضِّ النظر عن رُؤَاهَا ومُقارَبَاتِها لهذا التاريخ. وهكذا، بدأتُ اقتفاءَ آثار أهل الأندلس في الأندلس ذاتها، التي أصبحتْ تُعرَف بـ"إسبانيا" بعد انهيار حُكم المسلمين، قبْل أيِّ بُقعةٍ أخرى. بعدَها انتقلتُ إلى تتبُّعهم في منافيهم ومَهَاجِرِهم عَبْرَ العالَم بَدْءًا بالبلدان العربية الإسلامية التي اسْتقْطَبَتْ غالبيتَهم الساحقة، فيما بَقِيَتْ نِسبةٌ منهم في إسبانيا إلى اليوم، فضلاً عن تتبع أخبار الذين توجّهوا إلى "العالم الجديد" وهم موجودون فيه إلى اليوم من خلال ذرِّيتهم وأحفادهم ومن خلال ثقافتهم وحضارتهم البارزة في العمران وتقاليد الطبخ واللباس والفرح وغيرها.
- تتداخل في هذا الكتاب مواضيع تاريخية، أنثروبولوجية وحتى فقهية وعقائدية. كيف تصنّف هذا العمل؟
صحيح، هو خليط تلقائي لِعِدَّةِ علومٍ في الوقت ذاته، يَمزِج بين التاريخ والأنثروبولوجيا واللسانيات وشيءٍ مِن الفِقْه وغيرها... في بداية البحث، كان يُفترَض أن أولي في كتابي أهميةً خاصّةً لِمواقفِ وآراء المؤرّخين والخُبَراء الجزائريين في مجال الدراسات الأندلسية/الموريسكية والعثمانية والذين بَرْمَجْتُ معهم حواراتٍ ولقاءات لعلّها تنيرُ لي الطَّريق وتُيَسرهُ. وكنتُ أتوقَّع الاستفادةَ كثيرًا مِن معارِفهم في هذا المجال، لكنني سرعان ما فَهِمْتُ أنني أُضَيِّعُ وقتي لِعدم تَعاوُنِهم بل وحتى عدَم الرَّد على اتِّصالاَتِي. وبالتالي، تَكَرَّرَتْ الإشكاليةُ ذاتُها التي اعْتَرَضَتْ طريقي عندما قُمْتُ بإنجازِ أوَّل مؤلّفاتي "يهود الجزائر هؤلاء المجهولون" في بداية التسعينات من القرن الماضي. وهكذا، بِمِثْلِ هذه المفاجَآت، تَعَلَّمْتُ أن أعتمدَ على قدراتي الذاتية وما هو مُتاح، وغيَّرتُ فيما يتعلق بكتاب "الشتات الأندلسي" إستراتيجيةَ البحثِ بالاعتماد أساسًا على المَزْجِ بين البحث البيبليوغرافي والشهادات الحيَّة التي تَمَكَّنْتُ من جمْعِها مِن أناسٍ بُسطاء يَنحدِرون مِن عائلات أندلسية/ موريسكية جاءتْ إلى الجزائر منذ قرون. مِنْهُم مَن تَعَاوَنَ بشكلٍ ممتاز ومِنهم مَن تَعَاوَنَ بتحفُّظ، أنا أتفهَّمهم لأن الأمرَ مُرْتَبِطٌ بِخصوصياتِ العائلات، وقِلَّةٌ قليلة مِنهم رَفَضَتْ التعاونَ، وهذا مِن حقِّها. وبشكلٍ عام، كان هؤلاء البُسطاء أفضل بكثير من الخبراء والمؤرّخين في تعاونهم.
