28-أكتوبر-2019

مقرّ شركة سونطراك في العاصمة الجزائر (رويترز)

بعدما أثار قانون المحروقات الجديد، ردود فعل متباينةٍ، بين مرحّب بالامتيازات التي جاءت في تعديلات القانون، وبين رافض ومتحفّظ لاعتبارات سياسية مرتبطة بالسياق السياسي الذي تعيشه البلاد، كشفت شركة سونطراك عن مذكّرة نُشرت عبر الصحف الوطنية، تعرض فيها دوافع وأسباب إعداد قانون جديدٍ للمحروقات، ومبرّرات التعديلات المُدرجة في القانون الجديد.

ينبّه بعض الخبراء إلى بعض الملاحظات والمآخذ رغم إيجابيات قانون المحروقات الجديد المتعلقة ببعض المزايا الجبائية

الأمن الطاقوي في خطر

تطرّقت مذكّرة سونطراك، إلى السياق العام للعوامل الداخلية والخارجية التي قلّصت من جاذبية الاستثمارات في مجال المحروقات والمناجم، وتسبّبت في عزوف الشركات البترولية الدولية، وتدنّي مستوى الاحتياط الوطني ( نفاد 60 في المائة من الاحتياطات الأوّلية منذ 2005)، وتراجعٍ حادٍّ لعمليات الحفر في مرحلة التنقيب، علمًا أنّ الاستهلاك الوطني للطّاقة، يرتفع بنسب عالية كلّ 15 سنة، أيّ ما بين 10 إلى 15 في المائة في السنة؛ وستؤدّي هذه الوضعية لا محالة إلى اختلال توازن هيكلي بين العرض والطلب في السوق الوطنية في آفاق 2030، بحسب المذكّرة.

اقرأ/ي أيضًا: قانون المحروقات الجديد.. رهانٌ آخر لجذب الاستثمارات الأجنبية

بعد عرض موجز، للشركة البترولية الجزائرية سونطراك في مذكّرتها، حول عدم فعالية مختلف التعديلات التي أجريت على قطاع المحروقات في سنة 2006، وبعدها في ثلاث سنوات متتالية ما بين 2013 و2015، ورد في العريضة أنّه: "لم يعد إصلاح النظام القانوني والتعاقدي والجبائي مسألة اختيار، بل هو ضرورة من أجل التكيّف مع النظام الدولي الطاقوي الجديد المتميّز بعرض وافرٍ وانخفاض في الأسعار، وإدخال تدريجي للطاقات المتجدّدة في المزيج الطاقوي".

امتيازات قانون المحروقات

وبحسب المذكّرة، فإن التعديلات الأخيرة، مسّت الطابع القانوني والمؤسّساتي والنظام الجبائي، فالقانون الجديد، يضع حدًا لتداخل الموجود بين القطاعات المشرفة على المجال الطاقوي، ويُمكّن من تحديد وتمييز صلاحيات كلّ من الوزير المكلّف بالمحروقات، والوكالة الوطنية لتثمين موارد المحروقات، وسُلطة ضبط المحروقات، وتعزيز وتمكين دور سوناطراك من تطوير الاكتشافات التي أنجزتها في السنوات الماضية.

وجاء في العريضة، أنّه "نظرًا للطبيعة الإستراتيجية للنقل بواسطة الأنابيب، تمّ إسناده حصريًا للشركة الوطنية سوناطراك، أو لشركة تابعة لها كليًا".

مزايا النظام الجبائي الجديد، وفق المتعامل عليه في الدول المُنتجة للبترول، قصد تحسين جاذبية المجال المنجمي على الصعيد الجبائي، هو ما ركّزت عليه المذكّرة، وأضافت، أنّ القانون يهدف إلى تبسيط وتخفيف التعقيدات الجبائية النفطية، مع التأكيد على مبدأ عدم رجعية القوانين للحفاظ على عائدات الجباية البترولية، المترتّبة عن الإنتاج الحالي، تطبيقًا للنظام الجبائي الساري المفعول.

 كما يُولي مشروع القانون، أهميّة كبيرة لجوانب الصحّة والسلامة والبيئة، بحسب التقرير، إذ إنه يخصّص لها بابًا كاملًا وبنودًا أخرى، تهدف إلى تعزيز جوانب الوقاية وإدارة المخاطر على صحّة وسلامة الأشخاص والممتلكات والمرافق وحماية البيئة، في جميع النشاطات البترولية، وذلك، وفقًا لمبادئ التنمية المستدامة.

التنافس العالمي 

في مقابل ذلك، ينبّه بعض الخبراء إلى بعض الملاحظات والمآخذ، رغم إيجابيات قانون المحروقات الجديد، المتعلقة ببعض المزايا الجبائية، وإدراج عقد تقاسم الإنتاج، وعقد المشاركة بين سوناطراك والشركات الأجنبية، زيادة على أنه يضع الإطار القانوني المحدّد لصلاحيات كل القطاعات المتداخلة في المجال المنجمي.

