14-ديسمبر-2020

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الصورة: تويتر)

ليس جديدًا على الجزائريّين التّعامل مع ملفّ مرض رئيس الجمهوريّة من باب التّرقّب والغموض والإشاعة والتّشكيك، فقد سبق لهم أن جرّبوا ذلك؛ على مدار ستّة أعوام، مع الرّئيس السّابق عبد العزيز بوتفليقة الذّي كان تحريكه ليده أو شفتيه يُشكّل حدثًا في المنابر الإعلاميّة الحكوميّة.

كان التّفاعل الشّعبيّ مع تأخّر ظهور الرّئيس لافتًا للانتباه في الواقع والمواقع

غير أنّ مرض الرّئيس عبد المجد تبّون الذّي أكّدت بيانات رئاسة الجمهوريّة أنّه أصيب بفيروس كورونا، نُقل على إثر ذلك إلى المستشفى العسكريّ في الجزائر العاصمة؛ ثمّ إلى أحد المستشفيات في ألمانيا، قبل ستّة أسابيع، من غير أن تضيف على ذلك شيئًا، كان مختلفًا عن مرض بوتفليقة بالنّظر إلى أنّه تزامن مع الاستفتاء على التّعديل الدّستوريّ الذّي تمّ في الفاتح من شهر نوفمبر الفائت، وجاء أسابيعَ قليلةً قبل الذّكرى السّنويّة الأولى لوصوله إلى سدّة الحكم، بالموازاة مع أحداث مفاجئة تشهدها الحدود الجزائريّة، خاصّة الغربيّة منها.

اقرأ/ي أيضًا: الرئيس تبون: ما يحدث في المنطقة كان منتظرًا

وهي معطيات خلقت كثيرًا من التّخوّف في الأوساط الشّعبيّة، في ظلّ نظام حكمٍ يمركز كثيرًا من الصّلاحيات في يد رئيس الجمهوريّة، منها المصادقة على التّعديل الدّستوريّ وإعلان الحرب في حالة أيّ تهديد لسلامة الوحدة التّرابيّة للبلاد، فكان التّفاعل الشّعبيّ مع تأخّر ظهور الرّئيس لافتًا للانتباه في الواقع والمواقع.

يقول طالب العلوم السّياسيّة والنّاشط عبد الرّحمن هيلول إنّ استشعار الجزائريّين لجملة من المخاطر، خاصّة بعد التطوّرات التّي عرفتها الحدود الغربيّة، في ظلّ اقتراب الكيان الصّهيونيّ وحليفتاه واشنطن وأبو ظبي منها، تبعًا لصفقة التّطبيع بين الرّباط وتل أبيب، هو ما جعل مطالبتهم بظهور الرّئيس أو مصارحتهم بوضعه الحقيقيّ ملحّةً؛ "من غير أن ننسى أنّ إدارة مؤسّسة الرّئاسة لملف مرض الرّئيس كانت تتّسم بشئ من التخبّط كرّس الشّكّ أكثر ممّا خلق الاطمئنان".

ويضيف محدّث "الترا جزائر": "كان لا بدّ من مراعاة الرّغبة الشّعبيّة مهما كان وضعه منعًا لرسوخ القراءة التّي تقول إنّه إمّا مات أو أصبح عاجزًا تمامًا عن أداء مهامّه، فيصبح الإعلان عن شغور منصبه واجبًا دستوريًّا، بما يعيد الأمور إلى نقطة الصّفر، بكلّ ما يترتّب عنها من انزلاقات محتملة".

من هنا، كان ظهور الرّئيس عبد المجيد تبّون؛ الأحد، في تسجيل من إقامته الألمانيّة، وتناقلته منابرُ حكوميّة ومستقلّة مثيرًا لإحساس الجزائريّين بالإطمئنان؛ رغم أنّه قال إنّ غيابه عن أرض الوطن قد يتأخّر ثلاثة أسابيع أخرى استكمالًا لإجراءات النّقاهة الموصى بها طبّيًّا.

