08-يناير-2020

عبد المجيد تبون يستقبل جاويش أوغلو (تصوير: فاتيح أكتاس/الأناضول)

شهدت الجزائر خلال الأسبوع الجاري، إنزالًا ونشاطًا دبلوماسيًا كثيفًا، ارتبط بالتطوّرات الإقليمية والأوضاع المتسارعة على الساحة الليبية، وهو المؤشّر الذي جعل الكثير من المتابعين للوضع، يراهنون على العودة القويّة للدبلوماسية الجزائرية، وانعكاساتها الايجابية الرامية إلى جهود تسوية للأزمة الليبية.

محمد القبلاوي: إنّ الجزائر ستلعب دورًا في وقف العدوان على العاصمة طرابلس واستقرار البلاد

زيارة فايز السراج

في هذا السياق، التقى يوم الاثنين 06 كانون الثاني/يناير الجاري، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فايز السراج بالرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، وتباحث معه مسألة الوضع الليبي، إضافة إلى قضايا تهم البلدين.

اقرأ/ي أيضًا: الجزائر تُرسل مساعدات إنسانية "هامّة ومستعجلة" إلى ليبيا

وقال المتحدّث باسم وزارة الخارجية الليبية، محمد القبلاوي، إنّ الجزائر ستلعب دورًا في وقف العدوان على العاصمة طرابلس واستقرار البلاد.

وجاء في حديث أجراه القبلاوي، مع الإذاعة الرسمية الوطنية تعليقًا على زيارة فائز السراج، أن الجزائر لم تتوّرط في الأزمة الليبية عسكريًا، معوّلًا على أن يكون موقفها داعمًا للشعب الليبي.

زيارة جاويش

في هذا السياق، جاءت زيارة وزير الخارجية التركية مولود جاويش أوغلو إلى الجزائر، تزامنًا مع زيارة رئيس الحكومة الليبية، وتباحث الطرفان الجزائري والتركي، سبل وقف إطلاق النار في ليبيا.

في السياق ذاته، أعلن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، أن أنقرة ستتعاون على أساس المصالح المشتركة في القضايا الإقليمية المختلفة، وفي مقدمتها الأزمة الليبية، وقال في تغريدة له، قال إن بلده سترفع من مستوى التعاون إلى مستوى المجلس الاستراتيجي.   

ألمانيا تتراجع

 ذكرت وكالة الأنباء الجزائرية، أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، قد أجرت اتصالًا هاتفيًا مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، حيث وجّهت له دعوة رسمية، لحضور مؤتمر برلين المرتقب انعقاده أواخر شهر كانون الثاني/ يناير، الحالي لتباحث الأزمة الليبية.

 يبدو جليًا، أن أنجيلا ميركل، اضطرت للتراجع عن قرارها إبعاد الجزائر من حضور مؤتمر برلين، لبحث الأزمة الليبية الذي سيعقَد بحضور عشر دول، من بينها الولايات المتحدة، روسيا، فرنسا وبريطانيا.

وذكرت تقارير إعلامية أن الطرف التركي، ألحّ على ميركل، بضرورة مشاركة كل من تونس والجزائر التي تزيد حدودها مع ليبيا أكثر من ألف كيلومتر، في مؤتمر برلين القادم.

وصرّح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في مؤتمر صحافي مع الرئيس التونسي قيس سعيد، أنه طالب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بضرورة مشاركة الجزائر وتونس وقطر في مؤتمر برلين.

 جاءت مكالمة المستشارة الألمانية مع الرئيس الجزائري، غداة اتصالات هاتفية بينها وبين أردوغان، وقد تناول فيها الطرفان الأوضاع الأخيرة في ليبيا.

