06-سبتمبر-2021

مصارعة الجيدو شيرين عبد اللاوي (الصورة: أ.ف.ب/Getty)

اعتدنا في الجزائر أن تأتينا الخيبات دائما بعد كل أمل يصنعه أفراد هذا الشعب المتعطش لكل فرحة ولكل نجاح عابر للحدود، ليحلقوا باسم البلد عاليا في المحافل الدولية ويمنحونا متنفسا قصيرا بعد كل ما حصل من انهيارات سياسية واقتصادية واجتماعية، وكوارث طبيعية وصحية عصفت بنا جميعًا.

لقد كانوا إلى وقت قريب "يتوسلون" حرفيًا تلك المنحة البائسة ويتحملون في صمتٍ غضبَ و"حُقرة" الموظفين الذين لا يمنحونهم مساحات للاستقبال

تأتي الخيبة الآن لتحط على أكتاف أصحاب الهمم العالية الذين صنعوا فرحتنا من جديد خلال الألعاب البرالامبية (2020) التي نظمت في طوكيو، حيث احتلوا المرتبة 29 عالميا بحصولهم على 12 ميدالية، أربع منها ذهبية، أربع فضية، وأربع أخرى برونزية، ليصبحوا فخر الشعب بأكمله وفخر هذه الفئة التي تصارع التهميش منذ فترة طويلة.

مع ذلك، ورغم كل هذه الإنجازات العظيمة التي جاءت بالتوازي مع إهمال كبير في التكفل بهذه البعثة الرياضية قبل وأثناء الألعاب البرالامبية، لم تشفع لهم تلك الألقاب العالمية، ولم تمنع تلك الفضيحة التي أفاضت الكأس، حيث تم إهمال هؤلاء الأبطال في المطار بشكل مهين، بعد عودتهم مفعمين بالأمل ونشوة الانتصار والفخر.

خصصت لهم الاتحادية الجزائرية لرياضة "المعاقين" حافلة غير مهيئة تمامًا لأوضاعهم الجسدية بصفتهم من ذوي "الاحتياجات الخاصة"، في خطوة أبانت عن عدم احترام فاضح لهم، وعن غياب الاحترافية التي تعاني منها قطاعات حكومية كثيرة، وعلى رأسها فيى هذا المقام وزارة الشباب والرياضة بكل مسؤوليها.

وزير الرياضة تحجج بالصدمة وتنصل من مسؤولياته، واكتفى بإقالة المدير العام للرياضة والأمين العام لوزارة الشباب والرياضة، كما راح يُطلق الوعود التي يعلم الجميع أنها ستبقى بلا تنفيذ كسابقاتها بمتابعة التحقيق، فلا ثقافة لتحمل المسؤولية ولا استقالة يعرفها مسؤولونا، ولولا فضل وسائط التواصل الاجتماعي التي تناقلت فيديو الفضيحة، لما تحرك أحد لإيقاف المهزلة ولبقي كل شيء في الخفاء، فلم تكن هنالك علامة تقدير واحدة  لتلك (الاحتياجات) في ذلك اليوم، ولا أثر للتكريم ولحفاوة الاستقبال لهؤلاء الأبطال الذين كافحوا لأجل راية الوطن ونالوا الألقاب باسم الجزائر، لأنهم في الحقيقة وفي الواقع، ينتمون إلى أكثر الفئات تهميشا فيها.

  لا تعد الإهانة والتهميش أمرًا جديدًا على فئة ذوي الهمم في الجزائر، فلتدرك مدى البؤس الذي تعانيه هذه الفئة التي تشكل نسبة فاقت العشرة بالمئة من مجموع المواطنين الجزائريين، يكفي أن تطل إطلالة سريعة على وضع المراكز المتكفلة بشؤونهم منذ عشرات السنين، وعلى مصالح المنح والملفات، وعلى الصفحات والمجموعات المهتمة بحقوقهم على شبكات التواصل الاجتماعي، إضافة إلى أوضاع الجمعيات المختلفة التي تعنى بإيصال أصواتهم، حيث يجتمعون لتقاسم مآسيهم ومشاكلهم اليومية وللسؤال عن جديد الوعود التي لا تتحقق، وعن موعد تقاضي المنح الذي قد يطول انتظاره لشهور طويلة، لتبقى أكبر هواجسهم منحة ضئيلة لا تسد رمقهم لثلاثة أيام على الأكثر.