مالت معظم التّعليقات إلى إبداء الفرحة بظهور الرّئيس، بعد أسابيع من التّرقّب والشّكّ والتّأويلات، وتمنّي الشّفاء العاجل له. وحتّى قطاع واسع من الذّين قالوا إنّهم لم ينتخبوه أو خابوا في المسار الانتخابيّ لاحقًا لم يخرجوا عن هذا الإطار.

ويقرأ النّاشط عبد النّور شرقي هذا المعطى في سياق الوعيّ الشّعبيّ العامّ الذّي كان، بحسبه، حاضرًا في كلّ المفاصل الحساسّة المتعلّقة بسلامة الوحدة الوطنيّة واستمرار الأمن القوميّ؛ "فهذا الوعي الشّعبيّ هو الذّي فجّر أصلًا الحراك الشّعبيّ والسّلمي، وهو الذّي جعل البلاد تتجاوز فخاخ تقسيمه وإجهاضه، وهو الذّي يقف اليوم حائلًا دون حدوث انزلاقات بسبب غياب الرّئيس في واحدة من أصعب الفترات إقليميًّا".

ويتمنّى محدّث "الترا جزائر" أن يبني الرّئيس، بعد عودته، على هذا الوعي الشّعبيّ "سياسةً تهدف إلى تعزيز الصّفّ الوطنيّ ونبذ الفرقة والمغالبة التّي لا تؤدّي إلّا إلى منح ثغرات للمخاطر المتربّصة بالبلاد".

ضمن سياق رصد التّفاعلات الشّعبيّة في موقع التّواصل الاجتماعيّ فيسبوك، كتب النّاشط الثّقافيّ تيجاني تامّة: "إنّ الذّين اعتادوا التّشكيك في صحّة الرّئيس والتّرويج لكلّ شائعة، سيقولون إنّنا لم نرَ الرّئيس واقفًا". وكتب المسرحيّ شوقي بوزيد: "خرجنا من نفق التّأويلات السّوداء".

وكتبت الإعلاميّة شهرزاد لمجد أنّ ابنتها طلبت منها إعداد الشّاي وتوزيعه على الجيران، فلمّا سألتها عن المناسبة، قالت لها إنّ ذلك "سيكون بمناسبة شفاء الرئيس".

من جهته، كتب الجامعيّ أكرم سنوسي أنّ ظهور الرّئيس تبّون يتحدّث في فيديو "ليس معناه أنّنا تفوّقنا على الأعداء وخطونا خطوة مُهمة وانتصرنا على كلّ ما يُهدّد أمن الجزائر في الحدود، ودخلنا للدّيمقراطيّة من بابها الواسع كما يعتقد البعض. فهو يعني تمرير الدّستور الذّي رفضته فئة كبيرة من الشّعب مقابل مطلب "أين الرئيس؟".

هل سيستغلّ الرئيس التّعاطف الشّعبيّ الواسع معه بسبب مرضه في إعادة النّظر في كثير من التوّجّهات والتّعيينات 

ويجد الرّئيس تبّون نفسه أمام سؤال يفرضه الوضع هو: هل سيستغلّ التّعاطف الشّعبيّ الواسع معه بسبب مرضه في إعادة النّظر في كثير من التوّجّهات والتّعيينات والخيارات التّي أثبتت نتائج الاستفتاء على التّعديل الدّستوريّ كونَها مرفوضةً شعبيًّا، في محاولة منه لترميم شرعيته الشّعبيّة، أم أنّه سيكتفي بالمراهنة على مساندة مؤسّسة الجيش له  في مسعى وقوفها إلى جانب الخيار الدّستوريّ؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

الرئيس تبون في الحجر الصحي لمدة 5 أيام بسبب كورونا

تبون يطمئن الجزائريين: أنا بخير وأزاول عملي عن بُعد