في السياق نفسه، تباحث وزير الخارجية صبري بوقادوم مع وزراء الشؤون الخارجية لعدّة دول مثل مصر، والإمارات، فرنسا، مالي، النيجر وتشاد، بخصوص الملف الليبي، كما أجرى محادثات مع الأمين العام للأمم المتّحدة أنطونيو غوتيريس، حيث تناولا آخر التطوّرات الإقليمية في المنطقة، خاصّة التطوّرات الميدانية في الساحة الليبية. 

طرابلس "خط أحمر"

من جهة أخرى، ندّدت الجزائر بشدّة بأعمال العنف الأخيرة على الأراضي الليبية، ووصفت الضربة العسكرية التي أودت بـحياة أكثر من 30 طالبًا في الكلية العسكرية بطرابلس، بالعمل الإجرامي الذي يرقى إلى جريمة حرب، معتبرةً أن العاصمة الليبية طرابلس "خط أحمر ترجو ألا يجتازه أحد".

وجاء في بيان لرئاسة الجمهورية، أنّ الجزائر تدعو المجتمع الدولي إلى تحمّل مسؤوليته في فرض وقف إطلاق النار، مع وضع حدّ للتصعيد العسكري.

في هذا الإطار، يقول الباحث في العلاقات الدولية في جامعة لاهاي جلال حرشاوي، إن الجزائر تعارض كل تدخّل أجنبي في ليبيا، بما في ذلك النشاط العسكري لأنقرة في طرابلس، كما ترفض أيضًا حملة أبو ظبي الكبيرة للغارات الجويّة في طرابلس.

وقال حرشاوي إن استقبال الجزائر لرئيس الوزراء فايز السراج، ووزير الخارجية التركي جاويش أوغلو، ترمي إلى بحث الأوضاع في ليبيا عن قرب وتبادل الانشغالات، إضافة إلى طرح المقاربة الجزائرية في الأزمة الليبية.

وأشار الخبير في حديث إلى "الترا جزائر"، بخصوص مسألة احتمال طلب تركيا دعمًا وتزكية من الجزائر لتدخّلها العسكري في ليبيا، أنه لا شيء واضح من الموقف الجزائري، معتبرًا عبارة "لا شيء واضح" في العرف الدبلوماسي شكلًا من أشكال الموافقة.

تأكيد الجزائر على دورها في الملف الليبي، وتفعيل المجلس الأعلى للأمن، يشير إلى تقلّص دور النظام المصري في الأزمة الليبية، المدعوم من فرنسا والإمارات، حيث بقيت التصعيدات المصرية محصورة في الجانب الإعلامي فقط، وغابت تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي أو المسؤولين العسكريين تمامًا عن التطرّق للأزمة الليبية، ما يعني أن المحور المصري الداعم للمشير حفتر، يشهد تراجعًا، فيما يبدو أن الإدارة الجزائرية تسعى محكومة بقلق إستراتيجي من دور نظام عبد الفتاح السيسي، إلى استغلال الظرف الإقليمي الجديد.

الجزائر وحكومة الوفاق

في سياق آخر، لا تستبعد الباحثة والأستاذة في العلوم السياسية نسيمة أوهاب، أن طرح الطلب التركي، جاء لضمان تسهيلات في العمليات العسكرية في ظلّ غياب تسريبات وتفاصيل عن المباحثات. ورجّحت المتحدّثة أنّ الجزائر لن تتورّط في الصراع العسكري بين الأطراف الليبية. وأكّدت أن الموقف الجزائري اتجاه الأزمة الليبية، يتوافق مع المجتمع الدولي، واعترافه بحكومة الوفاق الوطني بقيادة فايز السراج.

وأضافت المتحّدثة أن القرارات التي اتخذت في إطار الزيارات الأخيرة هي ضمان وحفظ أمن الحدود، إضافة إلى التعاون مع جميع الأطراف بعيدًا عن أي تدخل عسكري.

