في ظلّ ظروف إقليمية تَشهد تَحولات وتهديدات أمنية على الصعيدين القاري والمتوسّطي، تكتسي زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى تركيا أهمية بالغة، ومناسبة لتناول الملفات الثنائية، وتقريب وجهات النظر في ملفات إقليمية محورية تجمع البلدين.
ترى كل من الجزائر وأنقرة أن أي تمديد للانتخابات في ليبيا سيؤدّي إلى تعقيد الأزمة وعسكرة الخلافات
يُعد الملفّ الليبي من بين أهم الملفات التي تشغل العلاقات بين البلدين، ويُنتظر من الرئيسين الجزائري عبد المجيد تبون ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، تعميق المباحثات ورفع الخلافات الثانوية العالقة بين البلدين، رغم التقارب الحاصل بين الجزائر وأنقرة، واتفاق الشراكة الاستراتيجية الموقع بين البلدين.
لطالما شغل الملف حيّزا كبيرًا على طاولة النقاش بين البلدين، حيث يبزر موقف الجزائر في رفضها الدائما للتدخّل العسكري في ليبيا وتغليب الحل السياسي على الحل الأمني. فما هي أوجه التقارب بين البلدين من أجل تسوية سياسية في ليبيا وما هي نقاط التباعد بين الطرفين؟
دعم المسار الانتخابي
في هذا السياق، يرى مراقبون أن الجزائر وتركيا تتقاسمان المقاربة نفسها إزاء حل الأزمة الليبية، والاعتماد على خيار الانتخابات، وإعادة بناء المؤسسات الليبية، وتوحيد الجيش والمؤسسات الأمنية.
وتؤكّد الجزائر وأنقرة على أهمية إجراء الانتخابات وفق توقيت زمني محدد، تجسيدًا لمخرجات مؤتمر برلين، إذ ترى كل من الجزائر وأنقرة أن أي تمديد في العملية الانتخابية تقابله فتح مرحلة انتقالية جديدة، من شأنها تعقيد الأزمة وعسكرة الخلافات، ما يُفضي إلى حشد المليشيات المسلحة، وفتح المواجهات المسلحة بين التشكيلات المسلحة.
وتؤكّد الجزائر وأنقرة على أهمية إجراء الانتخابات وفق توقيت زمني محدد، تجسيدًا لمخرجات مؤتمر برلين، إذ يرى البلدان أن أي تأجيل في العملية الانتخابية يقابله فتح مرحلة انتقالية جديدة، من شأنها تعقيد الأزمة وعسكرة الخلافات، ما يُفضي إلى حشد المليشيات المسلحة، وفتح المواجهات المسلحة بين التشكيلات المسلحة.
من جهته، يَكمن التباعد بين الطرفين في تفاصيل تقنية، تتعلق في أولويات العمل الانتخابي، إذ تحرص الجزائر على إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية، بدل فتح نقاشات موسعّة بين أطرف النزاع والاستفتاء حول مسودة الدستور.
المزيد من تعميق الحوار
يشدد الطرفان الجزائري والتركي، على أن تأجيل الانتخابات بسبب الخلافات حول قانون الانتخابات، بحاجة إلى تعميق الحوار الوطني بين الفرقاء السياسيين، بدل تعيين حكومة جديدة غير معترف بها دوليًا يقودها وزير الداخلية الأسبق فتحي باشاغا، تحظى بدعم قوات حفتر وبرلمان شرق ليبيا.
تشكل هذه النقطة تحديدًا نقطة خلافية للجزائر مع مصر، ففي وقت تدعم فيه الجزائر حكومة الوحدة الوطنية، تساند مصر الحكومة المكلفة من مجلس النواب برئاسة فتحي باشاغا، ويضيف الموقف التركي الداعم لحكومة الوحدة ثقلًا للموقف الجزائري.
دعم الحكومة الشرعية
تحظى حكومة عبد الحميد الدبيبة التي مقرها طرابلس باعتراف المجتمع الدولي، وتسعى الجزائر وتركيا إلى دعم حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وعدم سقوط طرابلس، ويشار هنا، إلى أن عبد المجيد تبون كان قد كشف في حوار إعلامي، أن الجزائر كانت مستعدة للتدخل بصفة أو بأخرى، وألا تبقى مكتوفة الأيدي في حالة تهديد أو احتلال طرابلس، واعتبر وقتئذٍ أن "طرابلس خط أحمر".
التمسك بالشرعية الدولية
وفي سياق متصل، وفي خضم الصراع القائم بين حكومة الدبيبة وتعيين فتجي باشاغا رئيسًا للحكومة من طرف برلمان الشرق، حَسمت الجزائر موقفها بشكل صريح وهي عدم الاعتراف بغير حكومة الوحدة الوطنية، كما استقبلت الجزائر حكومة الوفاق الوطني في 18 نيسان/أفريل 2021، الذي كان مرفوق بوفد أمني رفيع، على رأسه قائد أركان الجيش الليبي محمد الحداد.
