بعد جدل طويل حول ملكية بعض الأعمال الدرامية والكوميدية، دار قبل عرضها على الشبكة الرمضانية، وبعد الحملات الدعائية التي تُشيد بالإنتاج المشترك، واستديوهات التصوير الكبيرة، والمؤثّرات العالية؛ تبيّن في النهاية أن أغلب هذه الأعمال لم تكن في مستوى الضجّة التي أثيرت حولها.
بعد الجدل الطويل حول ملكية بعض الأعمال الدرامية والكوميدية، تبين في النهاية بعد عرضها أنها لم تكن في مستوى الضجة التي أثيرت حولها
ومع انطلاق الشبكة البرامجية، بدا أن هناك إجماع على وجود حالة من الضياع عاشها المشاهد الجزائري في الأسبوع الأوّل، بحثًا عن برنامج تتوافق مع يومياته وذائقته معًا، خاصّة في الفترة التي تلي الإفطار، ويبدو أن كثيرًا من الآراء التي تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي حول الأعمال المعروضة، لم تخل من الانتقادات.
اقرأ/ي أيضًا: مسلسل أولاد الحلال.. دراما بنت بيئتها
صراع مجاني
تباينت ردود الأفعال حول الأعمال الرمضانية المقدمّة على القنوات التلفزيونية، من برامج الكاميرا الخفية وسلاسل الكوميديا والفانتازيا والمسلسلات الدرامية. ولم تشهد هذه السنة عملًا يحقق إجماعًا مشاهداتيًا في الجزائر كما حدث في السنوات الماضية، خاصّة مع سلسلة "عاشور العاشر" ودقيوس ومقيوس" وقبلهما سلسلة "جمعي فاميلي"، إذ كانت مثل هذه الأعمال، تضبط ساعة المتابعين على توقيت واحد، وتصبح أحداث حلقات هذه والسلسلات على لسان يومياتهم وتعليقاتهم على مواقع التواصل.
الضجّة الإعلامية التي دارت حول حقوق ملكية الأعمال التلفزيونية "دقيوس ومقيوس" و"مشاعر"، و"الرايس قورصو"، انتهت بموجة من الانتقادات لهذه البرامج على مواقع التواصل الإجتماعي، وبالرغم من الإعلانات الدعائية التي حظيت بها الأعمال في البداية، والحدث الذي دار حول تكلفة الانتاج إلا أنها خيّبت ظن كثير من المتابعين.
"مشاعر" بدون مشاعر
صبّ متابعو المسلسل الدرامي "مشاعر" جام غضبهم على الفنانة سارة لعلامة (زهرة)، التي أدّت دور البطولة إلى جانب الفنان حسان كشاش. وتناولت هذه الانتقادات عدم قدرتها على الإقناع والانسجام مع المشاهد الدرامية، إذ ظهرت وكأنها تقوم بقراءة الحوار ببرود، رغم وقوفها إلى جانب الفنان حسان كشاش الذي أدى دور رجال الأعمال طاهر يحيى، وبدا مقنعًا إلى حدّ بعيد.
لم تقتصر هذه الانتقادات على أداء الممثلين فقط، ولكنّها تطرّقت إلى الجوانب الفنية والتقنية، فرغم أن العمل كان موفقًا من حيث الديكور والإضاءة والمونتاج وأماكن التصوير التي توزّعت بين الجزائر وتونس، إلا منتقدي العمل، ركّزوا على أخطاء السيناريو وترهّل الحوار، إذ لم يكن بمستوى الجهود التقنية التي بذلت فيه، وهو ما أثّر أيضًا على آداء الفنانين الذي ظهروا أكثر إقناعًا في أعمال أخرى في وقت سابق.
فتاة ترتدي فستان زفافها الأبيض، وتجري في شوارع تونس طيلة الوقت، هكذا تلخّصت مشاهد مسلسل "مشاعر" منذ البداية، فقد بدت أحداث العمل بطيئة جدًا، ولم تصل إلى النبرة المتوافقة مع الخطّة الدرامية.
كما أن المشاهد كانت ميلئة بالفراغات والأخطاء المتعلقة بالملابس والديكور، فالفتاة زهرة التي هرّبت من حفل زفافها بعد إجبارها على الزواج، وبعد سفرها من تونس إلى الجزائر بفستانها الأبيض، ظهرت فجأة حقيبة يدوية في المشهد أثناء قيامها بدفع أجرة الفندق ثم اختفت هذه الحقيبة بعد ذلك!
