20-مايو-2022

(رياض كرامدي/ أ.ف.ب)

من خلال إطلالة خفيفة في محرّك البحث "غوغل" على الشبكة العنكبوتية، حول الحركات الاحتجاجية والإضرابات، تصدّر مصطلح "شراء السّلم الاجتماعي" نتائج عشرات العناوين لمواد صحافية وأكاديمية، وتوارى استخدامه مرّة في ذيل بعض المقالات دونما الإشارة إلى فحواها العميق، وتارة يفسّر به بعض القرارات السياسية التي تلجأ لها السلطة لتهدئة الأوضاع وإيقاف تصعيد الاحتجاجات في مختلف القطاعات، وأخيرًا في حوصلة لاستخداماته كخطاب إعلامي تبين أنه حشر في زاوية الجانب الاجتماعي وحلّ "مؤقّت لبعض الاختلالات الاقتصادية، كالأسعار ورفع الأجور واستحداث منح لعدد من الشرائح في المجتمع".

تُستعمل كلمة "شراء السلم الاجتماعي" لتعليل المواقف والقرارات المؤدّية إلى إعادة الاستقرار الدّاخلي في الجزائر ومواجهة غليان الشّارع

لم يكن الحلّ المؤقت أو الانتقالي سوى خطوة بين حالتين، أو فترة بين مرحلتين، ولكن من الصعبة أن يصبح دائمًا؛ فمعالجة المشكلات الاجتماعية التي أساسها سياسي أو قرار سياسي سيضلّ طريق إنهاء الأزمة والإبقاء عليها في دائرة مغلقة.

يستعمل "شراء السلم الاجتماعي" لتعليل المواقف والقرارات المؤدّية إلى إعادة الاستقرار الدّاخلي في الجزائر ومواجهة غليان الشّارع، والمؤدي إلى ما تتداوله الحساسيات السياسية في البلاد تقوية الجبهة الداخلية.

بين "الجبهة الداخلية" و"الجبهة الاجتماعية" بون شاسع  من المعاني والمحدّدات، فالسّلم الاجتماعي هو الرابط بينهما أو الناتج لكليهما إن كانت خطوات سياسية تتخذها السّلطات العليا في البلاد، فلا تحصين للجبهة الاجتماعية والداخلية دون "سلم اجتماعي".

هناك علاقة بين السلم الاجتماعي والاستقرار السياسي، إذ برز الأول بقوة في فترة حكم الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، وهنا يمكن الإشارة إلى ردّ وزير التضامن والأسرة السابق جمال ولد عباس (المتابع في قضايا فساد) أمام قاضي التحقيق الذي سأله أين ذهبت أموال " الزاوالية" أي الفقراء، بالقول إن الرئيس بوتفليقة هو من طلب منه " شراء السلم الاجتماعي خاصة الجمهور الرياضي مستغلا ملحمة أم درمان لتحقيق ذلك".

ويبدو أن السلم الاجتماعي هو حجر الزاوية في استقرار المنظومة السياسية، إذ يتردد كثيرًا في أدبيات دواليب الأحزاب والمؤسسات، ويطلق عادة لوصف " التماسك الاجتماعي والقوة الاجتماعية، بعيدا عن مظاهر اليأس والخوف والهيجان".

وأفاد أستاذ العلوم السياسية فريد سعدون أن هناك علاقة تكاملية بين السلم والاستقرار السياسي، لافتًا في إفادته أن أي بلد وجب أن يمتلك مقومات مواجهة الصراعات والمقدرة على تعبئة الموارد الكافية لإدارة الأزمات واستيعابها.

ارتبطت العبارة بأحداث الخامس من كانون الأوّل/جانفي من العام 2011، وظهرت هذه الأحداث بقوة في مقالات عديد الصحافيين والكتاب والبحوث الأكاديمية، خاصّة وأنها تزامنت مع ما سمي إعلاميًا بالربيع العربي، إذ قال محدث " الترا جزائر" إن "شراء السلم الاجتماعي في إطاره الضيّق؛ يعني مباشرة حزمة من الإصلاحات السياسية يراد بها تقويض مسألة رفع الأسعار وجعلها منسجمة مع القدرة الشرائية، أو ما يصطلح عليه " الدعم الاجتماعي" .

مفارقة: الدعم والإضرابات

لقد راوَح موقف السّلطات الجزائرية منذ 2011 بين التخوّف من انتشار عدوى الاحتجاج، وبين الحذر من أي انزلاق نحو سيناريوهات غير متوقعة، خاصة وأنّ الغليان كان ينتقل من قطاع إلى آخر، ولعب النّظام الجزائري على حبلين: الأوّل عن طريق الإنفاق بسخاء كبير مستفيدًا من ريع النّفط والغاز لشراء ما يسمّى في الجزائر بالسّلم المدني، واحتواء المطالب الفئوية الكثيرة، أمّا الثّاني هو التّخويف من التهديد الخارجي خاصّة وأن الجزائر لديها التجربة الأمنية العصيبة والتي لازالت تداعياتها وآثارها ماثلة للعيان.

