20-مايو-2020

حين تصل لمدخل قرية تيزا ببومرداس شرق العاصمة، فإنك ستمرّ عبر إجراءات قد لا يكون لها أي مثيل في مكان آخر في الجزائر، ستشعر أنك في محطة تفتيش أو في مطار دولي، فقبل ولوجك إلى القرية سيتم تعقيم مركبتك وقياس درجة حراراتك من طرف مواطنين متطوعين لحماية قريتهم، فإن لم تظهر عليك أعراض وباء كورونا أو ارتفاع لدرجة حرارتك فأهلا بك في أجمل قرية ببومرداس، وإن ظهر العكس فسيتم نقلك لأقرب مركز استشفائي، تنظيم محكم من طرف شباب عقدوا العزم على أن تكون قريتهم بعيدة عن أخبار الإصابات وأرقام الوفيات.

تصدر كل يوم قائمة المكلفين بمراقبة الدخول والخروج إلى القرية ليلًا ونهارًا

سلطة معنوية

انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، صورٌ لمبادرات في قرى ولاية تيزي وزو التي أخذ سكانها على عاتقهم مهمة حماية قراهم من فيروس كورونا، حيث عاد دور الهيئة المحلية المعروفة بثاجماعث للظهور بصفة فعّالة لتسير شؤون القرية وسكانها، هيئة عرفية تستقطب مبادرات شباب القرية وتديرها وتنظمها كونها تمثل كل عائلات القرية.

اقرأ/ي أيضًا: "أماڨار نتفسوث".. تراتيل الربيع في منطقة القبائل

مباشرة بعد بداية تفشي فيروس كورونا في الجزائر، نظم سكان عدّة قرى في منطقة القبائل أنفسهم، وأصدروا قرارًا بالحجر الذاتي الكامل ومنع الغرباء من دخول قراهم وتسيير طريقة خروج ودخول سكانها وذلك لمنع وباء الفيروس من الوصول إلى قراهم وجعلها محصّنة من فيروس أخذ يفتك بالبشرية. هنا رسمت تاجماعت خطّة واضحة وضعت في الحسبان كل تدابير النظافة وتموين السكان بحاجياتهم في هذه الفترة الحرجة.

في هذا السياق، أعلن سكان قرية تيروردا، 70 كيلومتر جنوب شرق ولاية تيزي وزو حالة حجر ذاتي مستمرّة منذ 25 آذار/مارس الماضي، وأوكلوا مهمة تسيير فترة الحجر الصحي لهيئة تاجماعت التي تتولى مهمة اصدار البيانات والتعليمات التي يتم تطبيقها حرفيا، حيث مُنعت التجمعات في القرية وحُظرت الزيارات العائلية وتم تأجيل كل المناسبات لوقت لاحق.

في حجرة وسط قرية  تيروردا، تتخذها "تاجماعت" مقرّا لها، تعقد اجتماعات يومية، تُحترم فيها إجراءات السلامة، حيث يتمّ كل يوم إصدار قائمة المكلفين بمراقبة الدخول والخروج إلى القرية ليلًا ونهارًا، وتعقيم السيارات والمركبات المتجهة نحو القرية، كما يقوم مسؤولو تاجماعت بإحصاء وجرد سكان القرية المتضرّرين من إجراءات الحجر بُغية دعمهم بالحاجيات الضرورية، شريطة مواصلة التقيد بتعليمات الهيئة المسيّرة للقرية، في ذات الاجتماع أيضًا يتم إصدار التراخيص الاستثنائية لمغادرة القرية لقضاء حاجات ضرورية، وثائق عرفية لا تحمل خاتمًا لكنها تعتبر بمثابة قرار لا يقبل النقض، إنها السلطة المعنوية لتاجماعت التي تعتبر مثالًا خالصًا للديمقراطية التشاركية والتسيير الجماعي في منطقة القبائل.

تدابير خاصّة

يتحدث نسيم أحد المتطوعين في قرية تيروردا لـ "الترا جزائر" عن سير الأمور طيلة فترة الحجر الصحّي "طلبنا من سكان القرية عدم الخروج، والاتصال بأحد أعضاء (تاجماعت) في حالة الضرورة، نحن نوفر الأكل وقارورات الغاز، فبعض منازل قريتنا الجبلية لم تزوّد لحد الآن بشبكة الغاز الطبيعي، طلبنا منهم إخراج نفاياتهم أمام المنازل، واخترنا يوم الاثنين لمرور شاحنة البلدية لنقلها إلى المفرغة العمومية، نحن نحاول الحدّ من دخول وخروج السكان إلى القرية إلا في حالات الضرورة القصوى" ، ويردف نسيم " هناك بعض سكان القرية المتواجدين لظروف العمل خارج القرية، طلبنا منهم انتهاج عزل ذاتي لمدة أسبوعين في منازلهم حين يأتون للبقاء في القرية، يجب أن نستعد لكل الإحتمالات"

أمّا في قرية تاوريرت مقران ببلدية الأربعاء ناث إيراثن يقوم الشباب المكلفون من تاجماعت وبالتنسيق مع جمعيات محلية بتعقيم الأزقة الضيقة للقرية، كما يقومون أيضا بترتيب الأمور مع أصحاب المنازل لتعقيمها من الداخل دوريا، فيما تقوم بعض الفتيات بزيارة المنازل لتلقين النسوة السلوكات السليمة الواجب اتباعها من أجل حماية منازلهن من خطر الفيروس، كما تتشكل دوريات ليلية من أبناء القرية لمنع السكان من التجمهر خارج منازلهم، ويسهر فريق آخر على تسيير الحاجز الأمني عند مدخل القرية مباشرة بعد الإفطار .

