14-سبتمبر-2019

قاعدة الحياة بعين أمناس بالجنوب الشرقي الجزائري (تصوير: بلال كرامدي/ أ.ف.ب)

أعلنت الحكومة الجزائرية، أنّها ستتخلّى عن قاعدة (49-51) الخاصّة بالاستثمار الأجنبي في البلاد، والتي تمنع المُتعامل الأجنبي من امتلاك نصف رأسمال المؤسّسات الاقتصادية، في خطوة قد تجذب مزيدًا من السيولة المالية الأجنبية، لاقتصاد صار يُعاني عجزًا في الميزانية، بسبب عدم ارتفاع أسعار النفط إلى المستوى الذي ترغب فيه البلاد، إلا أن هذه الخطوة قد ترافقها استفهامات تتعلّق بالواقع السياسي الذي يعيشه أكبر بلد أفريقي من حيث المساحة.

يتخوّف كثيرٌ من الجزائريين  أنّ يكون قرار الحكومة قد جاء بغية إرضاء جهات خارجية 

ورغم تأييد خبراء الاقتصاد لهذه الخطوة ومطالبتهم بتنفيذها منذ سنوات، إلا أن المتتبّع للشأن الجزائري، يتخوّف من أن تخفي وراءها مهادنة وصفقة مع القوى الدولية، التي تلتزم الصمت حتّى الآن بشأن ما يحدث في البلاد.

اقرأ/ي أيضًا: تراجع احتياطي الصرف.. الجزائر على أبواب الاستدانة الخارجية؟

رفع القيود الاقتصادية

مؤخّرًا، كان بيان مجلس الحكومة واضحًا في كلماته بشأن الهدف من إلغاء هذه القاعدة الاقتصادية، والمتمثّل في جذب المال الأجنبي للسوق الجزائرية التي بقيت منفّرة منذ سنّ هذا القانون، حسب تصريحات سابقة لشركاء الجزائر، بسبب الحرمان من الملكية الكاملة للمؤسّسات، على عكس ما هو موجود في معظم دول العالم وخاصّة المجاورة منها.

وكشفت الحكومة، أن مشروع قانون المالية لعام 2020، يقترح أحكامًا تشريعية وجبائية تسعى إلى تحقيق "تعزيز جاذبية الاقتصاد الوطني، برفع القيود المقرّرة في إطار قاعدة (49-51) في المائة، المطبّقة على الاستثمارات الخارجية في وطننا، والتي تمسّ قطاعات غير استراتيجية".

من جهته، قال الخبير الاقتصادي عبد الرحمان عيّة، في تصريح للإذاعة الجزائرية الحكومية " إنّ إلغاء قاعدة (49-51) مفيدٌ للاقتصاد الوطني؛ لوجود عدد كبير من المستثمرين الأجانب والجزائريين المقيمين في الخارج، الراغبين بخلق استثمارات داخل البلاد، لكن كثيرًا منهم عزفوا عن ذلك بسبب هذه القاعدة، وبإمكانهم اليوم المجيء للاستثمار أو إقامة شراكة مع حاملي الأفكار في الجزائر".

رغم أن هذا القرار، اتخذ في فترة تعيش فيها الجزائر وضعًا خاصًّا بعد حراك 22 شبّاط/ فيفري الماضي، إلا أن هذه السنة هي الموعد الذي كان نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، ينوي فيه وقف العمل بهذه القاعدة، ففي تاريخ 16 تمّوز/جويلية 2014، أعلن وزير الصناعة والمناجم الأسبق عبد السلام بوشوارب، المطلوب اليوم من طرف القضاء الجزائري للتحقيق معه في قضايا فساد، أن وقف العمل بقاعدة (49-51) الخاصّة بالاستثمار سيكون مع آفاق سنة 2020.

مصادر جديدة للتمويل

تسعى الحكومة الجزائرية اليوم، من خلال هذا القرار، إلى البحث عن موارد جديدة بهدف التقليل من العجز التجاري الذي بلغ خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري 1.87 مليار دولار، والذي يبقى رغم انخفاضه عن عام 2018، مصدر قلقٍ بالنظر إلى عدم استقرار أسعار النفط، التي تتهاوى بين الفينة والأخرى تحت 60 دولارًا، ما يجعلها قريبة من السعر المعتمد في قانون المالية الجزائري المحدّد بخمسين دولارًا للبرميل.

وكانت الحكومة تعمد في السنوات السابقة، إلى تحويل المداخيل الزائدة عن السعر المرجعي لقانون المالية إلى صندوقي ضبط الإيرادات والميزانية، غير أن الفارق الضئيل بين سعر السوق والسعر المعتمد وكذا تقليص الإنتاج النفطي امتثالًا لقرارات "أوبك"، جعل مداخيل الصندوقين تتراجع، وقد تكون غير كافية في السنوات المقبلة لسدّ العجز في الميزانية.