بين طرابلس وأنقرة 

 من جهته، أوضح الإعلامي والمتابع للشأن الليبي رضا شنوف، أن أبعاد الزيارة لا يمكن أن تُفصل عن رغبة السراج، في دعم الجزائر لحكومته سياسيًا، والرمي بثقلها باتجاه الحل السياسي. وأضاف المتحدّث، أنه من غير المستبعد أن يكون وزير الخارجية التركي قد منح تطمينات للجزائر حول العملية العسكرية، التي تنفذها القوّات التي تشارك فيها.

وأكد شنوف، أن الطرفين الليبي والتركي، يرغبان في بقاء الجزائر بعيدة عن حلف حفتر، ولم لا كسب دعمها ولو بطريقة غير معلنة.

الموقف الجزائري كان محدّدًا وواضحًا قبل وصول الوفود الليبية والتركية، وتتمثّل في أن الجزائر ضدّ أي تدخّل عسكري، وأن طرابلس خط أحمر، وأكد شنوف أنّ الرسالة موجّهة بالتحديد لحفتر وداعميه، بأنّ الجزائر لن تقبل بسقوط طرابلس عسكريًا.

 استبعد كثير من المراقبين، أن تقبل الجزائر استخدام أراضيها كقاعدة لوجستيكية، أو ممرٍّ لعبور القوّات العسكرية التركية، انطلاقًا من مبدأ عدم التدخّل في الشؤون الداخلية لدول الجوار، وعدم الرغبة في التورّط عسكريًا، أو تقديم الدعم اللوجستيكي لأيّ طرف كان. 

وتعمل الجزائر على مسارين؛ أولّهما هو المسار الإنساني المتمثّل في المساعدات المادية، وثانيهما المسار السياسي، عبر تكثيف النشاط الدبلوماسي لوقف التصعيد في ليبيا.

وتدرك الجزائر تشابك وتعقيد التركيبة المجتمعية في ليبيا، وتتعامل معها وفق مقاربة الاحترام وحسن الجوار، وبعد رفض الرئاسة التونسية طلبًا لتركيا للسماح للقوّات التركية بالعبور إلى ليبيا عبر تونس، قد تضطر تركيا إلى إعادة حساباتها العسكرية، نظرًا إلى التعقيدات العسكرية الموجودة على أرض الواقع.

وفي هذا الشأن، يرى الخبير في الشأن العسكري والأمني أكرم خريف، أنّ إرسال وحدات من المشاة أو المدفعية يحتاج إلى تغطية عسكرية، قصد الحماية من الضربات الجوّية.

وأكّد خريف، أنّ الأسطول الجويّ التركي جدّ متطوّر، وقادر على التدخّل من مسافات بعيدة، لكن هذا يحتاج إلى المرور عبر الفضاء الجويّ المصري واليوناني، بينما هذه الدول ترفض السماح للقوّات الجوية التركية بالمرور.

ويستطرد الخبير الأمني، أن الهدف من التدخّل العسكري التركي في ليبيا، هو حماية طرابلس وحكومة الوفاق الوطني من السقوط عسكريًا، وبالتالي فإن وحدات عسكرية خاصّة، ومستشارين أمنيين، قادرون على التدخّل بفاعلية، حسب أكرم خريف، كما يهدف التدخّل التركي إلى المفاوضات على مستوى متساوٍ في ميزان القوى.

تسعى الجزائر إلى تدارك تأخّر دورها الإقليمي والدولي، على مستوى الساحل الأفريقي والحوض المتوسطي

في الأخير، تسعى الجزائر إلى تدارك تأخّر دورها الإقليمي والدولي، على مستوى الساحل الأفريقي والحوض المتوسطي، وتعمل على رمي كل ثقلها في سبيل استقرار الدول المحيطة والمجاورة، وعدم تحوّل الصراعات الأيديولوجية الداخلية إلى صراع إقليمي، يهدّد كيانات الدول القومية والوطنية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الجزائر تفعّل أعلى هيئة أمنية للعب دورٍ أكبر في ليبيا ومالي

هل طلب السراج من الجزائر مساعدات عسكرية حقًا؟