قرى تعزل سكانها 

تروي الصحافية أمال محندي لألترا جزائر تجربة العزل التي انتهجتها قرية تيفيلكوت، وهي قرية تتواجد في أعالي جبال جرجرة ببلدية إيليتن بتيزي وزو، حيث دخلت القرية في حجر كلي منذ بداية ظهور فيروس كورونا،  فاتخذ سكان هذه القرية بسرعا التدابير اللازمة من أجل حمايه الصحة العامة للسكان، " كانت هذه التدابير نتاج عمل مشترك بين تجماعت وهي هيئة القرية التي تضم شيوخ القرية وعقلائها وجمعية محلية تعنى بالبيئة إذ تم إنشاء خليه أزمة لأخذ التدابير اللازمة من أجل حماية سكان القرية والقادمين إليها على حد سواء".

في تيفيلكوت تم غلق منافذ القرية، وكُلفت مجموعات من الشباب لمراقبة مداخلها، إذ يمنع منعًا باتًا دخول أي غرباء للقرية مع تعقيم السيارات والشاحنات المستعملة من طرف سكان القرية، حيث تم تزويد مستوصف القرية بكل المستلزمات الطبيّة التي تم جمعها من تبرعات السكان، كم تم توفير سيارة إسعاف، ومن جهتهن قامت نساء القرية بخياطة كمامات وتعقيمها لتوزع بعد ذلك على كل البيوت، فيما انصب عمل تاجماعت على توفير قارورات الغاز والدقيق وتوزيع التبرعات الغذائية للعائلات المحتاجة، كما تم تنظيف كل شوارع وأزقه القرية  ووُضع سائل معقّم بجانب كل عيون المياه المنتشرة في القرية، وانخرط مسجد القرية أيضًا في العملية إذ يتم استعمال مكبر صوت المسجد لتوعية السكان بمدى خطورة هذا الفيروس، وضرورة احترام تدابير الحجر المنزلي.

إفليسن..مدينة تهزم كورونا

لم يكن يعلم سكان قرية "إكناش"، ببلدية أفليسن التابعة لدائرة تيڨزيرت أن حضورهم مراسيم دفن مهاجر عائد من فرنسا سيكون سببا في انتشار الرعب بينهم، بعد أن أثبتت الفحوصات إصابته بفيروس كورونا، وهنا بدأت قصّة حرب خاضها سكان مدينة إفليسن ضدّ رعب كورونا.

بدأت الحالات تتزايد بين سكان قرية إكناش والقرى المجاورة، وبدأت الأمور تخرج عن السيطرة في المركز الاستشفائي بتڨزيرت، هنا وبشكلٍ تلقائي نظم سكان القرى أنفسهم، ووجد الطاقم الطبي للدائرة وأعوان الهلال الأحمر أنفسهم على الأرض بوسائلهم الخاصة، في مواجهة الوباء، وسرعان ما تحولت اللجان المحلية في القرى إلى خلايا أزمة للتعامل مع حالة طوارئ غير طبيعية.

تقيّد سكان قرية إفليسن بتعليمات عقلاء القرى واجتهاد المتطوّعين في توفير كل لوازم الحياة للعائلات، جعلها تهزم الوباء

بعد إحصاء الأشخاص الحاضرين في مراسيم الدفن، والبدء في التحقيق الوبائي، تجندت جمعيات القرى الـ 38 التي تشكّل دائرة تيڨزيرت، وأعلنت بلدية إفليسن منطقة موبوءة، أغلقت كل مداخل القرى وتم منع السكان من الخروج من منازلهم لغاية إحتواء الوضع الذي كان الجميع ينتظر أن يصبح كارثيًا، لكن تقيّد السكان بتعليمات عقلاء القرى واجتهاد المتطوّعين في توفير كل لوازم الحياة للعائلات، جعل قرى إفليسن الصغيرة، تهزم هذا الغول الذي قهر العالم، لتمرّ أزيد من ثلاثة أسابيع دون إصابات بعد أن وصل عدد المصابين في قرى المدينة إلى 23 حالة وستة وفيات.

 

اقرأ/ي أيضًا:

منطقة القبائل والانتخابات.. تاريخ من المقاطعة

"أزرو نطهور" في منطقة القبائل.. البركة التي تسكن الجبل منذ قرون