يمارس الاتحاد الأوروبي ضغوطًا على الجزائر للمشاركة في تحالف إقليمي لحصار السلطات العسكرية بمالي وإجبارها للعودة سريعًا للحكم المدني وإخراج قوة فاغنر عن منطقة الساحل.
ترفض الجزائر سياسة الحصار والعقوبات التي فرضتها المجموعة على باماكو في كانون الثاني/جانفي الماضي
وحملت المبعوثة الأوروبية إلى منطقة الساحل كلوديا ديل ري مطلع شهر حزيران/جوان الجاري رسائل للمسؤولين الجزائريين تلح فيها على دور جزائري أكبر في مالي، ويتصدّر تقليص النفوذ العسكري الروسي المتزايد في البلد الفقير،الذي يعيش منذ ثلاثة عقود أزمات سياسية وأمنية متواصلة، قائمة المطالب .
والتقت المبعوثة الأوروبية ضمن جولتها التي قادتها إلى عدة بلدان أفريقية، بوزير الخارجية والجالية رمطان لعمامرة وبالمكلف بلجنة متابعة اتفاق السلم والمصالحة في مالي السفير بوجمعة ديلمي، وسفراء دول الاتحاد الأوروبي المعتمدين في الجزائر وصحافيين.
وأعلنت نائبة وزير خارجية إيطاليا سابقًا التي بدأت مهامها قبل حوالي العام في تصريحات صحافية، في ختام زيارتها إن لقاءاتها بالمسؤولين الجزائريين هدفت لطلب وساطة الجزائر مع السلطات الجديدة في مالي بقيادة العقيد أسمي (هاشمي)غويتا الرجل القوي الجديد في باماكو الذي استولى على السلطةإثر انقلاب عسكري في أيّار/ماي 2021.
المرحلة الانتقالية
و قالت كلوديا ديل ري إن الجزائر باعتبارها راعيًا لاتفاق السلام 2015 الموقع بين الحكومة المركزية وفصائل المعارضة المسلحة الناشطة في شمال البلاد والمشكّلة أساسًا من عرب وأمازيغ(طوارق)، يمكن أن تلعب دورًا في إقناع رئيس المجلس العسكري لتقليص الفترة الانتقالية في البلاد والعودة للمسار الدستوري أي انتخاب رئيس جديد للبلاد وبرلمان وحكومة شرعيين.
ووفق ما أبلغت به صحافيين على مائدة فطور صباحي بفندق الأوراسي المطل على خليج الجزائر فإن وزير الخارجية الجزائري أبلغها أن حكومة بلاده حريصة كل الحرص مساعدة مالي للخروج من أزمتها وتطبيق اتفاق المصالحة الجديد بين الأطراف المتنازعة الذي ترعاه بمساهمة شركاء دوليين في 2015.
واعترفت المسؤولة الأوربية ضمنيًا بوجود فوارق في المقاربات للتعامل مع الوضع الجديد في مالي، ومنها مسألة العقوبات وفترة المرحلة الانتقالية وقالت للصحافيين "أبلغني لعمامرة أنه لا يعلم كم يتطلب من الوقت للسلطات الجديدة التي استولت على الحكم في 11 حزيران/جوان في مالي للخروج من المرحلة الانتقالية 24 أو 36 شهرًا".
صمت جزائري
وترفض الجزائر سياسة الحصار والعقوبات التي فرضتها المجموعة على باماكو في كانون الثاني/جانفي الماضي، وضمت إغلاق الحدود مع مالي داخل المنطقة دون الإقليمية وتعليق التجارة باستثناء المنتجات الأساسية وقطع المساعدات المالية وتجميد أصول مالي في البنك المركزي لدول غرب أفريقيا وفق ما نقلته الموفدة الروبية عنه.و عكس ما يتمناه الغرب يواصل الحكام العسكريون في باماكو التقرب من روسيا ، و قدرت المبعوثة الأوربية عدد قوة فاغنر بحوالي 1000 مجند يوفرون حسبها- الحماية لأعضاء الحكومة وقادة والانقلاب ولإحداث الأثر لدى الشعب المالي.
وتلتزم الجزائر الصمت إزاء توسّع النفوذ الروسي في مالي، بالعكس من موقفها من وجود هذه القوات في ليبيا ،حيث عبر مسؤولون جزائريون مرّات عدة عن رفضهم لوجود قوات أجنبية على الأراضي الليبية التي تشهد صراع نفوذ بين قوى دولية عدة.
وفي مراكز القرار بالجزائر تسود قناعة أن استمرار تدفق قوات الأجنبية على الجنوب، لكن يكون في مصلحة المنطقة الغنية بالثروات الطبيعية، وخصوصًا المعادن والأورانيوم والنفط والغاز خشية اشتعال المنطقة وخصوصًا في ظل تزايد المواجهة بين الغرب وروسيا في الفترة الأعوام الأخيرة والمواجهة غير المباشرة في أوكرانيا.
