10-يونيو-2022

(الصورة: أ.ف.ب)

تمر ستة أشهر عن سنة 2022، والتي سبق وأن وصفها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، بالسنة الاقتصادية "المحضة" بامتياز، ومثلما هو معروف: "ملح" هذا الامتياز عبارة عن إطار قانوني جديد للاستثمار، يضمن ويحقق اقلاعا اقتصاديا حقيقيا، بعد أكثر من عشر سنوات من المتاهات التي أدخلت الجزائر في دوامات مالية صعبة.

يؤكد الخبير في شؤون العقار والهندسة المالية، عبد الرحمان بن يمينة في حديث لـ"الترا جزائر"، أن قانون الاستثمار لا يمكنه لوحده تحقيق تنمية اقتصادية

لا يختلف اثنان على أن الجزائر بشساعة مساحتها، وغناها بثرواتها الباطنية والبشرية، وبموقعها الاستراتيجي، تعد أحد أهم الجنان الاستثمارية في العالم، وما ينقصها هو مناخ أعمال جذاب، للأسف سادته "الضبابية" لسنوات عدة، وجاءت الفرصة مع العهد الجديد بصفحة جديدة بيضاء، لخلق إطار قانوني مختلف يساهم في تنويع الاقتصاد الوطني.

منذ انتخاب رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، وبعد سلسلة الإصلاحات السياسية التي رافقت مساره، وخلال ثلاث سنوات الأخيرة، في سبيل خلق جو اقتصادي يتماشى وتطلعات الجزائريين، عن طريق وزارة الصناعة كهيئة وصية على "حياكة" مشروع قانون الاستثمار، حاولت الحكومات المتعاقبة إيجاد "ترياق" للضبابية التي كانت تسود مناخ الأعمال في الجزائر، وهي المهمة التي استهلكت ثلاث وزراء للصناعة، بداية بفرحات آيت علي، وبعده محمد باشا، وحاليًا أحمد زغدار، كما استهلكت أيضا قرابة ثلاث سنوات كانت كافية لانقشاع "الضباب".

مصادقة الرئيس في انتظار تصويت البرلمان

بعد تأجيل وتعديل أصر عليه رئيس الجمهورية في جلسات متتالية لمجلس الوزراء، طالب من خلالها قراءات نهائية لمسودة مشروع قانون الاستثمار الجديد، حرص القائمون على إنجاز هذا الأخير، على أن يكون مكتمل الجوانب من خلال تدقيق شامل يتميز بالشمول والعمق والديمومة حتى أكثر من عشر سنوات كاملة.

وينتظر أن يعرض المشروع على البرلمان بغرفتيه لتعديله والتصويت عليه، ورغم حديث بعض البرلمانيين لـ"الترا جزائر" عن مناقشته على مستوى غرفة المجلس الشعبي الوطني قبل نهاية السنة الجارية، إلا أنه لا يوجد أي برنامج يخص ذلك ضمن الجدول الزمني لأعمال المجلس لحد كتابة هذه الأسطر.

رفع القيود عن الاستثمارات المعطلة

في خطوة استباقية، ومن أجل التمهيد لمناخ مناسب لتنفيذ قانون الاستثمار بعد المصادقة عليه، عمدت السلطات العليا للبلاد على عمليات إحصائية للمشاريع الاستثمارية المجمدة والمعطلة، ورفع القيود عنها.

وهو الإجراء الذي اتخذه الرئيس عبد المجيد تبون، من خلال تكليف وسيط الجمهورية بالتنسيق مع وزارة الصناعة، لرفع كل العراقيل التي يتخبط فيها المستثمر وتحرير مشاريعهم العالقة.

وفي هذا السياق، تشير مصادر من وزارة الصناعة، إلى أن عدد ملفات طلبات الاستفادة من مزايا قانون الاستثمار المتواجدة على مستوى الوكالة الوطنية لتطوير الاستثمار 1500 ملفًا، كما أنه تم رفع التجميد عن قرابة 900 مشروع استثماري عمومي وخاص، كانت جاهزة وظلت عالقة لأسباب مختلفة.