في المقابل، عندما اتصلتُ بكبيرِ المؤرخين في المغرب الشقيق في مجال الأندلسيات المرحوم بن عَزُّوزْ الحَكِيم، وكان على عتبةِ التسعين مِن العُمْر، بِمجرّد ما رَنَّ الهاتفُ في بيته، رَدَّ عليَّ بالتِّرحَاب، لا سيّما عندما قلتُ له إنني جزائريٌ ومُهْتَمٌّ بموضوع تَخَصُّصِه. تَحَادَثْنَا لِحوالي ساعة من الزمن، وشجَّعني على الاستمرار في بحوثي وقال لي في الأخير أهلاً بك في المغرب، وأهلاً بك هاتفيًا، مَتى شئتَ. من جهةٍ أخرى، كصحفيٍّ منذ نحو 30 عامًا، أؤكِّد أنني عندما كنتُ أطلب وزير الخارجية الفرنسي الأسبق أوبير فِيدْرين (Hubert Védrine) أو جَاك عَتَّالي المستشار الأسبق للرئيس الفرنسي الرّاحل فرانسوا ميتران، وشخصيات أخرى بارزة، كان الردُّ عادةً يأتي مِن أوَّل أو ثاني رنّة. وعلى المنوال ذاتِه، كان يَردُّ على مكالماتي أمريكيون على غرار مستشارُ الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون لشؤون شمال إفريقيا والشرق الأوسط وعضو مجلس الأمن القومي الأمريكي البْروفيسور وِلْيَمْ كْوَانْتْ (William B. Quandt) أو زميله السَّفير ثم مساعد وزير الخارجية الأمريكي المبعوث إلى الشرق الأوسط رِيتشارْدِ مُورْفِيْ (Richard Murphy) الذي كان يَرُدُّ بالتّرحاب واللُّطف وباللغة العربية فوْق كل ذلك.
- لفت انتباهي استخدامك مصطلح "مورسكيولوجيا"، مصطلح يوحي أنه عِلم قائم بذاته؟ لماذا هذا المصطلح الأكاديمي؟ ومن هم المورسكيون؟
نعم، الدراسات الخاصة ببقايا أهل الأندلس وأبناؤهم وأحفادهم بعد سقوط غرناطة سنة 1492 تَوَسَّعَتْ وتَشَعَّبَّتْ لتُصبح عِلْمًا قائمًا بذاتِه تُستخدَم فيه علومٍ متعددة ومصادر جديدة للمعلومات كالأرشيف والآثار الموجودة في إسبانيا والبرتغال وفي "العالم الجديد"، لا سيّما في أمريكا الوسطى والجنوبية التي أصبحت أنظارُ كبار الباحثين موجَّهةً إليها بشكلٍ خاص منذ أعوام. مُصطَلَح "المُورِيسْكُولُوجْيَا" أصبح مقبولاً وشائعًا في الأوساط الأكاديمية والمتخصصة عبْر العالَم، وهو مُشتقٌّ مِن عبارة "Los Moriscos" (الموريسكيون) الإسبانية. هذه التسمية أطلقها الإسبانُ شعبًا ودولةً على أهل الأندلس وأبنائهم، وأحفادهم لاحقًا، تحقيرًا لهم، ابتداءً من سنة 1500م/1501 إثْرَ فشلِ ثورة الأندلسيين الأولى نهاية عام 1499 ضد التضييق عليهم الذي تَطوَّر إلى اضطهاد سُلِّطَ عليهم بعد سنوات قليلة من سقوط غرناطة الإسلامية. وقامت هذه الثورة في آخر العام 1499 ردًّا على خيانة واضحة للملوك الإسبان الكاثوليك "جدًّا"، كما كانوا يوصَفون، للمسلمين ونَكْثِهم تَعَهُّداتهم التي وقَّعوا عليها في وثيقة تسليم غرناطة مع آخر ملوك الأندلس المسلمين أبو عبد الله النصري. وفيما أطلق الإسبانُ على الأندلسيين المُسْلِمِين تَسْمِيَةَ "الموريسْكِيون" أو "المُورِيسْكُوسْ" ابتداءً من العام الأول من القرن 16، خَصَّوا اليهودَ الأندلسيين أيضًا في المرحلة التاريخية ذاتها بِتسمية "Los Marranos" (المَرَّانوسْ) أو (المَرّانِيُون)، ومعناها: الخنازير.
