13-يناير-2020

وزير الخارجية صبري بوقادوم يستقبل نظيره التركي (تصوير: فاتح أكتاس/الأناضول)

فتحت القاعة الشرفية لمطار الجزائر الدولي أبوابها مجدّدًا، على حراك دبلوماسي وتوافد مسؤولين وزراء خارجية عدد من الدول، تحت عنوانٍ واحدٍ يبحث الأزمة الليبية، بعد فترة غليانٍ داخلي عرفته الجزائر لمدّة تربو عن عشرة أشهر، على خلفية الحراك الشعبي والأزمة السياسية. انقطعت فيها الجزائر دبلوماسيًا عمّا يجري في دول الجوار وخاصّة ليبيا. يؤشّر ذلك على عودة قويّة للجزائر إلى المشهد الإقليمي، ومنه إلى المشهد الدولي.

 الجزائر لا تنظر بعين الرضى إلى مواقف وأدوار مزدوجة، تقوم بها بعض الدول الإقليمية مثل مصر

إنزال دبلوماسي

تشهد الجزائر منذ أسبوع إنزالًا دبلوماسيًا رفيعًا، بدأ مع وصول رئيس المجلس الرئاسي الليبي فايز السراج، ووزير الخارجية محمد الطاهر سيالة، ووزير الداخلية في حكومة الوفاق فتحي باشاغا، ووفد ممثّل عن المشير حفتر، لمناقشة تطورات الأزمة في ليبيا وفق الحل السياسي وترتيبات عق مؤتمر برلين، وهو الملفّ الذي كان أيضًا، موضوع اتصال هاتفي بين الرئيس تبّون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، حصلت بموجبه الجزائر على مقعدٍ بشكلٍ رسمي في مؤتمر برلين.

أُتبعت زيارة الوفد الليبي، بزيارة لوزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، وحظيت زيارته بأهميّة بالغة في الجزائر، المتمسّكة بموقفها الرامي إلى العدوان على طرابلس، والعودة الى الحلّ السلمي في ليبيا.

 وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو، التحق هو الآخر بركب الزيارات الدبلوماسية إلى الجزائر، لمناقشة الملف الليبي الذي طغى على مباحثاته مع المسؤولين الجزائريين، قبل أن يصل وزير الخارجية المصري سامح شكري، للقاء الرئيس تبون ووزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم، وبحث تطوّرات الأزمة الليبية.

يبدو جليًا، أنّ الجزائر لا تنظر بعين الرضى إلى مواقف وأدوار مزدوجة، تقوم بها بعض الدول الإقليمية في راهن الأزمة الليبية، على غرار مصر، التي تُرافع في المناسبات السياسية والدبلوماسية للحلّ السلمي والسياسي، لكنّها تدفع بدعم عسكري على الأرض لصالح حفتر.

تدافع مسارات الحلّ

كان واضحًا منذ خطاب الرئيس الجزائري الجديد عبد المجيد تبون في حفل تنصيبه، وأداء اليمين الدستورية في 19 كانون الأوّل/ديسمبر الماضي، والذي تحدّث فيه عن الأزمة في ليبيا وموقع الجزائر من مسارات الحلّ، أن الجزائر ستعلب دورًا محوريًا في هذه الأزمة، إذ قال تبون وقتها إنّ "الجزائر يجب أن تكون شريكةً في أيّ مسارٍ لحلّ الأزمة، والجزائر لن تقبل أبدًا أن يتمّ إبعادها عن أيّ حل في ليبيا"، مضيفًا "نحن معنيّون باستقرار ليبيا ،حبّ من حبّ وكره من كره".

خُصّص أوّل اجتماع لمجلس الأمن القومي الجزائري، لحلّ الأزمة في ليبيا ومالي والأمن على الحدود مع البلدين، كان واضحًا أن الجزائر بصدد إعادة تفعيل الجهاز الدبلوماسي واحتلال موقع في الأزمة الليبية، يتناسب وثقلها السياسي، وحجمها الإقليمي وبعدها الجغرافي، كونها ترتبط بليبيا بحدود برية تتجاوز 900 كيلو متر.

بعد محاولة استبعاد الجزائر من مؤتمر برلين، المقرّر هذا الشهر لبحث الأزمة الليبية، بسبب انشغال الجارة الغربية بأزمتها الداخلية، والظروف التي رافقت الحراك الشعبي، والأزمة السياسية التي دامت عشرة أشهر، وقبلها تعطّل الجهاز الدبلوماسي، بسبب مرض الرئيس عبد العزيز بوتفليقة منذ 2013.

تفتكّ الجزائر اليوم مجدّدًا، موقعًا متقدّمًا في المسارات الدولية والإقليمية لحلّ الأزمة الليبية، خاصّة بعد تطوّر أشكال التدخّل الأجنبي في ليبيا إلى صراع بين دول على الأراضي الليبية. عبّر عنه الرئيس تبّون لدى استقباله وزير الخارجية المصري سامح شكري، بأن "الجزائر ترفض أن يكون الدم الليبي ثمنًا لمصالح دول أجنبية"، وهو ما يُعتبر "تطوّرًا تتحسّس منه الجزائر بشكل ٍكبير".

