19-ديسمبر-2023
تبون

(الصورة: Getty) الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون

يُنهي الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ما يمكن وصفه بالقطيعة الكاملة مع رؤساء الجزائر منذ استقلال البلاد، منذ أزيد من ستة عقود من الزمن مع نواب البرلمان، إذ سيلقي خطابًا أمام نواب الغرفتين نهاية الشهر الحالي، ويتزامن ذلك مع نهاية عامه الرابع من الحكم وبداية آخر سنة من عهدة رئاسية أولى منذ توليه السلطة في 2019.

هناك أكثر من سبب يمكن أن يفسّر رغبة الرئيس تبون في توجيه خطاب أمام نواب البرلمان

منذ انتخابه، تعوّد الرئيس تبون على توجيه خطاباته عبر التلفزيون الجزائري في عديد المناسبات، إما عبر رسائل مناسباتية أو عبر "تقليد دوري" يتعلق بلقاءاته مع وسائل الإعلام المحلية، في خطوة تُظهره منفتحًا على الشّأن العام المحلي والدولي.

هناك أكثر من سبب يمكن أن يفسّر رغبة الرئيس تبون في توجيه خطاب أمام نواب البرلمان (الغرفة السفلى والعليا)، بقصر الأمم في الـ 25 كانون الأول/ديسمبر الجاري، إذ أبدى سياسيون ونواب ومكونات المجتمع المدني ارتياحهم من خطوة الرئيس وتوجهه للقاء رسمي مع توجيه خطاب مع أعضاء البرلمان بغرفتيه، خاصة وأن الدستور ينص في مادته الـ 150 بـ"صلاحية توجيه الرئيس خطاب لنواب البرلمان".

ظاهريًا، تعدّ مناسبة الذكرى الرابعة لتسلمه الرئاسة بعد انتخابات في الـ 12 نت شهر كانون الأول/ ديسمبر 2019، نت أهم الأسباب، إذ سيحاول الرئيس أن يعطي خلال هذا اللقاء فكرة عن إنجازاته الرئاسية خلال أربع سنوات الأولى من ولايته الرئاسية، على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والإعلامي والإصلاحات التي قام بها في كل المجالات، والطموحات التي يسعى إلى الوصول إليها في المرحلة المقبلة.

لكن ملاحظين يشرون إلى أن البرلمان خلال العشريتين الأخيرتين، كان دومًا محل انتقادات" حتى صار يوسم بـ" برلمان الشكارة" في إشارة إلى استغلال "المال الفاسد" للوصول إليه، وهو ما دفع الرئيس تبون في فبراير/ شباط 2021 إلى حله وتوجيه الدعوة لإجراء انتخابات تشريعية مسبقة، راميًا بذلك إلى "ضخ دم جديد في أجهزة الدولة ومنها البرلمان الذي سيكون لسان وعين الشعب بصفة عامة".

ينبغي الإشارة هنا، إلى أن لقاء الرئيس بالنواب سيكون خطوة نحو "رقابة المؤسسات الدستورية للبلاد"، خصوصًا وأن الجزائر أمام منحى تصاعدي في مواصلة تنفيذ مشاريع البناء والتشييد، والطموح نحو تعزيز الاقتصاد الوطني والقضاء على الفساد وتعزيز صلاحيات المنتخبين وضمان مصداقيتهم أمام الشعب.

في مقابل ذلك، يرى متابعون أن لقاء الرئيس مع منتخبي الشعب، مجرد خطوة تسبق تحركات ما قبل الاستحقاقات الرئاسية القادمة، وحركة لتبرئة الذمة بعدما شارفت عهدته الرئاسية على الانتهاء.

لقاء تبون مع النواب، ينتظر منه تقديم توجيهات لممثلي الشعب وللحكومة أيضًا، خاصّة وأن هناك عدة تصريحات تفيد بإقبال الرئيس نحو تعديل وزاري جديد، بعد إنهاء مهام الوزير الأول السابق أيمن بن عبد الرحمان، وهو ما يعني أن اللقاء سيكون عملية تحصين لمؤسسات الدولة والحثّ على تنفيذ قرارات الرئيس التي تتمخض عن اجتماعات مجلس الوزراء وفرض الالتزام بها.

وفي سؤال حول أداء البرلمان الحالي يقول المحلل السياسي الأستاذ عبد الله مسعودي، إنه من ناحية الشكل فإن البرلمان الحالي هو من بين ركائز التغيير الشامل التي عكف على تحقيقها الرئيس تبون منذ توليه الحكم، إذ باشر مخططه الرئاسي ضمن بنود ترشحه الـ 54، بإعطاء" انطلاقة لجزائر جديدة"،

وأضاف مسعودي في تصريح لـ"الترا جزائر" أنه من بين المهام المنوطة به هي تعزيز الصلاحيات الرقابية للبرلمان بما يسمح بـ"تكريس الديمقراطية وحماية حقوق وحريات المواطن".