برامج مستنسخة
من جهتها، خيّبت سلسلة "الرايس قورصو" آمال متابعي الفنان صالح أوقروت، الذي لفت الأنظار طويلًا في سنوات سابقة، عبر أعمال كوميدية وفنتازية على غرار"عاشور العاشر" و"جمعي فاميلي" و"ناس ملاح سيتي". ويبدو أن هذا العمل، الذي صُور في تركيا، وتمّ بشراكة تونسية مصرية جزائرية، قد غاب تمامًا عن لائحة المشاهدات.
ووجهت انتقادات كثيرة لفكرة السيناريو الذي تضمّن مشاهد طويلة وغير متناسقة، وكذلك الحوار الذي اتسم بإقحام النكات، والبحث عن محاولة إضحاك المشاهد إلى درجة الابتذال.
ما يُسجّل أيضًا حول سلسلة "الرايس قورصو"، أن العمل لا يحمل فكرة أصلية، ولكنه عبارة عن مجموعة من الأعمال المدمجة في عمل واحد، فمثلًا كان توزيع الممثلين قريبًا من سلسلة "عاشور العاشر" مثل شخصية النوري الذي احتفظ بدور قارئ إعلانات الملك، أما الأزياء التي كان يرتديها بطل العمل في دور القرصان قورصو، فكانت نسخة مقلّدة من القرصان جاك سبارو في فيلم "قراصنة الكاريبي"، إضافة إلى ذلك عمد المخرج عادل أديب، على استنساخ شخصية سنبل في مسلسل "حريم السلطان" إلى حدّ بعيد.
محاكمات أخلاقية
في مقابل ذلك، يبدو أن أنظار المشاهدين توجّهت إلى مسلسل "أولاد الحلال" منذ البداية. ورغم الإمكانيات المتواضعة التي نُفّذ بها المسلسل بحسب المنتجين، إلا أنّه تصدّر قائمة المشاهدات في اليوم الأوّل من عرضه، بحسب مركز إيمار للإحصاء في الجزائر.
وتتجه متابعات مسلسل"أولاد الحلال" في منحى تصاعدي منذ بداية رمضان. ويبدو أنّه سيتصدّر قائمة المسلسلات الدرامية إذا استمرت الأحداث الدرامية بنفس الوتيرة. ورغم الانتقادات التقنية التي وجّت له من حيث اللهجة المستعملة، إلا أن ذلك لم يؤثّر على العمل فنيًا ودراميًا.
وما يثير الانتباه في "أولاد الحلال"، أن العمل الذي تم تصويره في مدينة وهران، يقترب من الواقع المهمش بدرجة كبيرة، باستخدام اللهجة الوهرانية، والتصوير في حي فقير، وبتناول قصّة شقيقين نشآ في ملجأ للأيتام، يدخلان عالم الجريمة معًا، ويقوم كل واحد منهما بحماية الآخر، ولكنّهما يملكان بعض المبادئ التي تجعلهما لا يقتربان من الضعفاء ويسجّلان بعض المواقف الإنسانية.
سيناريو العمل، والحوار والشخصيات وآداء الممثلين والموضوع تحديدًا، كلّها عوامل لعبت دورًا كبيرًا في مسلسل "أولاد الحلال"، باقترب العمل كثيرًا من الواقع الجزائري بكل تناقضاته الثقافية والاجتماعية، واعتماده على لهجة موحّدة، على عكس مسلسل "مشاعر" الذي جاء خاليًا من الروح الجزائرية وثقافة الجزائريين، بل كان قريبًا جدًا من المسلسلات التركية.
لكن مع ذلك لم يسلم مسلسل "أولاد الحلال" من الانتقادات، ولكنها بقيت مجرّد محاكمات أخلاقية لا أكثر، إذ صبت هذه الانتقادات التي تبنّاها بعض الممثلين حول فكرة أن العمل يسيئ إلى أهالي تلك المنطقة، لأنه يتناول الجريمة والمخدرات والدعارة، ولكن عدا ذلك لم تكن هناك الكثير من الهفوات التقنية والفراغات الدرامية، بل بدا أن سيناريو العمل محبوك بشكل جيّد.