فوزي سعد الله "أجواء الأندلس وأخبارها السياسية والعسكرية كانت جميعها تشير إلى أن الانهيار قادم"
- تناولتَ في الكتاب سقوط الأندلس وإبادة الشعب الموريسكي. امتدت فترة الإبادة تقريبا قرنًا من الزمن (1492 -1610)، ما هي الأرقام عن المجازر والترحيل القسري والتنصير التعسفي، وما هي صُوَره، وهل هي مُوَثَّقة؟
الأرقامُ متضارِبةٌ وغير دقيقة خاضعة لتطوُّر البحوث والدراسات في هذا المجال. فترةُ التَّضْيِيقِ الذي تطوَّر سريعًا إلى اضطهادٍ فإبادةٍ دامتْ أكثر من 120 سنة. بَعْدَ تَسليم غرناطة، التزَم الملوك الكاثوليك في البداية لِبضْع سنوات بتعهداتهم باحترام المسلمين وثقافتهم وممتلكاتهم وديانتهم مثلَما نَصَّتْ عليه معاهدةُ التسليم. لكن سرعان ما انقلبوا عليهم بالضّغط عليهم لِدفعِهم إلى التخلِّي عن الإسلام واعتناق النّصرانية. وبعدما تأكّدوا من فشل سياسة الترغيب، شرعوا في سياسة الترهيب. حتى الملك أبو عبد الله النصري الذي بقي في البداية في ممتلكاته وقصره في وادي آش فَهم مَا كان يَضْمَرُّهُ الإسبان بعد عامٍ فقط من تسليمه مفاتيح مملكته، فأسرع بالرحيل إلى مدينة فاس في المغرب برفقة أهله وحاشيته. وقد فهم ذلك الكثير من المواطنين المسلمين أيضًا الذين اختاروا الرحيل مبكرًا منذ التسليم وبعده بقليل وحتى قبله بنحو 20 عامًا بالنسبة للبعض، لأن أجواء الأندلس وأخبارها السياسية والعسكرية كانت جميعها تشير إلى أن الانهيار قادم.
بالنسبة للموريسكيين، أيْ أندلسيو ما بعد سنة 1492 وليس أندلسيي ما قبل هذا التاريخ، تمَّ طردهم وترحيلهم نهائيًا من طرف السلطات الإسبانية بتعاون وتحريض من الكنيسة الكاثوليكية بين عامي 1609 و1614 بمرسوم ملكي. خلال هذه الفترة، ما هو مؤكَّد وموَثَّق، حسب دراسات حديثة تعود إلى خمسينات القرن 20 هو أن حوالي 300 ألف موريسكي تمَّ طردُهم. لكن هناكَ دراسات أخرى تتحدث عن حوالي 1 مليون مطرود، وأخرى عن 1.5 مليون إلى مليونيْ مطرود. وبطبيعة الحال، دون ذِكر عشرات الآلاف بل مئات الآلاف الذين كانوا يتركون إسبانيا أو كان يتِمُّ نفيُهم كلّما فشَل تمَرُّد موريسكي ضد السلطات الإسبانية في مختلف جهات البلاد منذ سنة 1499 إلى غاية السنوات الأولى من القرن 17م التي سبقتْ عملية الطرد الرسمي النهائي.