وكالة الاستثمار من الدعم إلى الترقية

ومن أجل خلق ديناميكية داخل الوكالة الوطنية لدعم الاستثمار، تم تحويلها ضمن مشروع القانون الجديد إلى الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار، وذلك بمنحها دور الترويج والمرافقة، مع وضعها تحت سلطة الوزير الأول مباشرة بعد أن كانت تحت وصاية وزارة الصناعة، مع استحداث شباك موحد مختص بالمشاريع الكبرى والاستثمارات الأجنبية، وهو الاجراء الذي يراه مسؤولون ومختصون ومستشارون في مجال الاستثمار، بأنه سيفتح المجال أمام استثمارات ذات جدوى اقتصادية وسيجلب شركات عالمية كبرى.

واعتبر هواري تيغرسي، الخبير الاقتصادي والعضو السابق في اللجنة المالية والاقتصادية بالبرلمان، في تصريح لـ"الترا جزائر"، إنشاء شبابيك لا مركزية لصالح المستثمرين المحليين، بمثابة تحفيز لهذه الفئة ويوفر لهم الوقت والجهد والمال.

ويرى البرلماني والعضو السابق في اللجنة المالية والاقتصادية، أن وضع وكالة ترقية الاستثمار تحت سلطة الوزير الأول، قرار في محله سيساهم في تكييف آليات معالجة الملفات، ما سيقلل -حسبه- آجال دراستها.

ويبقى المجلس الوطني للاستثمار الركيزة الأساسية في التنسيق واقتراح السياسة الوطنية في مجال الاستثمار وتقييم تنفيذها.

العقار والمنظومة البنكية "مركز ثقل"

من جهته، يؤكد الخبير في شؤون العقار والهندسة المالية، عبد الرحمان بن يمينة في حديث لـ"الترا جزائر"، أن قانون الاستثمار لا يمكنه لوحده تحقيق تنمية اقتصادية، وتوفير مناخ مناسب للأعمال، حيث نوه على ضرورة مرافقة المشروع الجديد بإطار قانوني يخص العقار، مع التسريع في انشاء وكالة وطنية للعقار الفلاحي وأخرى للعقار السياحي من أجل تنظيم المجال وتجنب الفوضى السائدة سابقًا.

وفي هذا الإطار، كلف رئيس الجمهورية الحكومة باستكمال النصوص المتعلقة بمختلف الوكالات المكلفة بالعقار، مع إنهاء عملية حصر الأوعية العقارية المتاحة أو غير المستغلة، لضمان وضعها تحت تصرف المستثمرين بشكل شفاف وعقلاني.

أما بخصوص المنظومة البنكية، فيشير الخبير بن يمينة في تكمله حديثه لـ"الترا جزائر"، إلى أن هشاشة المنظومة البنكية في الجزائر تثقل كاهل المستثمرين وحتى القائمين على صياغة مشروع قانون الاستثمار، ولذا دعا البنوك والمؤسسات المصرفية إلى تحقيق "توليفة" تتماشى مع الرؤية الجديدة التي يحملها قانون الاستثمار، حتى تكون ملاذًا حقيقيا للمستثمرين ورؤوس أموالهم، وبذلك استقطاب الأموال المستثمرة في السوق الموازية والمقدرة بحوالي 55 مليار دولار.

منظمات أرباب العمل بين التطلعات والانتقادات

وبخصوص أهم ما تضمنه مشروع قانون الاستثمار الجديد قبل مناقشته على مستوى البرلمان، تفاعلت منظمات أرباب العمل معه بشكل إيجابي، خاصة أنه -حسبهم- يعمل على تحسين مناخ الاستثمار ومكافحة البيروقراطية وجميع العراقيل الإدارية التي كانت تقف عائقا أمام المستثمرين في وقت سابق.

وقد جددت الكنفدرالية العامة للمؤسسات الجزائرية، على لسان رئيستها سعيدة نغزة في تصريحها لـ"الترا جزائر"، عن ارتياحها، مشددة على ضرورة مرافقة المستثمرين أكثر بخصوص ملفاتهم المتعلقة بالعقار والتسهيلات البنكية فيما تعلق بمنح القروض.

ومن جانبه، كمال مولة، رئيس مجلس التجديد الاقتصادي الجزائري، وفي حديث لـ"الترا جزائر"، اعتبر مشروع الإطار القانوني الجديد للاستثمار، بمثابة نقطة تحول في مسار التنمية الاقتصادية في البلاد، مشيرًا إلى ضرورة تعزيز الثقة بين الإدارة والمستثمر.