أما من ناحية المضمون، فأداء البرلمان كثيرًا ما أثار عدة تساؤلات، خاصة وأن عدة نقاشات أثيرت في المجلس الشعبي الوطني حيال عدة قضايا وقوانين، إذ لم ينجح النواب في كسب مقترحات قانونية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وحتى في مجال اختصاصاته الدستورية، إذ تم إفشال عدة مبادرات من قبل الحكومة، وهو ما يعكس برأيه لعب الأخيرة دور البرلمان، أي فيما تعلق بـ"دور الرقابة" وهذا الدور منوط بالبرلمان وليس الحكومة.

وبعملية حسابية، قدمت الحكومة 90 قانونًا صادق أو مررها البرلمان الحالي، وهو ما يعني أن هناك خللًا واضح في جدوى المؤسسة التشريعية ومهامها المكفولة من الدستور.

 احتمال قرارات سياسية ..

في خضم الأحداث، ومن خلال تصريحات رئيس المجلس الشعبي الوطني إبراهيم بوغالي خلال مناقشات بيان السياسة العامة للحكومة، الذي عبر عن استياء الرئيس تبون من نواب البرلمان بسبب عدم حضورهم لجلسات الحكومة، وهي" غيابات شوهت المجلس".

هذه التصريحات تنم عن " قلق الرئيس تبون من أداء البرلمان الذي كثيرًا ما دعاه إلى تقديم الكثير وكان يأمل فيه الخير الكثير " خصوصًا عقب إقرار دستور 2020، دفع النواب إلى مطالبته بإلقاء خطاب أمام نواب البرلمان، النزول للبرلمان.

وتأتي تصريحات رئيس الغرفة السفلى للبرلمان، لإثبات مخاوف الرئيس تبون في المرحلة السابقة، إذ لم يخف القاضي الأول في البلاد عدم رضاه على أداء الحكومة والقطاعات الوزارية و البرلمان، وهذا يعني أن الرئيس قد يتوجه نحو خيارات سياسية، بينها بوادر فكرة إجراء استحقاقات انتخابات مبكّرة تتيح له إعادة تشكيل المشهد من جديد.

وتعليقًا على الموضوع، قال الإعلامي عثمان لحياني لـ" الترا جزائر" إن الظرف السياسي يفرض على الرئيس تبون جمع نواب الغرفتين وتقديم توجيهاته أيضًا، موضحًا بقوله:" البلاد تدخل الآن في السنة الأخيرة قبل إجراء الانتخابات الرئاسية المقررة في غضون العام المقبل 2024، وهي سنة متعددة الرهانات".

وأضاف أن هناك الظرف الدولي والإقليمي الضاغط على الجزائر حيث يرغب الرئيس في إعطاء تقدير الموقف الدولي والإقليمي على ضوء التطورات الحاصلة في علاقة بمواقف الجزائر أو بالتأثيرات المحتملة على الجزائر

من المتوقع أن يحدد الرئيس الخطوط العامة لبرنامجه وما تبقى من التزاماته الـ 54، الأولويات المرتبطة بالعام المقبل، على المستوى التصحيح الهيكلي للاقتصاد وتعزيز عمل المؤسسات السياسية والحفاظ على الاستقرار الاجتماعي.

أول وآخر خطاب

تاريخيًا، لم يسبق لرؤساء في الجزائر أن قدموا خطابات أمام نواب البرلمان، إلا في فترة حكم الرئيس الراحل هواري بومدين (محمد بوخروبة) الذي كان يقدم خطاباته أمام النواب في فترة حكم الحزب الواحد والغرفة الواحدة، لكن عقب ذلك لم يتسن للرئيس الراحل الشاذلي بن جديد أن قدم خطابات أمام النواب، وهو الأمر نفسه مع كل من الرئيس علي كافي، والرئيس اليامين زروال، ثم الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة الذي نزل للبرلمان مرة واحدة خلال فترة حكم دامت عشرين سنة.