على سبيل المثال لا الحصر، عندما تَعَثَّرَتْ ثورةُ البُشَارَات في 1569م/1570، تَكَفَّلَتْ القوات البحرية الجزائرية بكل ثقلها بإنقاذ الموريسكيين وتسهيل خروج الثّوَّار المقاتلين من بلادهم سالمين باتجاه الجزائر. مثلما كانت قوّاتُنا تخوض المعارك البحرية وتنفذ العمليات العسكرية الخاطفة، انطلاقًا من مدينة الجزائر، بالسيطرة على مناطق ساحلية إسبانية لِبِضْعِ ساعاتٍ أو أيام ريثما يَتِمُّ إجلاءُ مَن علق بها من الموريسكيين ونقلهم إلى الجزائر. كذلك، في العام 1584م، نجح الرَّايس/الباشا حسن فِينيزْيانو (Hassan Veneziano)، إيطالي الأصل المنحدر من مدينة البندقية، في إجلاء أكثر من 2000 موريسكي من منطقة آليكانتْ (Alicante)، أو القنت كما كان يُسمِّيها المسلمون. وفي العام 1585، نجح الجزائريون أيضًا في إجلاء عدد من موريسكيي منطقة كتالونيا قبل تَمَكُّن الأميرال مراد رَايَسْ من إنقاذ عدد كبير من موريسكِيِّي سواحِل لُورْقَة (Lorca) قرب قرطاجنّة ونقلهم بسلام إلى الجزائر. وقبل ذلك، في العام 1569، تكفَّل الأميرال صالح رايس بالإبحار إلى سواحل شرق الأندلس، وتحديدًا إلى بلنسية، لإجلاء أهاليها الذين كانوا ينتظرون إنقاذهم من جحيم محاكم التفتيش، فأرْسَتْ سفنُ صالح رايس عند مَصَبِّ نَهْرِ أُولِيبَا (Oliva) ونَجَحَتْ في إجلاء 5600 موريسكي بعد معارك طاحنة مع البحرية الإسبانية في عرْض مياه جزر الباليار الإسبانية أو الجزائر الشرقية، كما كان يسميها الأندلسيون والمغاربيون، لِتنتهيَ هذه المغامرةُ العسكرية الخطيرة بِالرَّسْوِ بسلامٍ في الجزائر حيث استقرُّوا بشكلٍ نهائيٍ واندمجوا، وهُم اليوم جزائريون مِثْلِي ومِثْلك وربّما مِن بينهم عددٌ مِن قُرَّاء هذا الحوار.
- مقارنةً ببعض المؤلفات التي تناولت الترحيل القسري وإبادة مسلمي الأندلس من زاوية عقائدية، لاحظت في الكتاب البعد و الطرح الإنساني في المسألة. السؤال: هل حاول فوزي سعد الله تقديم قراءة مغايرة عن القراءات النمطية الموجودة؟
طبعًا، هذا هو الهدف أيضًا. أيْ دراسة الوقائع كما وَقَعَتْ كظاهرة بشرية قبل كل شيء بعيدًا عن العواطف والحنين والأسى الذي يتحرك في قلوبنا منذ أكثر من 500 عام كلّما ذَكَرْنا الأندلس. وعلى كُلٍّ، يبقى هذا الأسى معقولاً، لأن سقوطَ "الفردوس المفقود" الذي لم نبرأ منه بعْد كان ضربةً كبرى تلقيناها بل كارثة جيوسياسية ودينية وإنسانية بكل المقاييس إلى درجة أن لو لم تتدخل الإمبراطورية العثمانية لِكَبْحِ الطموحات الإسبانية الكاثوليكية لَكانت الكارثة أعْظَم وربما تحوَّلت بلدان شمال إفريقيا أو المغرب الإسلامي إلى أندلسات أخرى. مع ذلك، ليس صِحِّيًا أن تبقى مقاربتُنا للموضوع بعد كل هذه القرون أسيرةً للعواطف. لا يجب أن نغفل أيضًا البُعْدَ مُتَعَدِّدَ العقائد والأديان لِأزمةِ سقوط الأندلس ما دام ضحاياها هم المسلمون واليهود وحتى المسيحيين الذين كانوا يَعتنِقون الإسلامَ في هذه الفترة العصيبة كَتِلْكَ المرأة التي انْفَجَرَتْ ثورةُ الأندلسيين الأولى ضد الاضطهاد الإسباني في نهاية عام 1499، بسبب اعتداءِ رَجلِ دين مسيحي عليها على قارعة الطريق بِخَلْفِيةٍ دينية.