هذا ونشرت إحدى القنوات، خبرًا مفاده أن سكان وهران احتجوا على عرض "أولاد الحلال"، وطالبوا بسحب المسلسل بسبب أنه "يسيء إلى سكان الحي:، ليتبين في النهاية أن ما حدث كان مجرّد حرب إعلامية بين قنوات متنافسة.
الكوميديا والفانتازيا
في مجال الكوميديا والفنتازيا، صنع المسلسل الكوميدي "بوبالطو" من نوع "الويتسيرن"، الاستثناء بين البرامج الكوميدية التي تُعرض، إذ يجمع العمل الذي أخرجه نسيم بومعيزة، بين تقينات التصوير العالية وجمالية الفضاء المكاني، فقد تم تصويره بإحدى الاستوديوهات الإسبانية.
هذا بالإضافة إلى السيناريو المحكم لصاحبه عيسى شريط، والذي يتقاطع مع يوميات الجزائري، ويتطرّق لعدّة قضايا اجتماعية عالجها على الطريقة الجزائرية مثل قضية السكن.
في مقابل ذلك، لم تكن عودة سلسلة "بلا حدود" بعد 20 سنة من الغياب في صالحها. ورغم أن العامل النوستالجي لعب دورًا كبيرًا في عودتها مع الثلاثي الكوميدي مصطفى وحزيم وحميد، ورغم الإمكانيات الكبيرة والمؤثّرات البصرية التي استخدمت بها، إلا أن عودتها كان انتكاسة للصورة الجميلة التي حظيت بيها السلسلة الكوميدية في التسعينات.
أما سلسلة "دقيوس ومقيوس" الكوميدية، من بطولة نبيل عسلي ونسيم حدّوش، والتي كانت ضمن قائمة الأعمال التي حظيت بصراع كبير حول ملكيتها الفكرية، فقد تراجع صيتها هذه السنة، ولم تكن بمستوى الانتشار الذي عرفته العام الماضي، وربّما يعود هذا التراجع إلى تدنّي مستوى الحوار والابتعاد عن معالجة المواضيع الاجتماعية والقضايا التي تطرّق لها العمل في عدد سابق
برامج الكاميرا الخفيفة هذه السنة، لم تأت بالجديد، ولم تخرج عن إطار من مقالب تطبخ داخل الأستوديوهات والقاعات المغلقة، ومازال أغلبها ينطلق من فكرة استفزاز الضيوف والدخول معهم في مشاحنات، لتنتهي بمشاهد عنف وضرب وتبادل للشتائم، وهو ما يوحي بأن برامج الكاميرا الخفية أخفقت بشكل كبير هذه السنة ولم تعد تجلب اهتمام المتابعين، في ظل نمطية هذا النوع من البرامج وعدم الاعتماد على أصالة الفكرة وغياب عنصر الإدهاش، ونذكر من بين هذه البرامج "بالاك موراك" و"إحنا هكا"، و"عيش تشوف".
خطاب الكراهية
برامج التجارب الاجتماعية، تصدّرت هي الأخرى قائمة المتابعات، وإن كانت هذه البرامج تعتمد على تأجيج العواطف. وتتمحور حلقاتها حتى الآن على إثارة مشاكل عائلية في الفضاء العام، كتصوير مشاهد فيها اعتداء عنصري، واحتقار ربّة عمل لخادمتها، أو ابن يتخلّى عن والده في محطة مسافرين.
وهذا هو ما تم الاعتماد عليه في الموسم الثاني لبرنامج "إنسان"، إذ تُراهن مثل هذه التجارب على ردّة فعل الآخرين، في مقابل ذلك، يُمكن أن يتجاوز هذا النوع من البرامج هذه المواضيع الذي يضّف فيه خطاب الكارهية ضد الآخر لإجبار الضحايا على التدخّل وإبداء موقف معيّن.
رغم الإمكانيات المتواضعة التي نُفّذ بها مسلسل "أولاد الحلال" بحسب المنتجين، إلا أنّه تصدّر قائمة المشاهدات في اليوم الأوّل من عرضه
على الأرجح، كان يكفي أن تحسم الأيام الثلاث الأولى الأمر لصالح البرامج التي تُعرض على الشبكة الرمضانية، ولكن يبدو أن الوقت مازال مبكّرًا للحكم على هذه الأعمال، إذ إن الكثير منها كان يفقد عنصر الإثارة قبل نهاية الموسم وتتراجع شعبيته في الحلقات الأخيرة.
اقرأ/ي أيضًا: