31-أكتوبر-2019

الانتخابات الرئاسية امتحان صعب للسلطة (تصوير: فاروق باتيش/ أ.ف.ب)

قبل أقلّ من شهرٍ ونصف على موعد الانتخابات الرئاسية، المقرّرة في كانون الأوّل/ديسمبر المقبل، تستعدّ مؤسّسات الدولة لتجاوز امتحانٍ حقيقيٍّ لتأكيد حرصها على ضمان شفافية ونزاهة الاستحقاق المقبل، وذلك بالعمل على تطليق السلوكات السابقة وبقائها عند نقطة الحياد وعدم الانحياز إلى أيّ مرشّح أو تيّار سياسي.

تلتزم السلطة لأوّل مرّة بإبعاد المساجد والجمعيات ومختلف المؤسّسات الدينية من العملية الانتخابية

في كلّ الانتخابات الرئاسية التي جرت في العشرين سنة الأخيرة، تم تسخير مؤسّسات الدولة وهياكلها وإمكاناتها اللوجيستية، لدعم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة؛ بدءًا من الوزارات وليس انتهاءً عند مؤسّسات التربوية والمساجد والبلديات.

اقرأ/ي أيضًا: الشباب الجزائري والانتخابات البلدية.. فرص مُعلقة أمام فقدان الجدوى

أئمة حياديون

ربّما لأوّل مرّة ستلتزم السلطة، إذا صدقت تصريحات وزير الشؤون الدينية والأوقاف يوسف بلمهدي، بإبعاد المساجد والجمعيات ومختلف المؤسّسات الدينية عن الخوض في الشأن السياسي.

وأكّد بلمهدي، أنّ مصالحه لن تقوم بتوجيه تعليمة خاصّة بالانتخابات للأئمة، مثلما حدث في السنوات الماضية، حين كانت خُطب الجمعة تعدّ سلفًا لشيوخ الجوامع الذين كانوا يروّجون لإنجازات مرشّح السلطة.

كان الوزير السابق محمد عيسى، لا يتردّد في التصريح بأنه طلب من الأئمة العمل على دعوة المصلين للمشاركة بقوّة في الانتخابات دون الانحياز إلى مترشّح معيّن، غير أنّ هذه التوصيات كانت تُضرب عرض الحائط، حين يتعلّق الأمر بالترويج لبوتفليقة وتمجيد إنجازاته والدعاء له في المساجد.

في مقابل ذلك، كانت بعض المساجد الجزائرية تعرف حركة "تمرّد" على توصيات السلطة وإملاءاتها، رغم تضييقات السلطة، كان ينشط بها أئمة غير مبالين بإجراءات الوزارة، أو لأنّها كانت تُدار من قبل جمعيات تتبع لجهات فكرية أو حزبية معينة، تتحاشى السلطات الدخول معها في سجال علني.

لا سياسة في الجامعة

نهاية أيلول/سبتمبر الماضي، أبرق وزير التعليم العالي والبحث العلمي الطيب بوزيد، مراسلة إلي مديري الجامعات وإقامات الطلبة حثّهم فيها على ضرورة التجنّد لحماية الفضاء الجامعي من الممارسة السياسية، والحفاظ على أجواء الدراسة والبحث العلمي.

وأوضح بوزيد، أنّ مسؤولية الجميع هي الحفاظ على قطاع التعليم العالي والبحث العلمي من أيّ تصرف أو فعل من شأنه المساس بسيره الحسن، مشدّدًا في الوقت نفسه على ضرورة الاحترام الصارم لأخلاقيات الجامعة والتنظيم المعمول به.

ستجتاز تعليمة بوزيد امتحانها في الأيّام القادمة، مع بدء الحملة الانتخابية لرئاسيات 12 كانون الأوّل/ديسمبر التي يطالب الحراك الشعبي بعدم تنظيمها، وسيكون بالإمكان معرفة مدى التزام التنظيمات الطلابية بعدم نقل أجواء الرئاسيات إلى الحرم الجامعي، وكذا الأمر بالنسبة للطلبة الداعمين للحراك الذين سيكونون أيضًا وفق هذه التعليمة، مطالبين بعدم الدعوة إلى مقاطعة الاستحقاق المُقبل داخل أسوار الجامعة.

وكانت التنظيمات الطلابية المرتبطة في الغالب بأحزاب سياسية، تستغلّ الجامعة للدعاية للتشكيلة السياسية التي تنتمي إليها، حتّى ولو كان ذلك خارج القانون، وهو السلوك الذي دأب الجميع على ممارسته دعما لبوتفليقة.

صعوبة الالتزام

غير أن التزام الحكومة الحالية، المتّهمة بأنّها استمرار لنظام بوتفليقة بالقرارات المتّخذة، يبقى محلّ ريبة وتساؤل من قبل الجزائريين والمتابعين، بالنظر إلى تاريخ السلطة المليء بسوابق "تزوير" الانتخابات، وعدم الحياد في كل الاستحقاقات الماضية.

لعلّ هذا الشكّ، هو ما قد يطرح تساؤلات حول ما أضافه وزير الشؤون الدينية والأوقاف الذي قال: "نحن لا ندعو الإمام في أيّ مناسبة من المناسبات الوطنية بأنّ يقدّم واجبه الوطني، ولكن نقول وقلنا بأنّ الإمام يتفاعل إيجابًا مع الوضع الذي يصنعه المشهد الوطني، وينسجم معه، ويكون خطابه خطابًا بنّاءً، يجمع ولا يفرّق".

وتابع يوسف بلمهدي أن "هذا هو الخط الذي اختُط للإمام عبر منبره، لأنه ليس مشهرًا ولا جارحًا للهيئات والأشخاص ولا داعيًا لأي جهة من الجهات، لكنّه يخدم الوطن ويلبّي نداء الجزائر، وإذا تحدّث فإنه يقول للناس كونوا مع بلدكم وكونوا مع وطنكم".

 ويُفهم من هذا التصريح، أن الوزارة لن تمنع الإمام الذي سيدعو في مبادرة فردية للمشاركة القويّة في الانتخابات من القيام بذلك، بما أن السلطة الحالية ترى في هذا "خطابًا بناء" يضمن الاستقرار للبلاد ويندرج ضمن خدمتها المسموح بها، على عكس في حال ما دعا لمقاطعة الانتخابات باعتبار أن ذلك يدخل ضمن "خطاب الهدم والتفريق"، حسب الوزير.

المعارضة أيضًا مطالبة بالتزام الحياد في الانتخابات الرئاسية القادمة وعدم الدخول في مواجهات مباشرة في الشارع

الالتزام بالحياد في الانتخابات القادمة، لا يتوقّف فقط على دور السلطة المطالَبة بتأكيد نيّتها في إجراء اقتراع نزيه وشفاف، والطلاق مع كلّ ممارسات التزوير والتعدّي على اختيار الجزائريين، بل يمسّ أيضًا المعارضة التي تلتزم برفع شعارات المقاطعة في المسيرات السلمية دون الدخول في مواجهات، تفاديًا لتكرار تجارب سالفة، كانت تُحرق فيها صناديق الانتخاب، من أجل التعبير عن موقف معيّن.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

مرشحات في الانتخابات المحلية.. أخت وزوجة بدون اسم!

تأجيل الانتخابات البلدية في تونس.. ارتداد آخر عن مسار التحول الديمقراطي