19-أكتوبر-2022
الفنان حيدر بن حسين (فيسبوك/الترا جزائر)

الفنان حيدر بن حسين (فيسبوك/الترا جزائر)

أطلقت وزارة الثّقافة والفنون، عام 2020، في عهدة الوزيرة مليكة بن دودة، ورشةً لإصلاح المسرح، ضمّت وجوهًا من داخل الوزارة ومن خارجها، لكنّها فشلت في تقديم رؤية فعّالةً، ثمّ ذهبت بذهاب بن دودة وحكومة عبد العزيز جرّاد.

حيدر بن حسين: كم يوجد لدينا من معهد مختصّ في تلقين وتعليم فنون المسرح؟

ظلّت الأصوات تتعالى بضرورة إصلاح المنظومة المسرحيّة الجزائريّة، التّي يقول كثيرون من المنتسبين إليها إنّ ماضيها أفضل من حاضرها؛ رغم الإمكانيات الماديّة والبشريّة المتاحة لها، في الآونة الأخيرة، لكنّ معظم تلك الأصوات ظلّت تنادي بالتّغيير من غير قراءة عميقة للواقع والمأمول؛ ومن غير تقديم بدائلَ جادّةٍ، يُمكن البناء عليها لإحداث الإصلاح، عكس ما فعلته وجوه قليلة، منها الممثّل والمخرج ومدير مسرح بجاية الجهويّ حيدر بن حسين.

يرى مخرج عرض "انسوا هيروسترات"؛ أنّ تحوّلاتٍ كثيرةً حصلت في المشهد الوطنيّ العامّ، وعلى المنظومة المسرحيّة أن تواكب هذه التّحوّلات، على مستوى التّقنيات والأساليب والخطاب، حتّى تكون مالكةً للقدرة على الوصول إلى مفاصل المجتمع، عوضًا عن الاستمرار في الشّكوى من عزوف الجمهور وقلّة الفرص واتّهام الجيل الجديد بالميوعة وعدم الاهتمام بالأفعال الفنّيّة. 

ويرصد أهمّيّة الفعل المسرحي بالقول إنّه اقتصاديًّا مساحة استثمار، من خلال التّذاكر، العقود، الوسائل، التّوزيع، والإشهار الموجّه للمتعامل الاقتصاديّ بوضع الشّعار الخاصّ به، في مختلف مواطن تسويق العرض. وهو بهذا يؤهّل للإعفاء الضّريبيّ الذّي يصل إلى ثلاثة ملايين دينار.

 أمّا ثقافيًّا وفكريًّا، يضيف مخرج عرض "الأستاذ كلينوف"، فيمكن للمسرح أن يصنع وعيًا جديدًا، من خلال اتّفاقيات تُبرم مع قطاعات التّربية والسّجون والتّكوين؛ وأن يحتضن نقاشاتٍ فكريّةً مهمّةً وأن يكون مصدرًا لها. وسياسيًّا هو جزء مهم جدًّا من أمننا الثّقافي. خاصّةً إذا حظي بتسويق إعلاميّ واعٍ ومدروس، باعتباره وجهًا فنّيًّا أصيلًا حاملًا لتاريخ وفنون وفكر وإبداع المجتمع.

ويحذّر حيدر بن حسين الذّي تخرّج من المعهد العالي للفنون الدراميّة عام 2002، من عواقب التأخّر في مباشرة نقاش وطنيّ يتناول القضايا المسرحية الملحّة، بطريقة منهجيّة ونزيهة، "حيث سنجد أنفسنا أمام جملة من العراقيل التّي يفرضها المسؤول المسرحيّ الجافّ الذّي لا يفكّر إلّا في مصالحه الخاصّة". 

من بين تلك القضايا، حسبه، حالة البنايات المسرحيّة، ونوعية الوسائل والموارد البشريّة من فنّانين وتقنيّين ومسيّرين، وما يتبع ذلك من مهن محيطة، ثمّ نوعية الإنتاج وتوزيعه بكلّ ما يتعلّق به من بيع للمنتج ونقل وإيواء وإطعام وجرد دقيق لفضاءات استقبال العروض التّابعة لقطاع الثّقافة وقطاع الشّباب والرّياضة والجماعات المحلّيّة وتحديد واقع علاقة الفعل الثّقافيّ الفنّيّ بالسّياحة الثّقافيّة. 

هنا، يتساءل مخرج عرض "حلّاج الخبز حلّاج الفقراء" لمسرح باتنة الجهويّ: "كم يوجد لدينا من معهد مختصّ في تلقين وتعليم فنون المسرح؟ وكم يوجد بالتّقريب من ناقد مسرحيّ ذي أرصدة أكاديميّة؟ وكم يوجد من طلبة متخرّجين؟ وكم نملك من مجلّة ونشريّة وكتاب وجائزة وبرنامج في مجال المسرح؟". 

ويبدي بن حسين استغرابه لحالة التّساوي التّي يُتعامل بها مع جميع المسارح الحكوميّة، كأنّها نشأت في السّياقات نفسها، وتحظى بالمواهب والكفاءات نفسها والجمهور نفسه! داعيًا إلى إعادة النّظر في الهيكلة والإعانة. ومقترحًا أن تكون مسارح مخصّصة للإنتاج، وأخرى للتّوزيع و أخرى تروّج للنّشاطات الجانبيّة، "بما يسمح بوضع هرم يعطي للعمل الفنّيّ منحًى تصاعديًّا، فيسمح بمنح الفرص المتكافئة، وتنويع المنتج المسرحيّ، وإثراء وتثمين التّجارب المسرحيّة وخلق شبكة توزيع ولائيّة فإقليمية  فوطنية، وفق دفتر شروط غنيّ بالمشاريع، يسمح بالتحكم في الوسائل، ويساعد على بناء علاقة بين الأفراد والجمعيات والمؤسّسات المسرحيّة العموميّة".

حيدر بن حسين: المسرح  يجرّ من خلفه طاقات المدينة من نقل وإطعام وإيواء وإعلام  وإشهار وفرص عمل

ويؤكّد صاحب أفضل إخراج في المهرجان الوطنيّ للمسرح المحترف عام 2008، إيمانه بأنّ تطوّر المؤسّسة المسرحيّة مرهون بتطوّر المدينة. يقول: "يجب أن تكون المدينة شريكًا فعّالًا في تطوير المساحة المسرحيّة ومساعدتها على أن تكون خدمةً عامّة، من خلال مختلف الفضاءات المتوفّرة، فالمسرح  يجرّ من خلفه طاقات المدينة من نقل وإطعام وإيواء وإعلام  وإشهار وفرص عمل، فتصبح المدينة صاحبة فنون وآداب وفكر. من هنا تبدأ الحضارة".