11-ديسمبر-2019

محتجون يغلقون مقرّ دائرة تيزي وزو (تصوير: رياض كرامدي/أ.ف.ب)

منذ عام 1999، وهو العام الذي جاء فيه بوتفليقة إلى الحكم، كانت نتائج الرئاسيات تتشابه لأربع عهدات متتالية، إذ كان بوتفليقة يفوزُ برئاسة الجزائر بفارق شاسع عن ملاحقيه، ممّا جعل تلك الانتخابات تُشبه تزكيةً عبر الصندوق. تغيّرت عدّة أشياء طيلة تلك الفترة لكن كان هناك قاسمٌ مشترك، وهو أنّه خلال العهدات الأربع للرئيس السابق تذّيلت منطقة القبائل نسبة المشاركة في الرئاسيات، حتّى صار الأمر تقليدًا راسخًا في المنطقة، أو ما يُشبه تمرّدًا انتخابيًا يتجدّد مع كلّ عملية انتخابية.

لم يكن قرار عدم زيارة منطقة القبائل لتنشيط حملة الرئاسيات صُدفة اجتمع عليها المترشّحون ولا قرارًا اعتباطيًا

خارج حسابات اللعبة الانتخابية

انتشرت قبل أيّام صور وفيديوهات تُظهر اقتحام مواطنين لبعض المكاتب المخصّصة للانتخابات وتحطيم صناديق الاقتراع، وغلق مقرّات البلديات والدوائر، تعبيرًا عن رفض العملية الانتخابية بشروطها الحالية، وقد شهدت منطقة القبائل غالبية تلك الأحداث التي تبعها إضراب شلّ الحياة في المدن والقرى.

اقرأ/ي أيضًا: سلطة الانتخابات تجرّ أربعة متّهمين بالتزوير إلى القضاء

من جهة أخرى، في اليوم الأخير من الحملة الانتخابية، يقف المرشّح عبد المجيد تبّون في آخر ظهورٍ له قبل إسدال الستار عن الحملة الانتخابية، ليشكر كلّ القائمين على حملته التي تأسف فيها على ضيق الوقت ما لم يمكّنه من زيارة جميع الولايات الجزائرية، معتبرًا أنّه لم يزر ولايات عزيزة على قلبه، ثم بدأ يخصّ بالذكر مدينتي بجاية وتيزي وزو.

واسترسل تبّون في مدح مدينتي تيزي وزو وبجاية بتحيّة يقول إنها "من القلب إلى القلب"، متأسفًا على عدم القدوم لتنشيط تجمعات في تلك المدينتين، قائلًا إنّه يشعر بنفس ما يشعر به سكّان منطقة القبائل، ويحترم آراءهم وأفكارهم، مؤكدًا أنّ السبب الرئيسي في عدم برمجته للمدينتين في برنامجه أنّه "لم يُرد أن يزيد ثقلًا على الثقل الموجود حاليًا هناك"، ولمّح المتحدّث إلى أجواء الرفض العارم للانتخابات في منطقة القبائل، مضيفًا أنّ هذا لا يقلّل أبدًا من وطنية سكان المنطقة ونضالاتهم من أجل الجزائر.

ولم يصنع تبّون الاستثناء بعدم زيارته لمنطقة القبائل أثناء حملته، بل سار على ذات النهج المرشّحون الخمسة الذين لم يبرمجوا أيّ تجمّع أو عملٍ جواري هناك، فقط علي بن فليس حاول تنشيط تجمّع شعبي في مدينة البويرة وكادت الأمور أن تخرج عن السيطرة في ذلك اليوم بعد الرفض الشعبي لقدومه.

لم يكن قرار عدم زيارة منطقة القبائل لتنشيط حملة الرئاسيات صُدفة اجتمع عليها المترشّحون، ولا قرارًا اعتباطيًا، وإنما كان نتيجة قناعات واستراتيجيات مدروسة جعلت المتسابقين لخلافة بوتفليقة يتفادون خوض معركة سيدخلونها منهزمين، فإسقاط منطقة القبائل من برامج المرشّحين، جاء يقينًا منهم أنهم غير مرحب بهم في منطقة عُرفت بتمرّدها على الانتخابات، وزادت حدّة الأمور منذ الحراك الشعبي والأوضاع الراهنة التي تعيشها البلاد.