أما الموقف التركي الداعم لحكومة الدبيبة، فيتجسّد في وجود واستمرار التعاون العسكري والأمني استجابة إلى طلب حكومة معترف بها دوليًا وفي إطار التعاون بين البلدين. وجاء القرار التركي علنيًا، حيث صادق البرلمان التركي على قرار إرسال عسكريين ومستشارين إلى طرابلس، بينما أطراف دولية أخرى لا تعترف بتورطها العسكري في ليبيا.
جدير بالذكر هنا، أن حكومة الدبيبة التي تتخذ طرابلس مقرها لها، تشكّلت مطلع 2020 بناءً على عملية سياسية رعتها الأمم المتحدة، وفي شبّاط/فيفري 2022 عين البرلمان في شرق ليبيا فتحي باشاغا رئيسًا للحكومة، حيث يحظى بدعم خليفة حفتر الذي فشلت قواته في السيطرة على طرابلس سنة 2019، ويحاول فتحي باشاغا الإطاحة بحكومة الدبيبة، التي أسندت إليها تنظيم انتخابات تشريعية في كانون الأوّل/ديسمبر من العام الماضي، ويرى باشاغا أن الحكومة انتهت مهمتها، بينما يشدد الدبيبة أنه لن يسلم السلطة إلا لحكومة منتخبة. وكانت آخر المحاولات للسيطرة على طرابلس، قد جرت فجر اليوم الثلاثاء، عندما دخل إلى العاصمة الليبية بالتنسيق مع قوات عسكرية، لكن مساعيه فشلت نتيجة الانتشار الذي كان مفاجئًا لجهاز دعم الاستقرار، إضافة إلى خلافات بين حلفاء مجلس النواب، ما أدى إلى انسحاب باشاغا من من المدينة.
الحسابات الإقليمية
وتوضيحًا لهذه النقطة تحديدًا، قالت شروق مستور، الباحثة في الشؤون الأمنية والاستراتيجية في اتصال مع "التر جزائر"، إنّه وفق مصادر إعلامية، فقد عملت أنقرة بشكلٍ وثيق مع فتحي باشاغا خلال فترة تواليه منصب وزير الداخلية في "حكومة الوفاق" السابقة في طرابلس، وترى أنه "رغم من وقوع باشاغا تحت تأثير حفتر وعقيلة صالح، اللذان عارضًا التدخّل العسكري التركي في ليبيا بشدّة، إلا أن أنقرة لم تغلق الباب بعد في وجه فتحي باشاغا".
وأفادت المتحدّثة، أن موقع "أفريكا إنتليجنس" كشف عن زيارة سرية أجرها باشاغا رفقة عدد من نوابه وأعضاء من حكومته إلى أنقرة في 30 نيسان/أفريل الماضي، قابل خلالها رئيس المخابرات التركي هاكان فيدان، ومستشار التركي للأمن القومي إبراهيم كالين. في مقابل ذلك، تعتبر شروق مستور، أنه لا يمكن الحسم حول موقف تركيا في ظل غياب تصريحات رسمية، وختمت أنه "من المؤكد أن الجزائر تدعم الشرعية الدولية والمتمثلة في حكومة الدبيبة وتشدّد على ضرورة تعجيل الانتخابات وهي النقطة المهمة المشتركة بين الجزائر وتركيا". يُشار هنا، إلى فتحي باشاغا قام بزيارة مفاجئة إلى تركيا في نيسان/أفريل الماضي، لم يصدر أي بيان رسمي عنها من طرف السلطات التركية.
من جهتها، أفادت مصادر إعلامية عن فشل محاولات القاهرة لاستقطاب الجزائر لدعم حكومة باشاغا، وتمسّكها بحكومة الدبيبة التي تحظى بشرعية دولية ودعم أممي، وحذرت الجزائر القاهرة من محاولة عسكرة المشهد الليبي عبر الدعم والتنسيق مع الحكومة المدعومة من مجلس النواب. ولم تكن مخاوف الجزائر بعيدة عن الواقع، حيث أعلنت "الحكومة الموازية" برئاسة فتحي باشاغا المعينة من مجلس النواب دخولها ثم خروجها من العاصمة طرابلس الثلاثاء عقب اندلاع اشتباكات مسلّحة.
وقد اندلعت مواجهات الثلاثاء في طرابلس بعدما أعلنت الحكومة الليبية المعيّنة من البرلمان والمدعومة من المشير خليفة حفتر دخولها إلى العاصمة طرابلس، مقر حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة الرافض للتخلي عن السلطة.
أدّت حدّة هذه الخلافات بين الفرقاء السياسيين ، في تأزم الوضع الليبي وتأجيل الانتخابات
أدّت حدّة هذه الخلافات بين الفرقاء السياسيين ، في تأزم الوضع الليبي وتأجيل الانتخابات التي كان المجتمع الدولي والدول المجاورة على رأسهم الجزائر، يعلّقون عليها آمالا كبيرة لتحقيق الاستقرار الأمني في البلاد.