أما سامي عاقلي، رئيس الكنفدرالية الجزائرية لأرباب العمل المواطنين، فقد أكد في تصريحه لـ"الترا جزائر" على أن المشروع الجديد يضمن حماية كبيرة للمستثمر الذي عانى ويلات البيروقراطية لسنوات، مشددا في نفس الوقت على ضرورة مرافقة القانون بعد التصويت عليه بآليات تقنية تمكن المستثمر من توفير أكثر للجهد والمال والوقت.

قضاة لحماية المستثمرين

وكإجراء يواكب إصرار السلطات العليا للبلاد على تجسيد ما جاء في مشروع قانون الاستثمار بعد المصادقة عليه، شدد رئيس الجمهورية على ضرورة تسليط أقصى العقوبات على كل من يعرقل بشكل أو بآخر عمليات الاستثمار مهما كان مركزه وطبيعة مسؤوليته.

كما أمر بتعزيز النظام القانوني لحماية المستثمرين من التعسف البيروقراطي، عبر استحداث آلية مستقلة رفيعة المستوى، تضمّ قضاة وخبراء اقتصاديين وماليين، توضع لدى رئاسة الجمهورية، وتتولى الفصل في الشكاوى والطعون المقدمة من قبل المستثمرين.

من مستثمر "أجنبي" إلى "غير مقيم"

لعل أهم ما حمله مشروع قانون الاستثمار الجديد في طياته، وفي شق الاستثمار الأجنبي، هو تجاوز عبارة "مستثمر أجنبي" وعوضها بـ"غير المقيم"، وهو حسب مختصين يبين الإرادة السياسية لتصحيح المفاهيم في إطار ترويج أحسن لمناخ الأعمال في الجزائر، وذلك -حسبهم- يمثل دلالة رمزية كبيرة.

ولطالما شكلت عملية تحويل أرباح الشركات الأجنبية الى الخارج، نقطة سوداء في مناخ الأعمال بالجزائر، وفي مشروع قانون الاستثمار الجديد يوسع نطاق ضمان تحويل المبالغ والمستثمرة والعائدات الناجمة عنها إلى إلى المستثمرين غير المقيمين.

مناخ الأعمال في الجزائر.. أرقام وتعاليق

تشير تقارير دولية إلى أن مناخ الأعمال في الجزائر يحتل مراتب متأخّرة في ترتيبها السنوي، وحسب تقرير ممارسة أنشطة الأعمال لسنة 2020، والذي تعده الدائرة المختصة في هذا المجال بالبنك الدولي، جاءت الجزائر في المرتبة 157 من بين 190 بلدًا، وهو الحال الذي أرجعه الخبير الاقتصادي، فريد بن يحيى، إلى الإجراءات الإدارية المعقدة والثقيلة والتي شكلت مناخا ينفر المستثمرين خاصة منهم المستثمر غير المقيم (الأجنبي).

قاعدة الشراكة الأجنبية 51 و49 بالمائة المثيرة للجدل، والتي كانت مطبقة منذ قانون الاستثمار منذ 2009، والتي ألغاها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، عقب انتخابه في ديسمبر/ كانون الأول 2019، وجعلها محصورة في بعض القطاعات الاستراتيجية على غرار الطاقة والاتصالات، يرى الخبير الاقتصادي فريد بن يحيى، أن هذه القاعدة نفرت المستثمرين غير المقيمين (الأجانب) وقلصت حجم استثمار هذه الفئة بالبلاد إلى مستويات متدنية.

شدّد رئيس الجمهورية في آخر لقاء وزاري بمناسبة مصادقته على مشروع قانون الاستثمار على التركيز على دعم الاستثمارات التي تساهم في تقليص فاتورة الاستيراد، وتعتمد على المواد الأولية المحلية

قانون الاستثمار لكبح "جماح" الاستيراد

شدّد رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون في آخر لقاء وزاري بمناسبة مصادقته على مشروع قانون الاستثمار، على التركيز على السرعة والنجاعة والديمومة، ودعم الاستثمارات، التي تساهم في تقليص فاتورة الاستيراد، وتعتمد على المواد الأولية المحلية، ويأتي هذا في ظلّ محاولة الدولة من خلال مخططاتها لحماية المنتوج الوطني من جهة وتقليص فاتورة الواردات عبر مجموعة من الإجراءات التي تضمن ذلك وتساهم في نفس الوقت في تحسين القدرة الشرائية وتجنب غلاء الأسعار.