لا يخفي غالب بن الشيخ رئيس مؤسسة "الإسلام في فرنسا"، قلقه من احتمال صعود اليمين المتطرف إلى الحكم، بمناسبة الانتخابات التشريعية المبكرة التي ستجري غدا في فرنسا، وما سيحدثه ذلك من تداعيات مباشرة على المواطنين أو المقيمين من أصول مسلمة.
بن الشيخ: على المسلمين في فرنسا ألا ينجروا إلى ردود الفعل الانفعالية ويتحلوا بالتريث وبرودة الأعصاب والهدوء
في وصفه للأجواء العامة ساعات قبل الحدث، يقول بن الشيخ في حديثه مع "الترا جزائر"، إن فرنسا تعيش حالة من الاحتقان بفعل البروبغندا التي يمارسها اليمين المتطرف ممثلا في حزب التجمع الوطني ومن يقاومون هذا التيار من القوى المعتدلة واليسارية في البلاد، بينما يعيش المسلمون مخاوف كبيرة جراء "عدم اليقين" الذي يمثله صعود اليمين المتطرف للحكم على مستقبلهم في هذه البلاد التي يملك كثير منهم جنسيتها ويقيم آخرون بها طلبا للعمل والرزق.
مخاوف المسلمين
والملاحظ وفق بن الشيخ الذي يعد شخصية إسلامية معتدلة مؤثرة في الوسط الفرنسي، أن المسلمين بمناسبة هذه الانتخابات وحتى قبل ذلك، صاروا عرضة للكلام البذيء الذي ينتقص من سمعتهم ودينهم، في وقت ليس لهم ممثل قوي يستطيع الدفاع عن مصالحهم، في ظل حالة التشرذم التي تميز المؤسسات التي يفترض أنها وجدت لتجمعهم.
هذا الوضع يقول المفكر، أدى إلى ظهور أصوات حتى من المسلمين تعمل ضد مصالح المسلمين أنفسهم، حيث رصدنا مثلما ذكر أئمة عبر مواقع التواصل وفي بعض المساجد يحرمون الذهاب للانتخابات بمبرر أن الديمقراطية كفر كما يزعمون، بينما "يمثل هذا الموقف الغباء بعينه، لأنه سيسمح بتحييد أصوات يمكنها التأثير في نتائج الانتخابات ومنع اليمين المتطرف من الاستئثار بأغلبية مقاعد البرلمان، ومن ثم تطبيق سياستهم المعادية للوجود الإسلامي في فرنسا".
وعكس هذا التوجه، يؤكد المتحدث أهمية أن يتجند المسلمون بقوة ويتداعوا لصناديق الاقتراع من أجل أداء واجبهم الوطني كفرنسيين يريدون الحفاظ على الجمهورية مثل سائر الفرنسيين من السقوط في يد اليمين المتطرف، وأن يختاروا من التيارات من يحترم دينهم وتقاليدهم وأصولهم، تعزيزا للعيش المشترك والاندماج داخل المجتمع الفرنسي.
ويؤكد بن الشيخ أن مؤسسة "الإسلام في فرنسا" التي يقودها رغم أن ممارسة السياسة ليست من صلاحياتها، إلا أن الواجب المواطني في مثل هذه الظروف يحتم أن تدعو إلى ضرورة الانخراط في جهود تشكيل سدّ أمام وصول اليمين المتطرف المشكل حاليا من حزب جوردان بارديلا ومارين لوبان وبعض أتباع الرئيس السابق لحزب الجمهوريين إيريك سيوتي وحزب استرداد الذي يقوده إيريك زمور.
فخاخ اليمين المتطرف
وفي سياق مواجهة اليمين المتطرف، ينبه رئيس مؤسسة «الإسلام في فرنسا»، إلى الحذر من الوقوع في فخ حزب التجمع الوطني الذي يحاول منذ سنوات تطبيق استراتيجية "إزالة الشيطنة" عن خطابه المألوف ومحاولة إظهار أنه ليس لن يمس بحقوق المواطنين الفرنسيين من أصول عربية وإسلامية، بينما هو في الواقع عكس ذلك.
ويستند بن الشيخ إلى قرار مجلس الدولة الفرنسي في 11 آذار/مارس الماضي الذي أكد أن هذا الحزب ينتمي إلى اليمين المتطرف، حتى أنه في البرلمان يجلس في أقصى يمين كدليل رمزي على أنه من هذا التيار.
