شاب همست له السينما بعد تجربته مهندسًا للصوت، فانطلق باحثًا عن عوالمه في الإخراج ووضع بصمة في الفن السابع والتعبير عن قضايا اجتماعية بلغة الكاميرا، حيث أنجز حتى الآن سلسلة فكاهية تلفزيونية وعملين سينمائيين حقّقا رواجًا في الوسطين الإعلامي والفني، هما "الصفحة البيضاء" سنة 2018، و"المسيرة الأخيرة" آخر أفلامه الذي يتناول الحراك الشعبي بنظرة فلسفية وخيالية.
محمد نجيب العمرواي: الفنان أحمد بن عيسى يبدع في صمته وينقل لك الإحساس دون أن يقوم بأيّة حركة
عن هذا العمل وحكايته، وعن مشاريعه المقبلة وتعامله مع الراحل أحمد بن عيسى يتحدث المخرج محمد نجيب العمراوي لـ "الترا جزائر"، هو شاب يؤمن بالمحاولة حتى وإن انتهت بمزيد من الأخطاء.
- فيلمك "المسيرة الأخيرة" يعود إلى الحراك الشعبي الذي شهدته الجزائر، ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان إيمدغاسن السينمائي، ما رسالته؟
من خلال القصّة رسالته تعني تسليم المشعل للجيل الجديد، وهذه الرسالة موجّهة للمعنيين بالأمر، نملك طاقة شبابية هائلة تقدر بحوالي 80 بالمائة من المجتمع، ولابد من استغلال هذا الكنز والاهتمام به، فبهم تتطور البلاد، لذلك الفيلم هذه رسالته تسليم المشعل للجيل الجديد لأنّه مستقبل الوطن.
- حول ماذا تدور حكاية الفيلم؟
قصة بسيطة تدور حول رجل مسّن، غامض قليلًا، لا يعرف عنه الكثير في محيطه، يجهز نفسه للمشاركة في الحراك الشعبي، إضافة إلى ثلاثة شخصيات أساسية في العمل وهم طالب في معهد مسرحي رأى أنّه لا يستطيع العيش بمهنته، فقرر بيع "المحاجب" (أكلة تقليدية جزائرية)، وطالبة في كلية الطب، ملتزمة بقضايا المجتمع وناشطة، وهناك رسالة في نهاية الفيلم تقول إحدى الشخصيات لا يمكنك أن تكون ضدّ شيء معين، من أجل شيء معين، ولكن في الاتحاد يمكنك فعل شيء ما.
- صورتم الفيلم في ظل الحراك الشعبي، كيف كانت ظروف ذلك؟
التصوير، جرى في الجزائر العاصمة، في ظروف صعبة نوعًا ما، لأنّه تزامن والحراك، بحيث صورنا جمعات (الجزائريون كانوا يخرجون مظاهرات كل جمعة) متتالية، بمجموع خمسة أيام لكن في ظرف ثمانية أشهر، بالنظر إلى التزامات الفنانين، والدعم المادي الذي كان غائبا، وبالتالي هذه العوائق أطالت التصوير، لكن في الوقت نفسه تحصلنا على رخصة تصوير، وبعد نهاية التصوير تحصلنا على دعم مادي معتبر نوعًا ما.
- شارك في الفيلم الممثل الكبير الراحل أحمد بن عيسى، كيف كان التعامل معه؟
الفنان أحمد بن عيسى، شرّفنا بمشاركته في هذا العمل، قرأ السيناريو الذي كتبه حكيم طرايدية وأعجب به، وتفاعل مع الفكرة، وبالنسبة لي أحمد بن عيسى قدوة في التمثيل، وقامة كبيرة، يجعل المخرج مرتاحًا معه، وهنا الاحترافية، لا يوجد ممثل كبير أو صغير أو مخرج كبير ومخرج صغير، بل هناك ممثل محترف أو مخرج محترف كل واحد منهما يتقن مجاله ومهنته، ورغم أنني شاب وبن عيسى لديه خبرة طويلة في السينما والتمثيل، إلاّ أنّه محترف، يفهم ما معنى النظرة الإخراجية، ما معنى إدارة الممثل، بن عيسى في صمته يبدع وينقل لك الإحساس دون أن يقوم بأيّة حركة، لذلك أؤكد أنّه شرف كبير لي أنّ أحمد بن عيسى القامة شارك في عمل من إخراجي.
- في الفيلم مشهدان قريبان من بعضهما مع وجود اختلاف بينهما، أحمد بن عيسى في أول مشهد يخرج إلى الشرفة ويسقي الأزهار، وفي آخر الحكاية يظهر أنّه صاحب صفحة فايسبوكية ساهمت في الحراك افتراضيًا.. ما رمزية المشهدين؟
الحراك، قام به الشعب، في وقت قصير وبعد هدوء أحسسنا أنّ شيئًا ما يطبخ على نار هادئة، ثم الجميع كلهم في الخارج (الشوارع)، هنا يمكن طرح السؤال التالي من وراء هذا الأمر؟، ولا نملك الإجابة، هنا تخيلت إجابة افتراضية، خيالية، شخص كان رجلًا ثوريًا يحب الوطن، وفي ظرف معين وجد نفسه في محيط صعب، حاول أن يفعل شيئًا، ولكن لم يستطع، وشعر بالندم في نهاية المطاف، لذلك قبل وفاته أراد أن يترك بصمة أو أثرًا في التاريخ.
- هل يقصد بـ"المسيرة الأخيرة" توقف الحراك أم لها دلالة أخرى؟
جاءت "المسيرة الأخيرة" كعنوان للفيلم بالنظر إلى مسار الشخصية الرئيسية في القصة، الرجل المسّن الذي يريد أن يسير (يتظاهر) للمرّة الأخيرة، لأنّه كان شاهدًا على مجازر 8 آيار/ماي 1945 التي ارتكبتها فرنسا في حق الجزائريين، وكانت لدى بطل العمل محطتان هما الثامن ماي 1945 والحراك الشعبي، وبالتالي العنوان اختير وفقا للمسيرة الأخيرة لهذا الرجل.
- بعد صدور الفيلم، كيف استقبله الجمهور والنقاد؟
أردت توثيق مرحلة مهمة من تاريخ الجزائر، ولا وجود لخلفيات وراء هذا العمل، أردنا تصوير وإبراز وحكاية قصص، بأسلوب بسيط فيه خيال.
- هل سيوزع الفيلم في قاعات السينما؟
نعم، نحن بصدد إجراء مفاوضات مع أحد الموزعّين، من أجل تقديم العمل في قاعات السينما ليشاهده الجمهور الجزائري، وحتى يعود الجمهور إلى القاعات السينمائية.
- هل سنرى نجيب العمراوي مستقبلا مخرجا لأفلام روائية طويلة أو وثائقية؟
أحب أن أقدم حكايات، ليست عن أشخاص، ولكن قصص من إنتاجي خاصة بي، أعالجها من وجهة نظري، وعلى طريقتي في السرد، لذلك أميل إلى الفيلم الخيالي الروائي، حتى وإن كنت أحب وأهوى الأفلام الوثائقية. وقد أنتقل من الفيلم القصير إلى الطويل ولكن هذا يتطلب إمكانيات كبيرة.
- بعد المسيرة الأخيرة.. هل لديك مشاريع معينة؟
الأمر غير واضح حاليًا، هناك سيناريوهات عدّة أعمال، لكن وجب أولاّ إيجاد الوسائل لتجسيد المشروع على أرض الواقع، وحاليًا صعب جدًا.
محمد نجيب العمراوي: قد أنتقل من الفيلم القصير إلى الطويل ولكن هذا يتطلب إمكانيات كبيرة
- في الختام كلمة تريد توجيهها.. لمن تكون؟
رسالتي، تكون للمخرجين الشباب الذين يريدون إنجاز أفلام، أقول لهم أنجزوا أفلامًا، حاولوا، حتى وإنّ أخطأتم، فقط اختاروا أفكارًا جيدة للتعبير عنها.