كانت طبيعة هذه الأزمة المنبثقة عن سقوط الحُكم الإسلامي في شبه الجزيرة الإيبيرية دينيةً/عقائديةً حارب فيها أتباعُ ديانة مُعيَّنة ديانةً أخرى لم يكونوا يُحِبُّونَهَا، وفي الوقت ذاته كانت أزمةً إنسانيةً، فضلاً عن بُعدِها الجيوسياسي/الإمبريالي الذي كانت له ارتدادات قاسية على الإنسانية جمْعاء، فيما كان التعايش أكثر مِن مُمْكِنٍ لو تَوَفَّرَ شيءٌ من الحِكمة في البلاط الإٍسباني. الارتداداتُ التي جَسَّدتْهَا هذه الصراعاتُ العقائدية/الجيوسياسية بين ضفتيْ المتوسط على مدى قرون لم تكن كارثية على الجميع فحسب، لفاتورتها الباهضة من الخسائر على ضفتي المتوسط ولِطول أمَدِها، بل رَسَمتْ مسارَ العلاقات الدولية بِرُمَّتِها لِقرون وما زلنا نعيش إلى اليوم الكثيرَ مِن تداعياتها.
لكل ذلك، ولأن الإحساس بالألم هو ذاته عند كل البَشَر لا يَزيد أو يَنْقُص حسب اللَّوْن والمُعْتَقَد والثقافة والجِنسية، اخْتَرْتُ الحديثَ عن الجرائم التي ارتُكبَتْ في حَقِّ الأندلسيين وأحفادهم من الزاويتيْن الإنسانية والدينيَة مَعًا: كمُسْلِمين وكَبَشَر، لا سيّما أن الاضطهاد والعنصرية على أُسُسٍ عقائدية وعرقية ما زال قائما وعُمْلَتُه رائجة في مختلف جهات العالم وحتى داخل المجتمع الواحد... اخترتُ هذه المقاربة المزدوجة لِنَتَذَكَّر ونَعْتَبِر، لعل الذكرى تنفع وتَحُولُ دون عدم تكرار مثل هذه المأساة أو على الأقل الحدّ مِن انتشارها وتوفير كوارثها ومآسيها وصَدماتها على البشرية جمعاء.
- تحدثت في الكتاب عن مقاومات متقطعة للمورسكيين. هل كانت حرب دينية عقائدية أم مقاومة ضد الطغيان والظلم واستعادة الكرامة؟
كانت كل هذا وذاك. كانت دينيةً/عقائدية ما دامت الكنيسة الكاثوليكية ومحاكم التفتيش، التي أنشأتْها لِمحاربة المعتقدات المخالِفة بما فيها المذاهب المسيحية غير الكاثوليكية، تؤطِّرها وتلعب دورًا طلائعيًا فيها بالتنسيق مع أعلى زعامة روحية كاثوليكية في العالم وهي البابا ذاته. وكانت أيضًا طغيانًا واستبدادًا وهضمًا للحقوق والحرِّيات واستغلالاً همجيًا شرسًا من طرف الإنسان لِأخيه الإنسان. لذا، كانت مقاومة الأندلسيين وأبنائهم وأحفادهم، الذين أصبحوا يُلقبون بـ"الموريسكيين" بعد أقل من 10 سنوات من سقوط غرناطة، مقاومة دينية/روحية ومقاومة ضد الظُّلْمِ ومن أجل الحقوق والحريات. وربّما هذا البُعد الإنساني هو الذي كان يَدفع بعضَ الإسبان المسيحيين، على قِلّتِهم، إلى التضامن مع المسلمين في الخفاء وتقديم يد المساعدة لهم، مثلهم مثل بعض أتباع مذاهب مسيحية غير كاثوليكية كالبروتستانت الذين كانوا هم ذاتهم من ضحايا اضطهاد الكنيسة والقصر المَلَكي الإسباني.
يجب أن نَعْتَبِرَ في كل مكان في العالم مِن مآسي هذه التجربة المرّيرة التي عانى منها المسلمون في إسبانيا بين عاميْ 1492 و1614 وحتى بعد هذا التاريخ ما دام بقايا مسلمي الأندلس اضطُرُّوا لإخفاء هويتهم إلى غاية نهاية عشرية 1970 إثْر وفاة الجنرال الدكتاتور فْرَانْكُو ومجيء الملك خْوان كَارْلُوسْ، والتي لم يَسْلِم من تداعياتها المأساوية لا الظالم ولا المظلوم، كما في كل النزاعات والحروب.