وبخصوص خطاب الراحل عبد العزيز بوتفليقة (1999-2019) في الفاتح من أبريل 2004، قدم أول وآخر خطاب له أمام نواب البرلمان منذ توليه كرسي الرئاسة في عهدته الرئاسية الثانية، وذلك بمقر المجلس الشعبي الوطني (الغرفة السفلى للبرلمان)، وعنونت بعض الصحف الوطنية آنذاك ذلك النزول بـ" إنهاء قطيعة مع نواب الشعب"، خاصّة وأن الرئيس الراحل عرف آناك بـ"قدرته على استمالة العواطف والتأثير عن طريق الإقناع مع الإلقاء الجيد"، وهي سمات الخطيب السياسي الذي تمرس بين دواليب الحكم

 وفي خطابه الوحيد أمام المجلس الشعبي الوطني، كانت كل الأنظار موجهة إلى إمكانية حله للمجلس الشعبي الوطني عقب فوزه بالولاية الرئاسية الثانية عقب الانتخابات الرئاسية في 8 أبريل 2004، غير أنه خالف تلك التوقعات بإعلانه " عدم استعداده لحل البرلمان" رغم الصراع السياسي والحزبي الذي احتدم قبل الرئاسيات بسبب بروز "الحركة التصحيحية في جبهة التحرير الوطني (الحزب الحاكم) والمواجهة بين نواب الحزب الموالين لمنافسه في الانتخابات علي بن فليس.

سياسيًا، عرفت الجزائر لي تلك الفترة صراعا كبيرا بسبب تلك الحركة التصحيحية وانقسام السياسيين في جبهة التحرير الوطني بين طرفين، ومالت الكفة في البدايات إلى بن فليس على حساب بوتفليقة، غير أن الصراع كان عبارة عن خلط أوراق تمكن فيها جناح الرئيس الراحل من استمالة وسحب البساط من تحت أقدام عديد الوجوه التي رافقت رئيس الحكومة الأسبق بن فليس في سباقه الانتخابي.

هذا الأمر دفع بوتفليقة آنذاك إلى ترديد عبارة "استقرار المؤسسات الدستورية يضمن استقرار البلاد" معلنًا عدم حله للبرلمان، بحجة تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي أعلن عنها خلال برنامجه الانتخابي من جهة، واستكمال مشروعه الرئاسي في الآن نفسه، الذي باشر فيه منذ 1999.

وبالرغم من عدم اقتناعه بمبادرات وعمل نواب البرلمان في عهدته الأولى، إلا أن الظرف السياسي والأمني آنذاك، طوق مفردات وعبارات خطاب الرئيس الراحل وتركيزه على ضرورة حلّ الأزمة الأمنية والمضي في الوئام المدني والمصالحة الوطنية، "دون عفو شامل على المسلحين الذين لازالوا يرفعون السلاح".

اختلاف الظروف

بالرغم من اختلاف الظّروف والمناسبات والأحداث في هذه الإطلالة على سنوات الحكم الماضي، إلا أن مناسبة خطاب الرئيس تبون، قد يكون حمّالة أوجه؛ فمن جانب سياسي صرف، تأتي تزامنًا مع الذكرى السنوية لاعتلائه سدة الحكم وانتهاء السنة الرابعة من العهدة الرئاسية الأولى، وهو ما يعني أن القول بأنه سيكون خطاب نهاية عام وبداية عام جديد من استمرار تنفيذ مشاريعه التي تعهد بها منذ انتخابه في نهاية 2019، وتقديم توجيهات سياسية باعتباره القاضي الأول للبلاد وصلاحياته الدستورية، في لم شمل مختلف مؤسّسات الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية وضمان استقرارها.

وأشارت مصادر لـ"الترا جزائر"، أن الرئيس تبون يحضّ على ضرورة ضمان الاستقرار في المؤسسات الدولة ومواصلة مسيرة البناء، خاصة وأن الجزائر شهدت ارتدادات هزة الحراك الشعبي في 2019، وما أعقبته من توجيه قدراتها نحو مجابهة وباء كورونا كغيرها من الدول فضلًا عن التركيز على تنفيذ وعوده بفتح ملف المحاسبة لاسترداد الأموال المنهوبة.

لم يسبق لرؤساء في الجزائر أن قدموا خطابات أمام نواب البرلمان، إلا في فترة حكم الرئيس الراحل هواري بومدين

الثابت هو تغير الظروف السياسية والاجتماعية منذ حراك الشارع في الجزائر، إذ تتوجّه جميع الأنظار نحو ما سيعلن عنه الرئيس في خطابه أمام النواب ومختلف إطارات الدولة، خاصّة وأن الفرصة السانحة تأتي لتكلل عامًا رابعًا من عهدته الرئاسية، فأغلب الظنّ أن يكون خطاب الرئيس مرفوقًا بإسداء تعليمات لبدء عام آخر من فترة حكمه وتقديم توجيهات لاستمرار تنفيذ مشروعه التنموي.