لعل المؤسف في الأمر حقًا، يكمن في تفشي لغة اليأس بين هؤلاء المواطنين الذين تكونت في دواخل أغلبهم كتلة من القنوط إزاء ما يسلب منهم مع كل تعديل وزاري وعند كل أمل يأتي به خبر إعلامي منفوخ بالوعود المؤجلة، ومع كل تلك القرارات الرسمية التي تبقى لسنوات حبيسة الأدراج دونما تطبيق، إضافة إلى تعامل الوزارات المعنية معهم بأسلوب المن والتعالي، ومطالبتهم بالامتحان والرضا والشكر لمجرد زيادة طفيفة في المنحة التي أقرها الرئيس الحالي، والتي لا تتعدى ما يقارب نصف الحد الأدنى المعتمد للأجور، وكأنها صدقة تعطيها الدولة رحمة منها أو شفقة، وليست حقًا مشروعًا لهذه الفئة التي يكبر عدد أفرادها يوما بعد يوم وتكبر معها آلامهم.

تقول كل المعطيات إذن، أن ذوي القدرات الخاصّة ليسوا سوى مواطنين من الدرجة الثانية وحتى أقلّ من ذلك بكثير، وليس هناك دليل على هذا الواقع سوى ما وقع في المطار، وما يقع يوميا لهم في حياتهم اليومية، ولا مؤشر حاليا لضحد هذه الحقيقة المؤلمة، فمن لم يزر المكاتب البلدية التي خصصت لتوزيع المنح على ذوي الاحتياجات الخاصة قبلا، ومديريات النشاط الاجتماعي والتضامن الموزعة على كامل التراب الوطني، إضافة إلى مكاتب البريد، لم ير شيئًا من كم المعاناة التي يواجهها هؤلاء الأبطال الذين يجابهون إعاقات وطن بأكمله، بكل مصالحه ومختلف مرافقه التي تقف في درب رغبتهم في حياة كريمة، خاصة خلال فترات توزيع المنح، أو سعيهم للحصول على المعدات التي تساعدهم على المضي في الحياة بشكل أسهل.

لقد كانوا إلى وقت قريب "يتوسلون" حرفيًا تلك المنحة البائسة، ويتحملون في صمتٍ غضبَ و"حُقرة" الموظفين الذين لا يمنحونهم مساحات للاستقبال، ولا يحدّدون لهم يومًا قارًا لتقاضي حقوقهم المالية، كما يغلقون أبواب المكاتب في وجوههم ليبقوا لساعات تحت الشمس في طوابير طويلة، كل منهم يعاني من إعاقة معينة تتعبه، ومنهم من ترافقه والدته المريضة أو أبوه المنهك من حمله لمرات عديدة أسبوعيا بغية الحصول على مبلغ لا يصل به ربما نحو البيت، لأنه يذهب غالبًا كثمن للحفاظات لبعضهم، أو الأدوية والضمادات وبعض الأكل لبعضهم الآخر، إضافة إلى مشكلة نسب الإعاقة التي جعلت مثلا شخصًا بلا قدم أو بد يحصل على أقل من 100% لتصوير منحته في مبلغ 4000 دج.

عالميًا، تتعامل الدول التي تحترم مواطنيها مع الفرد على أنه ثروة وطنية تمشي على قدمين، وتستثمر بلدان عديدة في الموارد البشرية لضخ الحيوية في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والمجال الفني والرياض أيضا، كما تعامل فئة ذوي الهمم كفئة مقدسة ذات حق كبير على الدولة، لأنها تدرك جيدا أن هؤلاء يشكلون قوة تساهم بشكل كبير في الحياة الاقتصادية، وأنهم جزء لا يتجزأ من البنيان المجتمعي، لهذا توفر لهم تلك البيئة الداعمة التي تبدأ من تحسين منظور المواطنين الأصحاء إليهم، كما يتم التكفل بهم نفسيًا وماديًا وجسديا ليصبحوا مواطنين كاملي الحقوق مكتملي الإرادة، ويتمتعون بقوة الشخصية والكرامة التي تجعلهم مبدعين كل في المجال الذي يلائمه.

أما في بلادنا، فتغيب البيئة الداعمة لتخلفها بيئة مُحطِّمة تولد الفشل الذي يتملك هذه الفئة، وتقلل من فرص الإبداع والتعلم لديهم، كما تفرض عليهم  ذلك الانزواء والشعور بالدونية، ما يجعل تجربة (الإعاقة) في حد ذاتها تجربة مريرة، ووحدها صعوبة التحرّك والوصول إلى المرافق العمومية بغية إبقاء التواصل والمشاركة في الحياة اليومية كفيلة بترجمة هذه المرارة.

هل سيأتي اليوم الذي نرى فيه هؤلاء الأبطال وهم يعيشون بكرامة في مجتمع لا يقبل أوضاعهم؟

فهل سيأتي اليوم الذي نرى فيه هؤلاء الأبطال وهم يعيشون بكرامة في مجتمع لا يقبل أوضاعهم، ومع سلطة لا تقدرهم ولا تقدر دورهم الكبير في تنمية هذا المجتمع؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

درّاج جزائري ضحية عنصرية في أولمبياد طوكيو.. ماذا حدث؟

كورونا تحرم الدراج يوسف رقيقي من أولمبياد طوكيو