- بعد الترحيل القسري للموريسكيين من غرناطة، الكثير يعتقد أنهم استقروا في شمال أفريقيا، لكن ما ورد في الكتاب يوثق أنهم استقروا بالعديد من المدن الإسلامية والعربية وحتى الأوربية، وأدى بعضهم أدوارًا دينية، سياسية، عسكرية وحتى اقتصادية مهمّة. ما هي خصوصيات المجتمع الموريسكي؟
هو مجتمع مُسْلِمُ العقيدة عربي اللسان متنوعُ الأعراق والثقافات والعادات، يَتَضَمَّنُ مُختلف شعوب العالم مِن العرب والبربر والأفارقة السُّود إلى الإسبان، بنسبةٍ كبيرة مع العلم أن الإسبان كانوا يُشَكِّلُون أغلبيةَ أهل الأندلس إلى غاية القرن 10م و11م، والفَايْكِينْغْ والألْمَان والبُولَنْدِيِّين والرُّوس والجُورْجِيِّين وأهل دُوَل البَلْقَانْ وغيرهم من الأوروبيين الذين كان يُعَرَّفون بِتسميةٍ جامعةٍ لهم وإن تباينتْ أصولهم وهي تسمية: الصّقالبة. مثلما كان ضِمْنَ الموريسكيِّين مَن ينحدرون مِن جهات أخرى مِن العالَم كإيران ودُوَلِ آسيا الصُّغرى وحتى من الصِّين والهند وباكستان وأفغانستان... الموريسْكيون هُم كُلُّ هؤلاء، وحَصْرُهُم فقط في العرب والبربر خطأٌ تاريخيٌ كبيرٌ ومُجَرَّد صورة نَمَطِيَة نَتناقلُها آلِيًا منذ قرون.
كان الموريسكيون أصحابَ هويةٍ وطِباع وعادات تَشَكَّلَتْ عبْر القرون في الأندلس لِتمنحَهم شخصيةً مستقلّةً نسبيًا حافظوا عليها في مَنَافِيهم ومَهَاجِرِهم، بما فيها الإسلامية، على مدى أجيالٍ قبْل الانتهاء إلى الذّوبان والانْصِهار في المَواطِن الجديدة. كانوا عَرَبَ اللِّسان، لكنهم تَأثَّرُوا بِنِسَبٍ مُتفاوِتةٍ باللُّغة القشتالية القديمة، وغيرها من الألسنة الإيبيرية حينذاك، بسبب التَّثَاقُفِ الذي أُخْضِعُوا له على مدى خمسة أجيال منذ سقوط غرناطة. كانوا بشكلٍ عامٍّ مجتمعًا فسيفسائيًا مُتمدِّنًا راقيًا في سُلوكه وعالي التطوُّر الثقافي والحضاري مُتَمِّكِنًا من أحْدَث العلوم والتكنولوجيا، رغم التراجع الذي حَدَثَ للأجيال المتأخِّرة منهم عشية الطرد النهائي من بلادهم، إسبانيا، في بداية القرن 17م بسبب الاضطهاد، ومُتَحَكِّمًا في أحدث تقنيات الفلاحة في مرحلةٍ من التاريخ كانت فيها البشرية تعيش في مختلف المجالات على آخر إبداعات واختراعات مسلمي الأندلس. فهؤلاء الموريسكيون كانوا ورَثة هذه الحضارة البشرية العظيمة. لذلك، حيثما ذَهَبُوا لَمَعُوا وتَمَيَّزُوا وأبْدَعُوا وأفَادُوا. أبدعوا وأفادوا في الجَزَائِر وعَنَّابَة وتِلِمْسَان وقُسَنْطِينَة وفَاس وتِطْوَان وتُونُس وغْرُومْبَالْيَا وزَغْوَان ودَرْنَة وطَرَابْلُس والقَاهِرَة والإسكندَرِية ودِمَشْق وبَيْروت وطرَابْلس الشَّرق والقُدْس وصَفَد ويَافَا وحَيْفَا والحِجَاز، مثلما فعلوا في مَرْسِيلْيَا وبَارِيسْ ومُونْبُوبُلْيِيه في فرنسا وفي تُوسْكَانْيَا في إيطاليا وفي البُوسْنَة وإسْطَنْبُول ودِيَار بَكِير/ دِيَار بَكْر وحتى في الهِنْد والفِلِبِّين... كانوا حيثما حَلُّوا "كالإوْزَة التي تَلِدُ ذهبًا" على حدّ تعبير الكاتب الفلسطيني عادل بشْتاوي في كتابه "الأندلسيون المَوَارِكة".
