27-نوفمبر-2019

ساحة البريد المركزي بالعاصمة (الصورة: ويكيبيديا)

ما كان منتظرًا منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي، ولم تجرؤ الحكومات المتعاقبة على تجسيده، أُعلن بالفعل.

تحوّلت ولاية الطارف إلى ولاية كاملة الصلاحيات لأن  الرئيس السابق الشاذلي بن جديد كان ينحدر منها

لقد أصبح للجزائر 58 ولاية "كاملة الصلاحيات" عوضًا عن 48 مثلما كان الأمر منذ 1984، إضافة إلى 44 "ولاية منتدبة" هي بمثابة "ولايات تجريبية"، لمدّة أربع سنوات، بمعنى أنه في سنة 2023 ستصبح الجزائر بـ102 ولاية.

اقرأ/ي أيضًا: الجمهورية الجزائرية المتناقضة

وفي تبرير تحويل الولايات المنتدبة العشر إلى ولايات كاملة، قالت الحكومة (التي يُقال إنها حكومة تصريف أعمال) إنها أصبحت "تتمتّع بالنضج المؤسّساتي" بعد أربع سنوات من تحويلها من دوائر إلى ولايات منتدبة.

وعلى ذكر "النضج المؤسّساتي"، فإن الجميع يعلم أن كثيرًا من الولايات التي اُعتمدت عام 1984 على غرار الطارف وميلة والنعامة وغيرها كثير، لم تصل إلى هذا النضج، وبقيت تابعة بشكل أو بآخر إلى ولاياتها الأصلية، إمّا في قطاع الصحّة أو العدالة أو غيرها من القطاعات.

يؤكّد العارفون أن بعض الولايات (في تقسيم 1984، وحتى في تقسيم 1974)، لم تعتمد وفق مقاييس علمية وموضوعية، بل لعبت فيها عامل أخرى، أهمها نفوذ بعض المسؤولين، والكلّ ما زال يردد أن ولاية الطارف، وهي التي رغم مرور أكثر من ثلاثين سنة على اعتمادها، ما تزال تفتقر إلى مواصفات مدينة بالشكل المعروف عندنا، فما بالك بأن تكون عاصمة ولاية، وما كان لها أن تصبح كذلك لو لم يكن الرئيس السابق الشاذلي بن جديد منحدرًا منها، وقس على ذلك.

يلعب الصراع القبلي دورًا في صعود هذه الولاية أو تلك، حيث إن ولاية أم البواقي، ما كان لها أن تكون عاصمة للولاية رقم 4 في التقسيم الإداري لسنة 1974، لولا الصراع الذي كان دائرًا حينها بين عين البيضاء وعين مليلة، وحتى يتجاوز رئيس الجمهورية حينها المشكلة، عمد على اعتماد أم البواقي رغم أنها لم تكن شيئًا مذكورًا، وأصبحت تضمّ دوائر عين البيضاء وعين مليلة إلى يومنا هذا.

يرتبط التقسيم الإداري، بالمحاكم الإدارية التي يفترض أن تكون لكل عاصمة ولاية محكمة إدارية خاصّة بها، عملًا بنظام "الازداوجية القضائية" الذي جاء به دستور 1996، غير أن تجسيد ذلك الأمر واجه صعوبات كثيرة بالنظر إلى نقص الكفاءات في القضاء الإداري وبقيت ولاية عديدة بدون محاكم إدارية سنين طويلة.

ما يلفت الانتباه أن الجزائر أيّام الاحتلال الفرنسي، كانت تُعتبر مقاطعة فرنسية، تتكون من ثلاث ولايات وهي قسنطينة والجزائر ووهران، وبقيت الصحراء "منطقة عسكرية"، وأن تلك الولايات الثلاث كانت تتوفّر على محاكم إدارية تابعة مجلس الدولة في باريس، ومع بدايات الاستقلال وعوضًا عن تدعيم تلك المحاكم، صدر قرار بإلغائها واعتمدت الجزائر نظام "وحدة القضاء"، لأنّ "القضاء المزدوج" يحتاج إلى "نضج مؤسّساتي لم يكن متوفرًا".

أخذ الأمر سنين طويلة لتعود البلاد إلى "الازدواجية" وتتأسّس المحاكم الإدارية من جديد، وكان تأسيس 48 محكمة إدارية يحتاج إلى "معجزة" وسنين طويلة من العمل.

لكن المشكلة يبدو أنها ستتضاعف، والعدالة الآن في حاجة إلى تأسيس محاكم إدارية في الولايات العشر الجديدة، التي بلغت النظام المؤسّساتي لكن ذلك "النضج" سيأخذ وقتًا طويلًا مع المحاكم الإدارية والأمر سيتعقد أكثر عندما يكون للجزائر بعد أربع سنوات 102 ولاية كاملة.

الأمر يشبه المتاهات التي كان يرسمها خورخي لويس بورخيس في قصصه القصيرة

الأمر يشبه المتاهات التي كان يرسمها خورخي لويس بورخيس في قصصه القصيرة، لكنه يبدو أكثر تعقيدًا مع الحديث عن "النضج المؤسّساتي" الذي يخفي فراغًا لا أحد من المسؤولين يجرؤ على الاعتراف به.

 

اقرأ/ي أيضًا:

البنك العالمي: حبس رجال الأعمال سيؤدّي إلى تباطؤ نمو الاقتصاد الجزائري

تراجع احتياطي الصرف.. الجزائر على أبواب الاستدانة الخارجية؟