اضطرّت عائلة محمد تبّاني، إلى قطع مسافة ألفي كيلومتر تقريبًا، من مدينة وهران غربي البلاد، إلى أقصى الشرق برًا، لقضاء أسبوع واحد في منتجع سياحي بمدينة سوسة التونسية، تزامنًا مع عطلة الصيف، هربًا من حرارة الصيف وغياب المرافق والخدمات.
طابور السيارات امتدّ إلى خارج المعبر الحدودي بين الجزائر وتونس على مسافة خمسة كيلومترات
في رابع أيّام عيد الأضحى، اصطفت سيارة أسرة تباني إلى جانب مئات السيارات ذات الترقيم الجزائري في المعبر الحدودي أم الطبول لمدينة الطارف شرقي البلاد، لمدّة خمس ساعات كاملة.
اقرأ/ي أيضًا: لماذا يتدفّق الجزائريون إلى تونس؟
كان هناك أيضًا عشرات الحافلات التي تحمل سياحًا جزائريين، ولكن طابور السيارات امتدّ إلى خارج المعبر الحدودي على طول خمسة كيلومترات. في انتظار استكمال إجراءات تصديق جوازات السفر ووثيقة تأمين السيارات.
رحلة أسرة تباني من غرب البلاد كانت مرهِقة جدًا، لكن أفراد الأسرة يُجمعون في حديث إلى "الترا جزائر" على أنّ الأهم هو قضاء وقت جيّد في المنتجع السياحي النظيف والقريب من البحر، والذي يتوفّر على مختلف وسائل الترفيه، خصوصًا لأطفالها الثلاثة.
قضاء أسبوع كامل في المنتج السياحي بسوسة، تكلّف أسرة تبّاني ما يقارب 1600 دينار تونسي، أي ما يعادل 100 ألف دينار جزائري تقريبًا، وهو مبلغ لا يُمكّن العائلات الجزائرية من الحصول على خدمات مشابهة في الجزائر، تقول السيدة تباني في حديث إلى "لترا جزائر".
توضّح المتحدّثة، أنها لا تريد أن تصرف المال دون أن تستفيد من خدمات جيّدة، ففي المكان الذي اختارته الأسرة، مساحة تضمّ "مدينة ألعاب، فضلًا عن شواطئ مجهزة وعائلية، وتخفيضات على حسب عدد أفراد العائلة".
يعترف كثيرون، ممن حجّوا نحو الجارة الشرقية، أن إرهاق السفر الطويل من أجل السياحة والعطلة والراحة، يخفّ مع انتهاء إجراءات العبور، ويزول عندما تكون الوجهة جميلة وتلبّي رغبات السياّح، وبينما ينتهز أفراد الأسرة، فرصة الانتظار للنوم أو تفقّد الأغراض، يعكف رب الأسرة أو قائد المركبة، على إنهاء تصديق الوثائق للمرور نحو "الجنّة السياحية".
أسباب محفّزة
تشهد المعابر الحدودية بين الجزائر وتونس مباشرة بعد عيد الأضحى، تدفّقا كبيرًا لمئات الآلاف من السيّاح الجزائريين المتوجّهين نحو المدن السياحية، خاصّة سوسة والحمامات، ونابل، إذ يطرح الأمر عدّة تساؤلات عن السياحة في الجزائر وكيف للجزائري أن يتجاهل مسافة 1200 كيلومترًا من السواحل الجزائرية ويختار الوجهة التونسية.
يُجمع كثيرون ممن زاروا المدن التونسية، بأن قضاء عطلتي الصيف والربيع، ورأس السنة الجديدة في تونس، سببه أن السياحية في الجزائر، قطاع تغيب عنه الخدمات التي تجذب المواطن، فضلًا على غلاء أسعار الفنادق وتأجير البيوت، وغياب الرحلات الداخلية والمسابح ومدن الألعاب.
الملاحظ على طول المسافة البريّة في الطريق السيّار شرق-غرب، فإن الجزائر تملك 1200 كيلومترًا من السواحل لكنها غير مستغلة بشكل جيّد، يقول الخبير الاقتصادي يحي مكحوت لـ" الترا جزائر"، إنّ هناك ثلاثة أسباب تجعل من هذا القطاع غير مستغل اقتصاديًا، أهمّها "موارد النفط التي تحوز عليه الجزائر، والتي بدورها رسّخت الاتكالية وبناء اقتصاد ريعي يعتمد على مداخيل المحروقات، بنسبة تصل إلى 98 في المائة، ما حَجَب توجيه الاهتمام بالقطاعات الخدمية مثل السياحة".
يعرّج الأستاذ مكحوت إلى سوسيولوجية تركيبة المجتمع الجزائري، معتبرًا أن طبيعته المحافظة، "لم تكن تتقبّل فكرة الفنادق والمنتجعات والاختلاط، بسبب حداثة عهد المجتمع الجزائري كدولة فتية استقلّت عام 1962، وكانت أولوية الأسرة الجزائرية هي الحصول علي الصحّة والتعليم والسكن والنقل ولم تكن السياحة من اهتماماتها".
أما السبب الثالث، بحسب الخبير الاقتصادي؛ فإن الجزائر لازالت تترنّح في استغلال المقدّرات السياحية، إذ لا توجد رؤية للدولة لتحريك قطاع السياحة، حيث خضعت الدولة للمجتمع المحافظ، ثم قضت المرحلة الأمنية العصيبة التي عاشتها الجزائر على ما تبقّى من السياحة، يضيف المتحدّث.
بقيت تونس لفترة طويلة، الوجهة الوحيدة للجزائريين بعد غلق الحدود البريّة مع المغرب عام 1995، ولم تستطع الدولة في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة إنشاء قطاع سياحي خدمي برغم وجود محاولات محتشمة لذلك، بسبب استمرار الاتكال على مداخيل النفط والتوريد من الخارج وغياب إستراتيجية دولة.
السياحة في الجزائر
ضعف قطاع السياحة في الجزائر، دائمًا ما يحمله المسؤولون الذين تعاقبوا على القطاع خلال السنوات الأخيرة، خاصّة عقب الفترة الأمنية التي عاشتها الجزائر، إذ تساءلت الإعلامية الجزائرية، صورية بوعمامة في تدوينة لها على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، عن سبب الازدحام المروري واصطفاف السيارات التي تحمل الترقيم الجزائري على معبر أم الطبول قائلة: " ألا يخجل كلّ وزراء السياحة في الجزائر ورؤساء حكوماتهم الذين تعاقبوا على المسؤوليات، على هذا المنظر لعشرات الآلاف من الجزائريين وهم يقصدون تونس للسياحة".
من بين أهمّ الأسباب التي تغري الجزائريين لاختيار الوجهة التونسية في العطل، هي إمكانية الذهاب برّا بمركباتهم الخاصّة، دون الحاجة إلى شراء تذاكر الطائرة بأسعار مرتفعة خلال هذه الفترة، فضلًا عن انخفاض أسعار المواد ذات الاستهلاك الضروري، وبالمقارنة بين البلدين يقول جيلالي لخضاري، الأستاذ الجامعي، إنّه في أبسط فضاء عمومي في الجزائر، يصل سعر قارورة ماء صغيرة الحجم، إلى خمسة أضعاف سعرها الحقيقي.
يستشهد المتحدّث، بأسعار قارورات المياه في حديقة تسلية بمدينة مستغانم الساحلية، إذ يقدّر سعر قارورة ماء صغيرة الحجم، بـ 100 دينار جزائري والكبيرة الحجم بـ200 دينار جزائري، ويُمنع الزوّار من إدخال المأكولات إلى الحديقة،لإرغامهم على اقتناء حاجياتهم من محلّات الحديقة التي تعرض المأكولات بسعر مرتفع، على حدّ تعبيره.
يُلفت لخضاري في تصريح إلى "الترا جزائر"، إلى أن السياحة التونسية تعمل على تشجيع الزوّار والسيّاح الجزائريين، على زيارة مناطقهم بطريقة التسويق الذكي وليس بأسلوب التنفير وإفراغ الجيوب السيّاح".
من جهته، يؤكّد صاحب وكالة سياحية جزائرية، بأنه نقل ما بين منتصف شهري جويلية/ تمّوز، وأوت/ أغسطس، ما يربو عن 4 آلاف جزائري عبر حافلات سياحية من العاصمة الجزائر نحو عنابة ثم تونس بالشراكة والاتفاق مع الفنادق في كل من مناطق المنستير ونابل والحمامات، مؤكّدًا في حديث إلى "الترا جزائر"، بأن تونس بلد سياحي بامتياز، ويهدف إلى استقطاب أزيد من مليون سائح جزائري سنويًا، مذكرًا بتوفّرها على فنادق وخدمات راقية وبأسعار تنافسية ومعقولة بالنسبة للجزائريين.
هروب جماعي
تتوفّر الجزائر على إمكانيات طبيعية هائلة، تضم ّرباعية البحر والغابة والجبال والصحراء، من شمال البلاد إلى جنوبها، غير أنها لا تتوفّر على الخدمات التي تستقطب المصطافين أو السيّاح في الصيف وفي مختلف الفصول.
يتزايد عدد السياح الجزائريين المتوجّهين إلى تونس كل سنّة بفضل الخدمات والتسهيلات التي تقدّمها الجارة الشرقية
اللافت أنه قبل دخول الأراضي التونسية، أيّ في المنطقة الجزائرية لا توجد أي مؤسّسة تقدم خدمات للسيّاح العابرين إلى تونس، على عكس الضفّة الحدودية الأخرى، إذ وعلى بعد أمتار قليلة، يجد السائح الجزائري مباشرة بعد تجاوزه المعبر الحدودي إلى تونس، مختلف المرافق من عروض خدمات الهاتف النقّال والوكالات السياحية والوكالات الطبيّة التي تعرض خدماتها 24ساعة على 24 ساعة، فضلًا عن وكالة بنكية لتبديل العملة ومقاهي للراحة، وهي الملاحظة التي تطرح الكثير من علامات الاستفهام.
اقرأ/ي أيضًا: