15-مارس-2021

قاعدة الحياة بعين أمناس (تصوير: رياض كرامدي/أ.ف.ب)

يترقّب اقتصاديون في الجزائر إفراج الحكومة عن قانون الاستثمار الجديد، حيث يُفترض أن يضع حدًا للعراقيل البيروقراطية التي توضع أمام المستثمرين، جزائريين كانوا أو أجانب، خاصّة بعد أن وعد الرئيس تبون بتخليص القانون المنتظر من  كل ما هو أيديولوجي.

يأمل متابعون أن يكون تخليص الاستثمار من  كل ما هو أيديولوجي خطوة أولى لبعث الاقتصاد الجزائري

ورغم الخسائر الكبيرة التي لحقت بالمتعاملين الاقتصاديين المحلّيين، بسبب جائحة كورونا وانخفاض أسعار النفط في السنوات الأخيرة، إضافة إلى الوضع السياسي الذي تعيشه البلاد، يأمل متابعون أن يكون تخليص الاستثمار من  كل ما هو أيديولوجي خطوة أولى لبعث الاقتصاد الجزائري إن كانت السلطات جدية في تنفيذ ما وعدت به.

اقرأ/ي أيضًا: تغيير "الويكاند" والعملة.. أرباب العمل يقدّمون 62 مقترحًا لتبون

إصلاحات الرئيس

في هذا السياق، جدّد الرئيس عبد المجيد تبون في آخر مقابلة صحفية له مع وسائل الإعلام الوطنية تأكيده بأن "السياسة الجديدة للاستثمار تعتمد على إلغاء كل ما هو أيديولوجي والإبقاء فقط على الأمور الاقتصادية".

ورغم تأكيد تبون أن النسخة الأولى من مشروع قانون الاستثمار الجديد لم تعرض بعد على الحكومة ولا على مجلس الوزراء، إلا انه بدا متفائلًا بمضمونها الذي من شأنه تيسير التعاملات الاقتصادية.

وتم إعداد مشروع قانون الاستثمار الجديد من قبل إدارة وزير الصناعة المُقال فرحات آيت على براهم، الذي أكّد في عدة تصريحات الانتهاء من صياغته، ووعد بعرضه في أوّل اجتماع لمجلس الوزراء بعد عودة الرئيس تبون من فترة العلاج بألمانيا، غير أن ذلك لم يحدث، ووجد الوزير المثير للجدل نفسه خارج الطاقم الحكومي.

وفي انتظار كشف التفاصيل النهائية لمشروع قانون الاستثمار، أوضح تبون أن هذا الأخير سيعتمد على تبسيط الاستثمار، وإلغاء قاعدة 49-51 بالمائة المتعلقة بالاستثمار الأجنبي على القطاعات غير الإستراتيجية، لكنها ستبقى مطبقة على قطاعات مثل النفط.

ويقرّ الرئيس تبون، أن تحقيق الأهداف المرجوة من قانون الاستثمار لن تكون إلا بإرفاقه بإصلاحات في القطاع البنكي، لذلك انتقد غياب العقلية التجارية لدى البنوك العمومية التي تخضع اليوم لعملية تدقيق حساباتها.

وقال تبون "بنوكنا مجرّد شبابيك عمومية لا تملك عقلية تجارية، و البنك الذي لا يأخذ المخاطر ليس بنكًا"، معترفًا في الوقت ذاته، أن تغيير طرق تسيير البنوك "قد يتطلب جيلًا كاملًا، ويستحيل أن يتم بين عشية و ضحاها".

وفي الأيام الأخيرة أعطى وزير المالية أيمن بن عبد الرحمان تعليمات للبنوك العمومية بدراسة ملفات القروض في فترة لا تزيد عن شهر واحد، كما توصل  السلطات بالموازاة مع ذلك فتح وكالات للصيرفة الإسلامية، في خطوة منها لاستقطاب أموال جديدة.

62 اقتراحًا في الاقتصاد

رغم تأكيد الرئيس تبون أن قانون الاستثمار الجديد سيعطي الأولوية للمتعاملين الاقتصاديين المحلّيين، إلا أن الكونفدرالية الجزائرية لأرباب العمل المواطنين ترى أن تحقيق الإقلاع الاقتصادي يمرّ عبر 62 مقترحا قُدّمت للسلطات.

وتحاول الكونفدرالية التي تأسست على بقايا منتدى رؤساء المؤسّسات الذي كان يرأسه علي حداد القابع في السجن اليوم رفقة عدد من رجال الأعمال، أن تعطي صورة مغايرة للمتعامل الاقتصادي الخاص، ومحو وصمة الفساد والتهرب الضريبي التي رسمت عن رجال الأعمال خلال حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.

وعرض رئيس الكونفدرالية سامي عقلي في ندوة صحافية نظمت منذ أيام، 62 اقتراحًا لإنجاح خطة الإنعاش الاقتصادي أرسل إلى رئيس الجمهورية، ترتكز على أربعة محاور؛ هي إنعاش ودعم الاستثمار، وتقليص نطاق السوق الموازية، وتبسيط محيط المؤسسة، وتحسين مناخ الأعمال والتنظيم الاقتصادي والنظام المؤسساتي.

وتطالب الكونفدرالية بتكريس الحرّية الكاملة للاستثمار دون الخضوع إلى أي ترخيص أو اعتماد، واستحداث بنك للاستثمار متخصّص في تطوير المؤسسات والصناعات الصغيرة و المتوسطة الخاصة وتجسيد التخلي عن القاعدة 49/51 في مجال الاستثمار الأجنبي، ووضع برنامج على المدى المتوسط يهدف إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في المواد الغذائية بصفة كاملة أو جزئية بالنسبة للحبوب وبذور الزيوت والحبوب الجافة والحليب والزيوت.

وتضمّنت لائحة الاقتراح التي قدمها رجال الأعمال تطوير مناطق تنمية ذات الأولوية على مستوى الهضاب العليا والجنوب، وتعزيز الهياكل القاعدية اللوجستية والإبقاء على نظام الامتيازات بالنسبة للعقار الصناعي بأسعار جذابة، ومن ثمة السماح بالملكية التامة.

ودعت الكونفدرالية إلى بإعادة جدولة ديون المؤسّسات و إرجاع قرض الاستهلاك و تطوير الطاقات المتجددة وإعداد سياسة سكن مختلفة، مع تحقيق 20 مليار دولار في مجال التصدير في آجال تتراوح ما بين ثلاث إلى خمس سنوات، و40 مليار دولار في ظرف 10 سنوات، إضافة إلى تقليص نطاق السوق الموازية، وإحداث إصلاح عميق لمنظومة السجل التجاري، و تجريم البيروقراطية والقيام بإصلاح جبائي واجتماعي عميق، وإلغاء تدريجي ومرحلي للضريبة على النشاط المهني في أجل 12 شهرًا.

وتقترح الكونفدرالية تسهيل الحصول على القروض طويلة الأمد بالنسبة للمؤسّسات، مع نسب فائدة ميسّرة للمشاريع الاستثمارية المهيكلة أو الإستراتيجية، وتغيير القيمة الإسمية للعملة وتحديث نظام الصرف وتنشيط بورصة الجزائر، وتكليف المستثمرين الخواص بإنشاء و تسيير المناطق الصناعية، ورفع التجريم عن فعل التصدير، فيما يعلق بإعادة العملة الصعبة والسماح للمؤسّسات الجزائرية بالاستثمار في الخارج.

تحديات جديدة 

قد يبعث الخطاب الصادر عن السلطة على التفاؤل بمستقبل الاقتصاد الجزائري، غير أن العودة إلى الواقع تذكر بأن تحقيق ذلك يتطلب مزيدا من الجدية من الحكومة في تغيير الذهنية الاقتصادية المتجذرة عند المتعاملين العموميين أو الخواص، فبالنسبة لأغلبهم تظل خزينة الدولة هي المصدر الأول لتمويل استثماراتهم وتعويض خسائرهم دون تحمل جدّي للمهام المنوطة بهم.

ورغم الجهود التي بدأت تبذلها السلطات في الأشهر الأخيرة فيما يخص رقمنة القطاعات الحكومية، يبقى القطاع الاقتصادي محروما من تحقيق لتطور الحقيقي في حال لم تستطع السلطة على جعل قوانين التجارة والدفع الالكترونيين ممارسة حقيقية، بالنظر إلى أنها السبيل الوحيد للقضاء على التهرب الضريبي والسوق الموازية ونقص السيولة، إضافة إلى ربح الوقت وخلق وظائف جديدة تتناسب مع العصر الذي نعيشه، وهو المعايير التي يُعتمد على بعضها في قياس مستوى المنافسة الاقتصادية الذي تصدرها الهيئات الدولية المتخصّصة.

كما يجب على الحكومة العمل بحق للترويج بأن الجزائر بلد يرحب بالمبادرة الاقتصادية الخاصة سواء المحلية أو الأجنبية، بالنظر إلى أن المحاكمات التي تجري ضد رجال الأعمال الفاسدين رغم أهمّيتها وحتميتها إلا أنها قد تنفر المستثمر الخاص ولا تبعث فيه روح المجازفة بالاستثمار في الجزائر.

تحسين مناخ الاستثمار في الجزائر يحتاج إلى تخليصه من الممارسات الشمولية التي اختفت من عديد الدول

الأكيد أن تحسين مناخ الاستثمار في الجزائر يحتاج إلى تنظيفه من الممارسات الشمولية التي اختفت من عديد الدول، إلا أن تحسين الصورة السياسية للبلاد وبناء دولة القانون وتكريس الممارسة الديمقراطية، هي أولى الإجراءات الحقيقية التي من شأنها ان تجعل من الجزائر بلدا جاذبًا للاستثمار، بما أن كل المقومات الطبيعية والجغرافية والبشرية متوفّرة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مديرية الجمارك: غذاء الجزائريين كلّف قرابة 2 مليار دولار في ثلاثة أشهر

عجز في الميزان التجاري وإيطاليا تزيح فرنسا وتصبح الزبون الأوّل للجزائر