- أشرت في الكتاب أن الأشقاء في تونس والمغرب لديهم مراكز بحث ودراسة في الشأن الموريسكي والأندلسي، في مقابل ذلك، لا نجد في الجزائر مراكز أبحاث في هذا الشأن، لماذا في رأيك؟ هل هناك حساسية تاريخية أيديولوجية تجاه هذا المكوّن التاريخي؟
تونس رائدة في مجال الدراسات الأندلسية/ الموريسكية، وقد لعب الدكتور عبد الجليل التميمي دورًا بارزًا في ذلك، بل لعب دورًا رائدًا عالميًا؛ حيث فتح الشهيّة حتى لباحثين من إسبانيا ومن أمريكا الجنوبية. وتونس تتوفّر اليوم على تراكم أكاديمي/ معرفي هام، نتمنى أن يَسْتَمِرّ، بِنُخبة متمكّنة تمَّ تكوينُها وبناؤها تدريجيًا منذ نهاية الستينات وبداية السببعينات. المَغرِب حَقَّقَ خطواتٍ هامةً أيضًا، ولو أنه جاء إلى هذا المجال متأخرًا نسبيًا مقارنةً بتونس، وقد بَدَأتْ انطلاقتُه الفعلية في ثمانينات القرن الماضي، وهو اليوم يتوفّر على باحثين ممتازين على غرار محمد رزُّوق وإبراهيم حَرْكَات، ومحمد حَجِّي، ومحمد بن شْرِيفَة، وقبلهم المرْحوم بن عَزُّوز الحَكِيم... وهذا دون ذِكْر تنظيم الملتقيات والندوات المحليّة والدولية واهتمام الإعلام المتزايد لدى الجيران بالدراسات الأندلسية/الموريسكية. أما في إسبانيا فقد ذهبوا بعيدًا وفاقوا التّوانسة والمغارِبة حيث تجاوزوا التاريخ الكلّي العام وأصبحوا يبحثون في ما يُمْكِن وَصْفُهُ بالتاريخ الجُزئي (Microhistory)، كالتأريخ لِبلدة أو قرية أو حَوْمَة، ولِمختلف المواضيع الصغيرة الجزئية التفصيلية وبالاعتماد على القرائن الدَّقيقة كالأرشيف والآثار العُمرانية وغيرها ولم يعودوا يكتفون بالعموميات.