من بين هذه الملاحظات، أنّ تعديل قانون المحروقات ليس بالضرورة، هو عدم فعالية القانونين السابقة في جلب الشركات العالمية، كما جاء في العريضة، بل ضرورة تُمليها التطوّرات التي يعرفها قطاع المحروقات في الفترات الأخيرة، فسعر البترول في السنوات السابقة تجاوز 100 دولار للبرميل. اليوم متوسّط السعر مستقرٌّ في حدود 60 دولارًا، إضافة إلى الطابع التنافسي العالمي في مجال استغلال المحروقات، زيادة على تدخل منظمة "أوبك" في تسقيف الإنتاج المحلّي، بسبب تراجع الطلب على النفط، واستقرار الأسعار، والتوجّه إلى استغلال الطاقات المتجدّدة.

في السياق ذاته، لم يتضمّن مشروع القانون، تحديد السقف أو العتبة المتعامل بها في الجزائر، وهي عشرة آلاف برميل يوميًا، كشرط في استغلال الحقل لتحقيق المردودية، فهل تمّ الاستغناء عن هذا المعيار؟ يتساءل بعض المهتمّين.

 يحمل مشروع المحروقات نوعًا من التناقض في الرؤية؛ إذ يهدف إلى جلب الاستثمارات الأجنبية من جهة، وينصّ على بقاء احتكار شركة سوناطراك، أو إحدى فروعها لعملية النقل بواسطة الأنابيب من جهة أخرى، علمًا أن سوناطراك لا تغطّي إلا مساحة محدودة، وهي 1600 كلم فقط، بحسب بعض الخبراء.

جدير بالذكر، أنّ المنشآت القاعدية والهيكلية للنقل عبر الأنابيب، متوفّرة على مستوى الأحواض التقليدية كحاسي مسعود وحاسي رمل جنوبي البلاد، لكن يتساءل متابعون، عن المناطق المعزولة والصعبة على مستوى أحوض بشار وتندوف وجنوب إليزي أو جنوب عين صالح، حيث تنعدم شبكة النقل عبر الأنابيب بشكل نهائي، وكم سيكلف سوناطراك مشاريع توفير شبكة النقل.

مخاطر الغاز الصخري

أما فيما يخصّ المجال البيئي، لم يحدّد مشروع القانون، ما هي وسائل تكييف الالتزامات الجزائرية الدولية في مجال البيئة الطاقوية، والحدّ من انبعاث الغازات الدفيئة، والتي صادقت عليها الجزائر في اتفاق كويتو واتفاق باريس للمناخ. إضافة إلى المخاطر البيئية على المناطق الرعوية والمياه الجوفية، في حالة استغلال الغاز الصخري.

من الانتقادات الموجّهة لمشروع قانون المحروقات الجديد، أنّه لم يولِ عناية كافية بمجال الطاقات المتجدّدة، إذ لم يتمّ تحديد الاستثمارات في دعم مشروع هذا النوع من الطاقات، ولم يوضّح ما هي الرؤية المستقبلية حولها، بينما هناك اهتمامٌ دولي بتطوير الطاقات المتجدّدة، بديلًا عن الطاقات التقليدية كالبترول والغاز.

الوضع السياسي ومناخ العمل

وفي تقدير خبراءٍ في المجال الطاقوي، فإن جلب رؤوس أموال الشركات العالمية البترولية، يتوقّف على ثلاث ركائز، أوّلها الإمكانيات المنجمية، ثانيًا الوضع السياسي العام والمستقرّ، وأخيرًا مناخ وبيئة الأعمال. علمًا أن أولى اهتمامات الشركات الأجنبية، هو الاستقرار السياسي، حيث أنّ الاستثمارات في مجال المحروقات مُكلفة، ودخول مرحلة الإنتاج يتراوح ما بين 5 إلى 7 سنوات، وبالتالي فالاستقرار السياسي والمؤسّساتي، عاملٌ أساسي في جلب الاستثمارات الخارجية.

ما يؤخذ على قانون المحروقات الجديد، هو عدم وجود شبّاك مركزي موحّد يجمع بين وزارة الطاقة والمناجم وبقية المؤسّسات العمومية

إضافة إلى مناخ الأعمال الذي يبعث على الثّقة لدى الشركات ورجال الأعمال، ويوفّر بيئة تشجّع على الاستثمار بعيدًا عن الإجراءات البيروقراطية، فقد يؤخذ على قانون المحروقات الجديد، عدم وجود شبّاك مركزي موحّد يجمع بين الوزارة، وسلطة ضبط المحروقات، والوكالة الوطنية لتثمين موارد المحروقات وشركة سونطراك.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الجزائر تسعى لجذب الاستثمارات.. هل آن الأوان للخروج من اقتصاد النفط؟

إلغاء قاعدة (49-51).. انفتاح اقتصادي أم مقايضة سياسية؟