08-يونيو-2019

ساحة موريس أودان في العاصمة (بلال بن سالم/ Getty)

الترا جزائر - فريق التحرير

لطالما لعبت الأحداث السياسية والاجتماعية، دورًا هامًا في تغذية القاموس اللغوي للشارع الجزائري؛ إذ إن بعضها يعود إلى فترات زمنية طويلة، بقيت شاهدة على منعرجات تاريخية بارزة في تاريخ البلاد، وشكّلت هذه المصطلحات بالتراكم قاموسًا لغويًا جديدًا مع مرور الوقت.

خلال أحداث الثورات العربية، ظهرت مصطلحات تداولها الشارع الجزائري بعدما تردّدت في تقارير إعلامية 

بالعودة للعقدين الأخيرين، وإحصاء عدد المفردات الدخيلة على اللهجة الجزائرية، سيتضح أن قاموس الشارع الجزائري يتغذّى باستمرار من مصطلحات الأحداث العربية وتطورّات الوضع في المنطقة، بدءًا من احتلال العراق إلى سقوط الأنظمة العربية. كانت معظم هذه المصطلحات تتدفّق عبر وسائل إعلامية إلى المشاهد الجزائري.

اقرأ/ي أيضًا: الدارجة الجزائرية.. الحراك الشعبي في 20 ثانية

قبل سنوات تداول الشارع الجزائري، كلمة "علوج"، نقلًا عن وزير الإعلام محمد سعيد الصّحاف في زمن الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، والذي كان محلّ اهتمام آنذاك، خاصة خلال الحرب الإعلامية التي قادها ضدّ الغزو الأميركي للعراق.

 وتزامنًا مع الأزمة الكروية بين الجزائر ومصر خلال تصفيات كأس العالم 2010، ظهرت أيضًا مصطلحات أخرى مثل "حرامي" و"بلطجية" في الأهازيج الرياضية الجزائرية التي أطلقها مناصرون جزائريون، متجاوزين بذلك حاجز اللغة والاختلاف الثقافي واللغوي بين البلدين.

خلال أحداث الثورات العربية، ظهرت مصطلحات تداولها الشارع الجزائري بعدما تردّدت في تقارير إعلامية، مثل كلمة: الفلول، والشبّيحة، والدواعش، البراميل المتفجّرة، وأزلام النظام وغيرها.

بعض هذه المصطلحات، بقي ارتباطها بالقاموس اللغوي في الشارع الجزائري مرهونًا بعودة أحداث مشابهة، غير أنّ هناك مصطلحات لازلت لصيقة بألسنة الجزائريين ولم يكن ارتباطهًا آنيًا أو لحظيًا، ولكنّها أصبحت تشكّل جزءًا من الإدراك الجمعي للأحداث، وجانبًا مهمًّا من اللغة المستعملة في قراءة الأحداث وتحليلها.

خلال الحراك الجزائري، تزوّد القاموس اللغوي بعدد من "الشتائم السياسية" والمفردات التي تزامن ظهورها منذ انطلاقه، وربّما زادت حدّة استخدام هذه المصطلحات في وسائل إعلامية، بعدما كانت تستخدم بشكل محدود جدًا.

في كثير من الأحيان تتجنّب وسائل إعلام عربية استخدام هذه المصطلحات، لارتباطها بالجانب المحلّي الضيّق واقتصارها على خصوصيات المجتمع الجزائري، ومن بين المصطلحات التي ظهرت أو رافقت الحراك نذكر الآتي:

  • الركمجة

استُعمل هذا المصطلح بقوّة في التعاليق على مواقع التواصل الاجتماعي في بداية الحراك الشعبي. وكلمة ركمجة في اللغة، مشتقّة من كلمتين وهي ركوب الموج، وتطلق على رياضة ركوب الأمواج المعروفة، غير أنها استعملت لوصف الذي التحقوا بالحراك الشعبي، بعدما كان موقفهم مؤيّدًا للرئيس السابق وانقلبوا إلى مؤيّد للحراك.

  • الرونجارس (الرونجاس)

يُطلق هذا الوصف على المؤيّدين لنائب وزير الدفاع قايد صالح، وكل من يتبنّى مواقفه أو يعلن ولاءه لقائد الأركان، والرونجاس أو الرونجارس هي كلمة أجنبية تعني الجزمة، وقد استعمل هذا الوصف في الثورات العربية في السابق للدلالة على حكم العسكر وتدّخل المؤسّسة العسكرية في أنظمة الحكم.

  • المنجل (التمنجيل)

هو وصفٌ أصبح يُطلق على نائب وزير الدفاع الجزائري قايد صالح، على مواقع  التواصل الاجتماعي، ويستعمله كثيرون ممّن يتبنون مواقفه، ويرجع تداول هذه الكلمة على نطاق واسع، منذ أعلن قايد صالح حربه ضدّ من وصفهم بالعصابة، وبعد حملة اعتقالات واسعة طالت رجال أعمال ومسؤولين في أجهزة المخابرات الجزائرية.

 بإسقاط كلمة منجل، هذه الأداة الفلاحية المستعملة في الحصاد على الأحداث الراهنة، فإن وجه الشبه بينهما يكمن في أن قايد الأركان قام بما يُشبه عملية "حصاد" واسعة ضدّ رموز الفساد في النظام السابق. أما كلمة "التمنجيل" فهو لفظ مشتقّ من الأداة نفسها ويُطلق على عمليات الاعتقال.

  • الزوّاف

أصبح لهذا المصطلح دلالات عنصرية وعرقية، بعدما كان توظيفه مقتصرًا على التخوين وإطلاقه على المؤيّدين لمشروع التغريب والفرنسة، بل وأصبح يُستخدم للتعميم على مناطق جزائرية بأكملها فيما بعد.

يعود أصل تسمية زوّاف إلى فرق مشاة عسكرية مسلّحة، مشكّلة من الأهالي، أنشأها الاستعمار الفرنسي في بداية غزوه للجزائر سنة 1930، وكان معظم عناصر هذه الفرق ينتمي إلى قبائل زواوة والصبايحية الأمازيغيتين، حسب مصادر تاريخية، واستعملت هذه الكتائب لقمع الثورات الجزائرية وإسقاط بقية المدن التي لم تستلم للإستعمار.

تداول هذا المصطلح على مواقع التواصل الاجتماعي، لتوصيف الخيانة والانشقاق عن الصف، قبل أن يخرج عن إطاره ويعمّم على كل ما هو أمازيغي أو ينتمي إلى هذه المنطقة، وأصبحت دلالاته عنصرية وجهوية بعيدًا عن معناه التاريخي.

تاريخيًا، تُجمع كثير من المصادر، أن عناصر كتائب الزوّاف لم يكونوا مشكّلين من الأمازيغ فقط، بل ضمت هذه الجيوش العرب أيضًا، ولكن بعد سنة 1841، انسحب من هذا الجيش كل الجزائريين وكثير منهم انضموا للثورات المقاومة للاستعمار الفرنسي، وأصبحت تشكيلة كتيبة الزوّاف مشكّلة من فرنسيين فقط بعد تلك السنة.

  • جماعة الكاشير

يُطلق وصف جماعة الكاشير أو أكلة الكاشير تحديدًا على المستفيدين من ريع السلطة، وقبل الذهاب إلى مصدر التسمية، نعود إلى هذا المصطلح الذي لا تجد له كثير من وسائل الإعلام العربية أيّ تفسير، فالكاشير هو من عائلة الباسطرمة كما يُطلق عليه في العراق وعدد من دول المشرق، أو السلامي (الصلامي) كما يُطلق عليه في تونس، وهو نوع من الأطعمة المحفوظة التي تُصنع من اللحوم وغيرها.

يعود إطلاق هذا الوصف، إلى الحملة الرئاسية التي قادها ممثّلوا الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة سنة 2014، حيث عقد هؤلاء تجمّعًا شعبيًا في القاعة البيضاوية في العاصمة، ولتغطية النقص في الجماهير نظرًا لشساعة القاعة، قاموا بجلب مئات شباب على متن حافلات من مختلف ولايات الوطن، وكانت وجبة هؤلاء الشباب يومها، إفطار رخيص؛ تمثّل في قطعة خبز وقطعة ممثالة من الكاشير.

في الحراك الشعبي الجزائري، قام شباب بتوظيف هذه المصطلح في كثير من تعاليقهم وشعاراتهم في الشارع، وانتقل هذا المصطلح إلى المنابر الإعلامية وصفحات الجرائد، وامتدّ هذا الوصف إلى الدلالة على الخيانة والانشقاق على الصفوف.