هنا، يعتبر الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، المهتمّ بالشأن الأفريقي، نور الدين ليمان، أنّ الموقف الجزائري عقب زيارة رئيس الدبلوماسية المصري، يُعتبر إيذانًا بإصرار الجزائر على "ضرورة صون دماء الليبيين، ودون التفرقة بينهم بسبب لغة الاستقطاب الدولي"، لافتًا في حديث إلى "الترا جزائر"، أنّ التجاذب الدبلوماسي والسياسي بين أقطاب المواجهة على الأراضي الليبية، باتت متعدّدة الأطراف، إذ لا يمكن للجزائر أن تلعب دور المتفرج، خصوصًا وأن الميل إلى طرف على حساب الليبيين معناه تواجد قوّات أجنبية، على مقربة من أراضيها وفي عمقها الأمني". 

عودة الجزائر إلى الساحة الإقليمية، ليس عودة للدّبلوماسية الجزائرية" كما قال الأستاذ ليمان، ولكن الدبلوماسية كانت "شبه معطّلة" منذ فترة، وهذا الظّرف الحسّاس، يستوجب إعادة قراءة في الأطروحات التي تواجه المنطقة ككلّ، وتواجه الجزائر بوجه خاص، على الأرض، على حدّ قوله.

تداخل المصالح

يعتقد بعض المراقبين أن الجزائر مازالت بحاجة إلى وقتٍ إضافي لتستعيد كل أنفاسها الدبلوماسية، وأن الزيارات الأخيرة للمسؤولين الأجانب، يُمكن أن تكون محاولة لاستقطاب الجزائر نحو اصطفافات على صعيد المحاور القائمة في الأزمة الليبية، وفي السياق، يعتبر المحلّل السياسي المتابع لتفاعل الجزائر مع الأزمة الليبية، عبد المجيد لشهب، أن الحراك الدبلوماسي الذي استقطبته الجزائر قبل أيّام في علاقة بالأزمة في ليبيا، هو "أمرٌ ايجابي يعيد للجزائر حيويتها الإقليمية والدبلوماسية".

في مقابل ذلك، يوضّح المتحدّث، أنّه يجب الانتباه إلى أنّ "الجغرافيا قد تكون الدافع الأبرز للشركاء الإقليميين، والمعنيين بالأزمة الليبية، لفتح خط التعاطي مع الجزائر، خاصّة من قبل ألمانيا التي وجّهت دعوة رسمية للجزائر، لحضور مؤتمرٍ يتعلّق بالأزمة الليبية، يأتي هذا عقب تصريحات الرئيس التركي خلال زيارته الأخيرة لتونس، والتي وجّه فيها انتقادًا للحكومة الألمانية التي استبعدت الجزائر وتونس من حضور المؤتمر، رغم أنّهما دولتان مهمّتان في حلّ الأزمة، ومتضرّرتان بشكلٍ أو بآخر، بحكم موقعهما الجغرافي، يُضيف المتحدّث.

يعتقد الناشط لشهب في سياق حديثه لـ "الترا جزائر"، أن الواقع الإقليمي فرض توجّه هذه البلدان للجزائر، موضّحًا بالقول: "للأسف، الثقل الإقليمي للجزائر خلقته الجغرافيًا ولم يخلقه عقل سياسيٌّ، يُمكن أن يكون فاعلًا مركزيًا في قرار الحرب والسلم في ليبيا، أو في غيرها من دول الطوق"، مضيفًا أن "الجزائر مازالت حتّى الآن في مستوى التعبير عن الموقف، وليس في مستوى آداء الدور".

يعتقد بعض المراقبين أن الجزائر مازالت بحاجة إلى وقتٍ إضافي لتستعيد كل أنفاسها الدبلوماسية

على الأرض، يبدو أنّ هناك خطوات تخطوها السلطة السياسية في الجزائر هذه الأيّام، لتفعيل دورها في الساحة الدولية، من بوابة الأزمة الليبية، تزامنًا مع وجود سلطة سياسية جديدة، لاحت مؤشّرات إيجابية، بتوجّهه نحو بناء دورٍ دبلوماسيّ مركزي في المنطقة، وتحويل مواقفها إلى دور مؤثّر، بداية بوقف إطلاق النار بعد ساعات من زيارة وفدٍ ممثّل عن المشير حفتر للجزائر، خاصّة مع تضارب مصالح الدول المستفيدة من الوضع في ليبيا، وهو ما ستُثبته الخيارات السياسية القادمة.

اقرأ/ي أيضًا:

الجزائر تفعّل أعلى هيئة أمنية للعب دورٍ أكبر في ليبيا ومالي

دور الجزائر في الأزمة الليبية.. تقليصًا لمساحة فرنسا ومصر والإمارات