في هذا السياق، حذّر أكثر من خبير دولي من خطر أن يؤدّي زيادة وجود قوات أجنبية في المنطقة إلى استقطاب الجماعات الجهادية وتحويل المنطقة إلى أفغانستان جديد
ونبه العقيد مصطفى فراح العامل بقطاع الإعلام بأركان الجيش الجزائري خلال ندوة للبرلمان الجزائري في 30 أيار/ماي "من الأعباء التي يشكلها عدم الاستقرار السياسي والأمني في دول الجوار على الأمن الجزائري، ومنها تنامي الوجود العسكري الأجنبي في إقليم الساحل الأفريقي ".
ورقة الخوف
للحصول على تحول في الموقف الجزائري من النظام العسكري في مالي، والانخراط في جبهة حصاره إقليميًا ودوليًا، حذرت الموفدة الأوروبية، من أن المنطقة مرشحة لمخاطر جمة تتوزع بين إغراء السكان المعدومين الذين يفتقدون لفرص التنمية للالتحاق بالجماعات المسلحة والإرهابية في المنطقة، أو الهجرة إلى بلدان أخرى ومنها الوصول على الضفّة الجنوبية للمتوسط على أمل الإبحار إلى أوربا، وخلق أزمة نزوح جديدة شبيهة ما جرى قبل سنوات حيث تدفق مئات آلاف من الأفارقة عبر الشواطئ الليبية نحو إيطاليا خصوصًا.
و ذكّرت المسؤولة الأوروبية وهي خبيرة في الجغرافيا السياسية والعلاقات الدولية بخطر تقسيم مالي، أي انفصال الجنوب حيث الغالبية السوداء و الشمال حيث يهيمن الطوارق الذين يمت وجودهم إلى الجزائر وليبيا و بوركينا فاسو، في رسالة مباشرة للسلطات الجزائرية التي تخشى هذا السيناريو، و لطالما كافحت لأجل تجنبه. حيث ورغم استقبالها لآلاف اللاجئين من الطوارق منذ سنوات الاستقلال الأولى واحتضانها لقادة التمرد، لطالما عبرت عن دعمها للحدود الترابية المالية، و لعبت أدوار بارزة لإنهاء النزاع بين السلطة المالية وجماعات المعارضة المتمركزة في شمال البلاد، و هي خليط بين الجماعات المطالبة بالحكم الذاتي'تطور لطلب الانفصال، وتنمية للمناطق التي يغلب عليها الطوارق والعرب.
في سنة 1991 وُقّع اتفاق أول للسلام، ثم اتفاق آخر في سنة 2006 بعد انهيار الاتفاق الأول، ثم اتفاق ثالث في 2015 بتأييد من المجتمع الدولي وهي تحرص على استمرار الاتفاق على الرغم من هشاشته وتأخر المساعدات المالية الدولية لتنفيذه، إذ و بعيد إعلان الدول المانحة عن تعهدات بتوفير أموال لدعم الاقتصاد في البلاد، قالت الحكومة الفرنسية في 2021 إنها أنفقت حوالي مليار في البني التحتية في البلاد .
إقرار بالدور الجزائري
في هذا السياق، أشار الدكتور آدم قبي أستاذ العلوم السياسية بجامعة ورقلة (جنوب شرق الجزائر) لـ "الترا الجزائر" إلى أن " الجزائر تلعب دورًا مهمًا وفاعلًا في حل الأزمة المالية من خلال اتفاق أرضية الجزائر الموقع سنة 2015 بالجزائر، و تعمل على مساعدة دولة مالي في العودة للنظام الدستوري واستعادة الأمن والاستقرار في البلاد والساحل الإفريقي ككل" ،وأضاف" في السنوات الأخيرة بدأت مظاهر القطيعة تتزايد بين السلطة الانتقالية في باماكو والاتحاد الأوروبي سيما مع فرنسا"، والتقارب أكثر بين مالي وروسيا، وعليه جاء طلب الاتحاد الأوروبي للوساطة نظرًا للعلاقات المتينة بين مالي والجزائر وإزالة سوء الفهم والعودة للتعاون من جديد لاستعادة الطابع الدستوري وانجاز تنمية حقيقية تعود بالفائدة على الساكنة ومنطقة الساحل ككل".
تلتزم الجزائر الصمت إزاء توسّع النفوذ الروسي في مالي، بالعكس من موقفها من وجود هذه القوات في ليبيا
و في السادس حزيران/جوان أعلن المجلس العسكري الانتقالي الحاكم في مالي، عن تحديد الفترة الانتقالية بـ 24 شهرًا، قبل تنظيم انتخابات وتسليم السلطة للمدنيين، وتبدأ هذه الفترة في آذار/مارس الماضي، وتنتهي في الشهر نفسه من سنة 2024.