  • العصابة

بعدما تكرّر استخدام هذا المصطلح في بيانات قائد الأركان قايد صالح، حيث كان يصف به مجموعة في النظام من بينهم شقيق الرئيس السابق سعيد بوتفليقة، والرئيس السابق لجهاز المخابرات محمد مدين المدعو توفيق، توسّع استخدام هذا المصطلح ليشمل كل رموز نظام بوتفليقة بمن فيهم رجال الأعمال المتورّطين في قضايا فساد.

  • الماكيست

يعود تسمية هذه الكلمة إلى الحركة الانفصالية "ماك" أو MAC بالفرنسية، التي تأسّست في فرنسا على يد فرحات مهنّي، وتعني التسمية المختصرة بالأجنبية "حركة الأمازيغ الأحرار".

وتداولت هذه الكلمة على مواقع التواصل الاجتماعي بإطلاق مصطلح ماكيست على كل المتبنين للفكر الانفصال، أو لدلالات أخرى مثل التخوين والعمالة للأجانب والتفرقة العنصرية.

  • الشيّات

يزداد استخدام هذا المصطلح كلّما تعلق الأمر باقتراب الاستحقاقات الانتخابية أو للتعبير عن الأحداث السياسية، ويطلق وصف الشيّات على المطبلين للنظام والمادحين له، وكلمة شيّات مشتقة من كلمة شيتة؛ والتي تعني فرشاة تنظيف الأحذية في اللهجة الجزائرية، ويُعتبر هذا الوصف مهينًا وله دلالات الانحاء والخضوع والتكسّب.

  • ثورة الابتسامة

ثورة الابتسامة من المصطلحات التي أضافها الحراك الشعبي في الجزائر، إلى قاموس المصطلحات السياسية، ولكنّه من التسميات الإيجابية التي تبنّاها عدد من نزلوا إلى الحراك في شعاراتهم، ورغم الأوصاف الكثيرة التي أطلقت على الحراك الجزائري مثل تسمية الثورة البيضاء، إلا أن وصفها بـ ثورة الابتسامة بقي الأكثر استخدامًا على مواقع التواصل الاجتماعي.

  • غار حراك

في أحد معاقل الحراك الشعبي بالعاصمة، وفي ساحة موريس أودان يوجد نفق الجامعة المركزية الذي يربط بين البريد المركزي وساحة أودان، إذ أصبح لهذا النفق الذي يتوسط العاصمة رمزية خاصّة بالاعتصام وتجمّع وسائل إعلامية لنقل الأحداث، إذ يعتبر أيضًا نقطة التقاء للمتحجين القادمين من عدّة ممرّات منها شارع محمد الخامس وتيليملي وحسيبة بن بوعلي وشارع أوّل ماي.

ربّما تعود تسمية نفق الجامعة المركزية بـ"غار حراك"، إلى التجمّع الكبير الذي يشهد الفضاء، و"اعتكاف" المتظاهرين داخله، إذ يحدث أثناء المرور داخله ارتفاع أصوات المتظاهرين، وإطلاق العنان للطقوس الاحتفالية واستغلاله تردّد الأصوات داخله كونه مكانًا مغلقًا وله خصوصياته.

يُتوقع أنّ يؤدّي استمرار الحراك الشعبي في الشارع الجزائري وتسارع الأحداث، إلى ظهور مصطلحات سياسية جديدة

المتوقّع، أنّ استمرار الحراك الشعبي في الشارع الجزائري وتسارع الأحداث، سيُفضي إلى ظهور مصطلحات أخرى تتناسب ولغة الشعارات واستخدامها في التعبير عن المطالب، ولكن ما ليس مؤكّدًا، هو إن كان قاموس الشارع الجزائري سيحتفظ بها أم يبقى استعمالها لحظيًا للتعبير عن مرحلة زمنية معيّنة، ويختفي استعمالها مع مرور الوقت.

 

اقرأ/ي أيضًا:

4 شهداء للحراك الجزائري.. هل يقتلهم النّسيان ثانية؟

صرخة "ما راناش حابسين" تحول طالبة إلى أيقونة للحراك