ويؤكد المتحدث أنه رغم كل جهود "إزالة الشيطنة" التي يقوم بها الحزب، لا يزال تاريخه يفضحه، فهو قد تأسس على أيدي بقايا النازيين وعملائهم في فرنسا، بينما والد مارين لوبان، جون ماري لوبان، معروف بعنصريته الشديدة بل وممارسته التعذيب خلال الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي.
وما يفضح هذا الحزب أكثر، وفق بن الشيخ، أن بعض ما يرد في برنامجه، يصادق تماما هذا التوجه الذي يحاول إخفاءه، فمثلا هو يشكك في وفاء مزدوجي الجنسية لفرنسا، ولا يتحدث في هذه الفئة إلا عن من هم فرنسيون ومغاربيون أو أفارقة في نفس الوقت، بينما يستثني مزدوجي الجنسية الآخرين.
في حين ـ يضيف ـ تتصادم قضية الاختيار والتمييز ومنح الأولوية للعنصر الفرنسي مع المبادئ العامة للجمهورية في فرنسا.
كما أن قيادة الحزب، يقول، لا تستطيع في كثير من الأحيان، التحكم في الخطاب العنصري لبعض مترشحيها أو المناضلين في صفوف الحزب، والذين لا يخفون عنصريتهم وتحررهم من القيم الجمهورية الفرنسية، مثلما رصدته الصحافة في الأيام الأخيرة، لموظفة في محكمة شبهت جارتها لأسباب عنصرية بالكلب الذي يذهب لمرتعه، وأدى ذلك لتوقيفها عن العمل.
ومن مظاهر تطرف هذا التيار، حسب بن الشيخ، تركيزه بشكل خاص على الوجود الجزائري في فرنسا من خلال جعل إلغاء اتفاقية الهجرة لسنة 1968 أولوية في برنامجه حال وصوله للحكم.
وقال إن الإشكال في دعوتهم هذه، أن هذه الاتفاقية التي وقعتها فرنسا مع الجزائر لديها طابع دولي، في وقت يؤكد الدستور الفرنسي أن الاتفاقيات الدولية تسمو على الدستور نفسه، وهو ما يثبت مرة أخرى عدم احترامهم للدستور. ولفت إلى أن التنصل من هذه الاتفاقية، سيشكل عدائية في الدبلوماسية مع الجزائر دون مبرر.
مسلمو فرنسا مطالبون بالهدوء
وفي حال شاءت الأقدار أن يصل المتطرفون للحكم، قال غالب بن الشيخ إن على المسلمين في فرنسا ألا ينجروا إلى ردود الفعل الانفعالية ويتحلوا بالتريث وبرودة الأعصاب والهدوء.
وقال إن القوانين الفرنسية تتيح التصرف بطريقة حضارية عبر التوجه للمحاكم في حال حدثت انتهاكات ضدهم. ناهيك عن أن فرنسا لديها سلطات مضادة تسمح للمجلس الدستوري بإبطال الإجراءات التي تعد مخالف لقيم الجمهورية.
وقبل ذلك، سيكون مهما وفق المتحدث، معرفة كيف سيتصرف اليمين المتطرف، خاصة أن تجارب مماثلة في أوروبا، مثلما حدث مع جيورجيا ميلوني في إيطاليا أثبتت أن الاقتراحات الشعبوية تسقط بمجرد الاصطدام بواقع الحكم وتعقيداته.
ويجمع بن الشيخ ذي الأصول الجزائرية، بين الفلسفة والعلوم الإسلامية والعلوم التجريبية، فهو دكتور في العلوم والفيزياء ولديه عدة كتب تعالج التاريخ الإسلامي للتصوف والحضارة، وهو متدخل دائم في القنوات الفرنسية مدافع عن الطرح الوسطي للإسلام.
ويرأس نجل عميد مسجد باريس السابق عباس بن الشيخ الحسين، حاليا مؤسسة الإسلام في فرنسا لعهدة ثالثة بعد انتخابه في آذار/مارس الماضي، وهي مؤسسة تعنى بالدفاع عن الجانب الحضاري للإسلامي ومحاربة الأفكار المتطرفة والمغلوطة عن الإسلام.