قصّة قديمة

يُعرف عن منطقة القبائل، أنها إحدى معاقل التمرّد والثورة والوعي السياسي منذ الاستقلال، خاصّة حين يتعلّق الأمر بالانتخابات الرئاسية، حيث تكرّست عند أهل المنطقة على مدار سنوات، فكرة أنها محسومة النتائج مسبقًا، إذ غالبًا ما تكون نسب المشاركة في المنطقة هي الأضعف وطنيًا، كما شهدت المنطقة مقاطعة شاملة لتشريعيات 2002 ردًّا على أحداث الربيع الأسود التي شهدت فيها مدن منطقة القبائل أحداثًا أدّت بحياة 126 من أبنائها.

يشرّح الصحافي جعفر خلّوفي منطق الرفض الذي تتميّز به منطقة القبائل في منشور على حسابه في فيسبوك، قائلًا "لنتحدّث عن اليوم، وعن أسباب الاتجاه العام لرفض الانتخابات في منطقة القبائل بشكلٍ شبه تام، شخصيًا لا أرى أيّ غرابة في هذا الأمر، وعندما يقول مثقف بأن هذا راجع للتراكمات النضالية فهذا صحيحٌ وملموس وقد يطول شرحه"، ويعدّد خلوفي أسباب العزوف المرتقب للمنطقة في الاستحقاقات الرئاسية: "لن تنتخب منطقة القبائل لأنّ الحراك متواصلٌ وقويٌّ فيها، ومعروف أصلًا وقبل الحراك أن نسب التصويت هناك كانت ضعيفة، حتى لما يترشّح أبناء المنطقة".

يعرّج جعفر خلوفي في المنشور نفسه للحديث عن الحملة التي تُحاول تشويه المنطقة عشيّة كل استحقاق انتخابي: "يجب أن تكون أعمى لكي تُغفل أن تخوين المنطقة، هو أحد أسس خطاب فئة من دعاة الانتخابات، مع التوضيح أن هذه الفئة من (العنصريين) تُمنح لهم المنصّات والقنوات بشكلٍ عادي. زد على ذلك أن قضية الراية الأمازيغية أيضًا ستُساهم في مقاطعة المنطقة للانتخابات. الحراك كان صدمة للنظام وللأفكار الانفصالية على حدّ سواء، فلا يُمكن أن ينتفض شباب 48 ولاية في الوقت نفسه إن لم يكن هناك شيء ما يجمعهم. دعاة الكراهية وتخوين المنطقة لا يدرون أو ربّما يدرون، بأنّهم يقدّمون خدمات جليلة للحركة الانفصالية في المنطقة، وهي التي عاشت صدمة الحراك بشكلٍ لا يتصوّره من حوّلوه إلى شماعة، في وقت حوّلهم هو إلى حليف موضوعي".

عمار جيدل: عاشت منطقة القبائل أجواء الحرّية قبل سائر المناطق الجزائرية الأخرى

من جهته، يُرجع المفكّر عمّار جيدل هذا الانفراد في الراديكالية المعارضة لحلول النظام في منطقة القبائل "لكون منطقة القبائل عاشت أجواء الحرّية قبل سائر المناطق الجزائرية الأخرى، فبالتالي لا يجب أن نقارنها بمناطق أخرى في الراهن الجزائري الحالي، فالوعي السياسي في المنطقة حسب جيدل  كان نتاج تراكم نضال منذ سنوات"، ويضيف أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الجزائر، أنه  "يجب أن يعمّم هذا الذكاء الموجود في منطقة القبائل ليتحوّل إلى ذكاءٍ جمعي، لأنه لو تواصل الأمر بانفراد منطقة القبائل في النضالات، فسيصبحُ الأمر سلبيًا، فالنظام قد يستثمرُ في انعزال مظاهرة أو إضراب في منطقة القبائل فقط ليُعطي لذلك طابعًا جهويًا، ما يجعل المصطلحات النتنة تظهر وتطفو على السطح، فالسلطة حاليًا تستعمل منطقة القبائل كواقي صدمات لتحويل الأمور لصالحها".

 

اقرأ/ي أيضًا:

محمد شرفي: تزوير الانتخابات مستحيل.. والمعارضة لا تبدو مقتنعة

"سلطة تنظيم الانتخابات".. مكسب في سلّة الحراك الشعبي