ويتوافقُ القرار الحكومي مع مطالب منتدى رؤساء المؤسسات (تكتل رجال الأعمال) الذي كان يدعو الحكومة إلى إعادة النظر في قاعدة (49-51)، بهدف تشجيع الأجانب على الاستثمار بالجزائر.

وقال رئيس المنتدى سامي عقلي، في ندوة صحفية ساعات قبل إعلان الحكومة إجراءاتها الجديدة إن قاعدة الاستثمار (49-51) لم تحقق نتائج ايجابية كما كان متوقعًا وأدّت إلى نفور العديد من المستثمرين.

ويؤكّد مؤيّدو إلغاء هذه القاعدة الاستثمارية أن تطبيقها لم يكن له نفع للاقتصاد الوطني، كونها فتحت المجال لمنح قروض بالملايير لرجال أعمال محلّيين، حوّلوها إلى وجهات أخرى، ما يعني أن الخزينة العمومية كانت الخاسر الأوّل من تطبيق قاعدة (49-51) بالمائة.

وزير الطاقة الأسبق شكيب خليل

انعكاسات سلبية

يتخوّف كثيرٌ من الجزائريين والمتابعين، أنّ يكون قرار الحكومة قد جاء بغية إرضاء جهات خارجية وشراء صمتها حول ما يحدث في الجزائر، وليس بسبب رؤية اقتصادية هادفة، بالنظر إلى أنه سيفتحُ المجال للاستثمار الأجنبي الذي لم يكن همّه قبل سن قاعدة (49-51)، سوى الفوز بأكبر عدد من الصفقات في مجال الاستخراج، دون العمل على نقل التكنولوجيا واستثمار الأرباح من جديد.

ويأمل متابعون للشأن الاقتصادي، ألا يكون هذا القرار صفقة بين السلطة الحالية والدول الغربية، بسبب الضغوطات التي تمارسها الأخيرة، متحجّجة بالظروف الأمنية في البلاد، خاصّة وأنّها تمتلك شركات تنشط في مجال النفط والتنقيب، وقد يتسبّب ترحيل إطاراتها ومسيّريها إلى تراجع عائدات المحروقات، تمامًا مثلما حدث بعد أزمة الرهائن التي جرت أحداثها في القاعدة البترولية بـ تيغنتورين سنة 2013.

من جهة أخرى، يربط البعض هذا القرار، باتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي الذي حدّد سنة 2020، تاريخًا لرفع الحواجز الجمركية، وتطهير مناخ الاستثمار من البيروقراطية، و كل العراقيل التي قد تُعيق رجال الأعمال الأجانب في تطوير نشاطاتهم في الجزائر.

تكرار الأخطاء

لعلّ ما يُعاب على بيان الحكومة، هو أنه لم يحدّد القطاعات التي سيمسّها إلغاء قاعدة (49-51)، حيث اكتفى بالقول إنّ الإجراء سيشمل القطاعات غير الإستراتيجية، دون تحديد ماهية القطاعات الإستراتيجية، وإن كان يُفهم من ذلك قطاع الطاقة وكل ما لديه بالاستخراج والتنقيب، غير أنّه حتى في مجال الطاقة، تبقى البلاد بحاجة إلى مستثمرين أجانب في بعض الفروع كالطاقات المتجدّدة، وربّما الغاز الصخري إن قرّرت الحكومة استغلاله كما كانت مقرّرة سلفًا.

لا يريد الجزائريون اليوم، أن يتكرّر ما تضمّنه قانون المحروقات السابق الذي سنّه وزير الطاقة والمناجم الأسبق شكيب خليل، والذي كان سيسمح للشركات الأجنبية بالتهام قطاع المحروقات في البلاد والقضاء على الشركة العمومية "سوناطراك"، قبل أن يتمّ إلغاؤه من طرف الرئيس السابق.

لا يريد الجزائريون اليوم أن يتكرّر ما تضمّنه قانون المحروقات في عهد وزير الطاقة والمناجم الأسبق شكيب خليل

الأكيد أن قرار إلغاء قاعدة (49-51)، حتىّ وإن كان سيسمح بمزيد من الحرّية الاقتصادية والمبادرة الفردية، تبقى انعكاساته الإيجابية مرتبطة بمدى تفتح السّلطات، وتغيّر ذهنيتها نحو المبادرة الفردية، حتّى وإن كانت أجنبية، لأنّ المشاكل الاقتصادية، غالبًا ما كانت متعلّقة بتطبيق القانون أكثر منها بسبب قصور النصّ القانوني.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الأزمة الجزائرية وأولوية الحلّ الاقتصادي على السياسي!

الاقتصاد الجزائري .. تركة ثقيلة من زمن الفساد