ومن خلال هذا المعطى، فشراء السّلم الاجتماعي" أصبح لصيقًا بتداعيات الإضرابات خلال العشرية الأخيرة، سواءً ما تعلّق منها احتجاجات البطالين، وإضرابات الفِئات العمّالية خلال سنوات طويلة، وعاد مرة أخرى للبروز مع احتجاجات ومسيرات الحَراك الشّعبي منذ الـ22 فيفري/ شباط 2019، ليعود بحدّة وبطريقة مُغايرة تمامًا هذه المرّة مع تلويح العديد من القطاعات في الدّخول في إضرابات بسبب الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وتكرار ها مثلما هددت به أكثر من 16 نقابة عمالية قبل عيد الفطر.

الفاعِل واحد

لم تخمد الاحتجاجات في الجزائر إلا في فترة تفشِّي وباء كورونا، إذ عادت مرّة أخرى لتأخذ طابعًا مِهنيًا وفِئويًا، رغم تجاوب الحكومة مع تلبية بعض المطالب تماشيا مع وعود رئيس الجمهورية في الحفاظ على ما أسماه " كرامة المواطن".

لهذا تعود مسألة " السلم الاجتماعي وتقوية الجبهة الداخلية" للواجهة السياسية كل مرة، إذ يراها البعض ماثلة في استتباب الأمن والاستقرار وفقط، دون التعمق في ديناميكية المجتمع كما يشير العارفون بالمشكلات المرتبطة بالاستقرار المجتمعي.

وذكر أستاذ علم الاجتماع عبد الرزاق أمقران، أن هذه المسائل دقيقة التفرعات في المجتمع إذ هي تتأسّس على احترام القانون وتوزيع عادل للثروة، متخوفًا من تداعيات تعميق التفاوت الاجتماعي وتصدّع النسيج الاجتماعي، وضرورة وضع سياسات تنموية منصفة لجميع مناطق الوطن، تحترم خصوصيات محلية في إطار   ورؤية تنموية شاملة".

الواقع، تمّ اختزال المفهومين لدى الكثيرين في تقوية القدرة الشرائية وتحسين المعيشة، إذ أفادت الأستاذة كريمة بن زهرة لـ"الترا جزائر"، أن هذا الاختزال مرتبط بالاستهلاك أي حماية الجزائريين من الجوع أو "نقص الموارد الاستهلاكية"، مشدّدة على أن ذلك بإمكانه أن يحدث غضبًا شعبيًا تغذيه أطراف داخلية وتتلقفه أطراف خارجية، على حدّ قولها.

مثل هذه المسائل وجب أن تؤخذ بروية وتأني، لأنها "معقدة لارتباطها بمشكلات الممارسة السياسية والوضعية الأمنية"، مثلما يرى أستاذ علم الاجتماع السياسي فريد بلعلى من جامعة الجزائر، حيث قال إن هناك من يرى أن السلم الاجتماعي وتقوية الجبهة الاجتماعية هما  الحلّ الأمثل لضمان الأمن والاستقرار" أي كلاهما متربطان بالأبعاد الأمنية.

حَلقة مغلقة

مِنحة البطالة وزيادات الأجور وتحسين المعاشات في التّقاعد، نظرة قاصرة لتحسين الوضع الاجتماعي، بل هي ترحيل أزمة أو أزمات اجتماعية تتمدد مع الوقت.

وعليه، يأتي علاج التحديات الاجتماعية بثماره عن طريق تطوير المدرسة، وتقوية المخرجات الجامعة الموائمة للاحتياجات الاقتصادية، وتعليم قيم المجتمع وسلطة القانون والاهتمام بدور العلماء في شتّى القطاعات، فقوتهم جميعا تبطِل المخاطر الخارجية أو على الأقل ينظر إليها من خلفية قوية وبعين الحذر.

بإمكان السلطة أن تمضي في مشروع عقد حوار وطني يضم مختلف الحساسيات والأحزاب

ما تشتغل عليه السياسة لن يحلّ الكثير من الأزمات الاجتماعية، إذ تعدّ الأخيرة أساس البنيان، حيث بإمكان السلطة أن تمضي في مشروع عقد حوار وطني يضم مختلف الحساسيات والأحزاب تحت مسمى " لمّ الشمل"، غير أنها لن تكون كافية لحلّ مشكلات حارقة متراكمة منذ أكثر من عشريتين، دون قرارات تتعلق بالجبهة الاجتماعية.