30-أكتوبر-2022
مغني الراب عبدو سلام (يوتيوب)

مغني الراب عبدو سلام (يوتيوب)

حين ولد مغنّي الرّاب عبدو سلام عام 1997 في الجزائر العاصمة، كانت الجزائر تتثاءب لتخرج من أزمتها الأمنيّة، فهو من الجيل الذّي لم يدرك هذه الأزمة، لكنّها طاردته لاحقًا، من خلال ما سمع عنها، وشاهد بقايا جروحها في النّفوس التّي يتوفّر عليها محيطه القريب. 

عبدو سلام: أستدعي لغةً فصيحة، لكنّها تستطيع أن تدخل إلى البيتزيريا والمقهى والملعب والجامعة

يقول إنّه لم يشاهد جارًا يُقتل، لكنّه درس مع ولدٍ له أو تعامل مع أحد من أقاربه، "وكنت أتساءل ما الذّي حدث حتّى وصل الجزائري إلى أن يقتل أخاه، رغم أنّه شريكه في اللّغة والدّين والوطن؟ ألم تقم ثورة التّحرير بسبب اختلاف الجزائريّين عن الفرنسيّين في هذه الأمور؟ إنّها من الأسئلة الأولى التّي هيمنت علي، فرحت أبحث عن إجابات لها من خلال الفن. لقد جئت إلى الفنّ من خلال الأسئلة". 

يقول صاحب أغنية "اليتيم" التّي حقّقت 12 مليون مشاهدة، إنّه اختار فنّ الرّاب لروحه الثّائرة عن السّائد والنّمطيّ والأمر الواقع، "حتّى أعبّر عن رفضي لجملة التّناقضات التّي تغلّف حياتي، فأنا كبرت على مقولة أنّ الاستقلال الوطنيّ جاء ليجعل الجزائر للجزائريّين، لكنّني رأيتها محتكرةً لصالح فئة معيّنة فقط، وعلى أنّ الكذب والسّرقة والغشّ حرام، لكنّي أذهب يوميًّا ضحية هذه القيم، على يد أناس يصلّون ويصومون ويحجّون ويساهمون في بناء المساجد". 

لم أكن مستعدًّا، يقول محدّث "الترا جزائر"، لأساير هذا الواقع المتناقض، فأنخرط في منطقه حتّى أضمن مصالحَ لا تتحقّق إلّا بالمسايرة، فكان عليّ أن أمارس رفضي من خلال أغنية الرّاب، مثلما مارسه من يشبهني في القارّات الخمس، وفي الجزائر رغم  حداثة عهدها به.

انقسمت أسرة عبدو سلام، بخصوص انحيازه للفنّ، فأمّه اقتنعت بأنّ ولدها موهوب ويستطيع أن يحقّق مجدًا، بينما تحفّظ أبوه خوفًا منه من أن يجرّه الفنّ إلى مساحات غير محمودة، بالنّظر إلى الحكم الشعبي الجاهز عنّ الفنّ والفنّانين، "فكان اختياري للّغة العربيّة الفصحى واحدةً من حيلي لجعله يؤمن بأنّ خياري الفنّي ملتزم وليس مائعًا، بحكم قداسة الفصحى وبرمجتها للمتلقي على النّظر إلى مستعملها باحترام". 

ويتدارك بالقول: "لم يكن هذا سببي الوحيد لاختيار العربيّة الفصحى لغةً لأغنياتي، فأنا أسعى من خلالها للوصول إلى جمهور عربي أوسع، وإلى التّأكيد على أنّها تستطيع أن تعبّر عن المعيش، تمامًا مثل اللّهجات الشّعبيّة المحكيّة، بروح شبابيّة جديدة، فأنا لا أستعير قلم المتنبي أو أحمد شوقي لأعبّر عن واقعي في القرن الواحد والعشرين، بل أستدعي لغةً فصيحة، لكنّها تستطيع أن تدخل إلى البيتزيريا والمقهى والملعب والسوبرماركت والجامعة، من غير أيّة عقدة". 

"أتولّى كتابة أغنياتي بنفسي. وأحتكم في اختيار قاموسها وهواجسها، إلى كوني شابًّا يعيش نبض الواقع بكلّ تفاصيله، فأنا أترجم روح هذا النّبض إلى الفصحى، وهو ما يهمّ المتلقيّ الجديد. أن يجد نفسه وزمنه في ما يتلقّاه، لا أن يجد نفسه داخل زمن قديم لا يعنيه إلّا بصفته تراثًا. إنّ المعيش يغلب الموروث، من حيث اهتمام الإنسان السّويّ والمتوازن فكريًّا". 

ينبغي الانتباه، يواصل صاحب أغنية "البراءة" وأغنية "دعوني وشأني"، إلى أنّ الشّاب العربي اليوم لا يملك موقفًا سلبيًّا من العربيّة الفصحى في حدّ ذاتها، فهل تربّى على أفلام الكرتون والمسلسلات المدبلجة، بل من العربيّة المتقعّرة التّي لا تنسجم مع الحياة وتحوّلاتها، فهو يسخر من أصحابها، ومن طريقتهم في العيش واللّباس والكلام. 

يجد عبدو سلام دعمًا ومتابعةً قويّين من الشّباب في مواقع التّواصل الاجتماعيّ

من هنا، يجد عبدو سلام دعمًا ومتابعةً قويّين من الشّباب في مواقع التّواصل الاجتماعيّ. فقد حقّقت قناته في "يوتيوب" قرابة 600 ألف متابع، وحقّق حساباه في انستاغرام وفيسبوك قرابة 100 ألف رغم حداثتهما.  ويطمح إلى أن يتغلّب على الإكراهات الماليّة التّي تحول بينه وبين أن يسجّل ويصوّر أغانيه بطريقة أكثر احترافيًة.