عندنا، لم أعثر سوى على دراسات محدودة حجمًا وموضوعًا ومحاضرات متفرّقة هنا وهناك عن الأندلسيين في الجزائر، بَعضُها تَمَّ جَمْعُهُ في كِتاب مثلما فعل البروفيسور ناصر الدين سعيدوني، وقد استفدتُ منها كثيرًا، والبعض الآخر بقيَ مشتَّتًا، فيما تَغْلُبُ عليها بشكل عام المُقارَبةُ العُمومية دون توغُّلٍ في التفاصيل التي تتطلّب جهودًا أكبر بالعودة إلى الأرشيف والآثار وغيرها من القرائن والمصادر، فضلاً عن ضرورةِ التَّمَكُّنِ مِن اللغات الأجنبية كالإسبانية والتركية للاطلاع على مختلف أبعاد الموضوع لارتباطه ارتباطًا وثيقًا بالتاريخ الإسباني والعثماني على حدٍ سواء، بَيْنَمَا نَعْلَمُ أن المشتغِلين بالتاريخ عندنا تطغَى عليهم الأُحَادِيَة اللُّغَوِيَة. في الجزائر، استبشرْنا خيرًا بإنشاء مركز الدراسات الأندلسية في تلمسان سنة 2011، وفي نهاية المطاف، يبدو أن مخاضَ الجَبَل، كما يُقال، لم يَلِدْ أكثر من "جْرَانَة" وليس حتى فأرًا. المَرْكزُ لم يَحبل بَعْد على ما يبدو، حيث لم نشاهد له مؤلّفات أو مجلات علمية ولا حرَّك حتى الآن ديناميكيةَ بحْثٍ جديدة في هذا المجال... ولو أَنْفَقَتْ الدولةُ ميزانيةً صغيرة جدًّا، بإعطاء مِنَح دراسية/بحثيةً لـ10 باحثين جدِّيين مُتعدِّدي التَّخصّصات بالتزاماتٍ مُتَبَادَلةٍ منذ العام 2011 وبجدول أعمال واضح ودقيق، لكُنَّا اليوم قد قَطَعْنا أشواطًا بعيدةً في مجال الدراسات الأندلسية ولَحَرَّكْنَا ديناميكيةً جديدة بِإنفاقٍ بسيطٍ وراشدٍ. مع ذلك، أنا متفائل بعودة الاهتمام بالدراسات الأندلسية الذي أُلاَحظِهُ منذ السنوات القليلة الأخيرة كخيارات شخصية للعديد مِن طلبة الجامعات، حيث يَتَّصِلُ بي العديدُ منهم لِطَلَبِ التَّوْجِيهِ والمُساعدة لإنجازِ رسائل وأطروحاتٍ عن أندلسيِّي وموريسكيِّي الجزائر. فَكَمَا ترى البذرةُ موجودةٌ والأرضُ خصبةٌ والفَلاَّح غائبٌ مُتَهَاوِن.
اقرأ/ي أيضًا: حوار | نصيرة محمدي: ولّد الحراك الشعبي سلوكًا تحرريًا
- هل اطلع فوزي سعد الله على رواية "ثلاثية غرناطة" للكاتبة المصرية رضوى عاشور؟
مع الأسف، لم أطلّع عليها حتى الآن نظرًا لأولويات كثيرة ثقافية وشخصية اجتماعية، لا سيما أنني بصدد الاشتغال على عدّة مواضيع بحث في آنٍ واحدٍ لا تترك لي الكثيرَ من الوقتِ الفارِغ.
فوزي سعد الله "قد أتوجَّه إلى مواضيع وأنواع أخرى، فأنا عَبد مِزاجِي ورغَبَاتِي وأَسِيرُ وفْقَ هوايَ، لأن البحث عندي مُتعَة شخصية"
- ما هو جديد فوزي سعد الله في مجال الكتابة والتأليف؟
على سبيل المثال، بالتزامن مع دراستي اللُّغة الإسبانية لِتحسين مُسْتَوَايَ واشتغالي على مشروعٍ أدبيٍّ، أَبْحَثُ منذ نحْو عاميْن على الأقل في تاريخ فنِّ الطَّبخ الإسلامي مع التركيز على المجال الثقافي الأندلسي/ المغاربي وعلى الحالة الجزائرية بشكل خاص. وقد أتوجَّه إلى مواضيع وأنواع أخرى، فأنا عَبْدُ مِزاجِي ورَغَبَاتِي وأَسِيرُ وفْقَ هوايَ، لأن البحث عندي مُتعَة شخصية.
اقرأ/ي أيضًا:
حوار | رباح بدعوش: الشعر هو الشاهد على الإنسانية
حوار | محمد بن جبّار: الحراك الجزائري تجاوز المثقف والنخبة