تطالب أحزاب سياسية بمنح صلاحيات أوسع لرؤساء البلديات أو "المير" عبر قانون البلدية الجديد، مؤكدة أنه دون ذلك، لن يتحقق الإقلاع الاقتصادي المنشود، الذي نادي به رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون خلال سنة 2022، حتى ولو تم تمرير قانون الاستثمار بالسرعة القصوى.
يرى ملاحظون أن المير يجب أن يتمتع بصلاحيات أوسع ويخرج من دائرة وصاية الوالي
وحسب هذه الأحزاب، فمفاتيح السنة الاقتصادية ليست في أدراج مدير الصناعة أو ولاة الجمهورية، ولا حتى المستثمرين، وإنما بيد رئيس البلدية، الذي يجب أن يتحول من مهام لملمة القمامات وإصلاح الإنارة، إلى وظيفة تحضير محفظة استثمارات ودفتر أعمال، يتناسب وخصوصية البلدية التي يسيرها.
وفي حين يرى ملاحظون أن المير يجب أن يتمتع بصلاحيات أوسع ويخرج من دائرة وصاية الوالي، يؤكّدون في نفس الوقت حاجته إلى الحماية القانونية، ليتمكن من ممارسة صلاحياته الجديدة بأريحية وحتى لا يتم وأد روح المبادرة داخله.
ويذهب سياسيون أبعد من ذلك منادين بمنح رئيس البلدية حصانة قانونية، تحميه أثناء أداء مهامه الجديدة، على غرار تلك التي يتمتع بها نواب المجلس الشعبي الوطني وأعضاء مجلس الأمة، وتقيه من الممارسات الكيدية والرسائل المجهولة، خاصة وأنه سيسير مستقبلا ملف العقار الصناعي والفلاحي والسياحي ومشاريع التنمية بأرصدة مالية معتبرة ومناطق النشاط وملفات استثمارية هامة.
هذا مضمون قانون البلدية الجديد
ويكشف مشروع قانون البلدية الجديد الذي تحوز "الترا جزائر" على نسخة منه عن عدة محاور لتسيير البلدية، منها استحداث هيئة مجلس المدينة لأول مرة، وهي هيئة تضم رئيس المجلس وممثلين عن مجموعة بلديات تصل إلى أربعة على أكثر تقدير، ويستقل هذا المجلس بميزانية خاصة، كما يتمتع رئيسه بصلاحيات واضحة، منها إبرام صفقات اقتصادية والإشراف على ملفات التنمية الاجتماعية والنقل والسياحة.
وحسب مشروع القانون، تضم المدينة الجديدة هيئة مداولة مكونة من مندوبي المجالس الشعبية البلدية المشكلة للمدينة، والمنتخبين من طرف نظرائهم، باستثناء رؤساء المجالس الشعبية البلدية، الذين يعتبرون أعضاء بقوة القانون في هذه الهيئة.
أما بالنسبة لصلاحيات رئيس البلدية في مشروع هذا القانون، فلا تختلف كثيرًا عن الصلاحيات المنصوص عليها في القانون السابق، رغم تأكيد السلطات منح "المير" صلاحيات أوسع، وهي مطالب الطبقة السياسية التي تنتظر نزول القانون الجديد إلى البرلمان للمناقشة والإثراء بعد عرضه على الحكومة.
ومن ضمن صلاحيات رئيس المجلس الشعبي البلدي في القانون الجديد، "يسهر بصفته ممثلا للدولة على مستوى البلدية على احترام وتطبيق التشريع والتنظيم المعمول به".
كما يتمتع هذا الأخير، بصفة ضابط الحالة المدنية ويبرم جميع العقود المتعلقة بالحالة المدنية طبقا للتشريع الساري المفعول تحت رقابة النائب العام المختص إقليميا.
ويمكن لرئيس المجلس الشعبي البلدي وتحت مسؤوليته تفويض إمضائه للمندوبين البلديين والمندوبين الخاصين وإلى كل موظف بلدي فيما يخص استقبال التصريحات.
مطالب بتوسيع صلاحيات "المير"
ويرى الوالي السابق لولاية وهران بشير فريك في تصريح لـ"الترا جزائر" أن صلاحيات "المير" تظل غير واضحة في القانون الجديد، على اعتبار أن رئيس المجلس الشعبي البلدي، لا يزال مقيدا من طرف الإدارة.
ودعا فريك للخروج من فلسفة الوصاية على رئيس البلدية، قائلا: "يجب أن يتحرر المنتخبون من وصاية الإدارة وهنا لا أقصد الوالي فقط، بل أيضا رئيس الدائرة والمقاطعة الإدارية والمصالح التقنية المختلفة والمديرين، هؤلاء فرضوا ضغوطًا صورية على المجالس البلدية لذلك من الضروري رفعها".
وحسب الوالي السابق، ففكرة هذه الوصاية جاءت من باب أن ميزانية هذه المجالس تقدم من طرف الدولة، أي عبر الإعانات المالية، وبالتالي فلمنع تدخل هذه الجهات في عمل "المير" يجب حسبه، تحقيق استقلالية الموارد المالية للبلدية، وهو ما يفرض جملة من الإجراءات منها مراجعة قانون الأملاك الوطنية، بتخصيص بعض العقارات للبلديات من اجل الاستثمار، وتمكين أيضا المجالس قانونا من فرض رسوم محلية واستغلال مناطق النشاطات لبعث الاستثمار، كي لا تبقى البلدية أسيرة إعانات الدولة.
ويضيف المتحدث: "الوصاية جاءت من منطلق أن الدولة من تمنح الأموال، إلا أن مسؤول البلدية اليوم من حقه التمتع بصلاحيات كاملة في التسيير إذا كان هو من يتدبر المداخيل، دون فرض وصاية الوالي".
ودعا المتحدث إلى منح "المير" صلاحيات جديدة بالتدريج، كي تتحرر الدولة من عبئه المالي من جهة، وحتى يستطيع هو تحقيق التنمية والإقلاع الاقتصادي ببلديته من جهة أخرى.
وفي السياق يؤكد القيادي في التجمع الوطني الديمقراطي العربي صافي في حديث لـ"الترا جزائر" أن "الأرندي" لطالما رافع من أجل توسيع صلاحيات "المير" في قانون البلدية الجديد الذي لا يزال قيد المناقشة والتمحيص من قبل اللجنة الوزارية المشتركة قبل عرضه على الحكومة والبرلمان.
ويقول صافي "من المقترحات التي نسعى لرفعها، منح السلطة المطلقة لرئيس البلدية في اتخاذ القرارات وتحريره من قيود الإدارة وذلك تمهيدًا لتحقيق انطلاقة فعلية للتنمية المحلية، لاسيما وأن البلدية تمثل أحد أصول النظام اللامركزي في اتخاذ القرارات وتجسيد المشاريع، غير أن الاستقلالية المقيدة لرئيس البلدية وخضوعه للإدارة عرقلت ذلك".
فأصبحت مهام "المير"، - حسبه- ، مقتصرة اليوم فقط على جمع القمامة وتتبع الإنارة العمومية مصرحا: "أهم النقاط التي سيرفعها حزب الأرندي في القانون الجديد أن تكون سلطة القرار محلية بعيدة عن الفكر الإداري البيروقراطي".
هل سيحظى رؤساء البلدية بالحصانة؟
وبالموازاة مع توسيع صلاحيات رؤساء البلديات يدعو سياسيون إلى تمكينهم من الظفر بالحصانة لحمايتهم من المتابعات القضائية المتكررة، التي قد تعيق فعل المبادرة لدى "المير".
ويشدد العربي صافي على ضرورة حماية رؤساء البلديات من المتابعات القضائية وذلك بتفعيل مادة في قانون البلدية والولاية تحمي المنتخب المحلي من تصفية الحسابات.
ويصرح المتحدث:" المنتخب المحلي يجب أن يكون محمي بقوة القانون، ويتمتع بالحصانة، فالمتابعات القضائية ضد المنتخبين يجب أن تكون مضبوطة مع إعادة اعتبار لكل منتخب ثبتت براءته".
وفي السياق يجزم رئيس حزب صوت الشعب لمين عصماني في تصريح لـ"الترا جزائر" على ضرورة الذهاب نحو لامركزية القرار وتحرير المنتخب المحلي من القيود القانونية والإدارية المفروضة عليه.
ويردف عصماني: "من بين المقترحات التي سيقدمها حزبنا في هذا القانون، تفعيل روح المبادرة لدى المنتخب وتمكينه من اتخاذ القرارات بخصوص المشاريع التنموية وتسيير العقار الصناعي والفلاحي وإنشاء مؤسسات تفتح مناصب شغل وتتيح الشراكة بين البلديات والاعتماد على الثروات المحلية للتخلص من إعانات الدولة".
لطالما كانت صلاحيات رؤساء البلديات مثارًا للجدل بسبب العراقيل التي يواجهها متقلد هذا المنصب
وفي الأخير، يبقى الجانب الاقتصادي أهم محور يجب أن يتمتع فيه "المير" بصلاحيات أوسع، فهذا الجانب الذي طالما كان تحت أعين الإدارة، شهد عراقيل بالجملة طيلة عقود من الزمن، كانت وراء تجميد ملفات كبرى، يجب أن تشهد اليوم "نفض الغبار" وتحقيق إقلاع حقيقي.