أزيد من سنة تفصل الجزائر عن رئاسيات 2024؛ مدّة سبِقها إطلاق مبادرات وتحركات سياسية حزبية إيذانًا باقتراب موعد هذا الاستحقاق الهام، وسط تساؤلات عن خطة الأحزاب في الموعد الانتخابي وكذا التوجه الذي ستختاره قبل ذلك.
قُرب رئاسيات 2024 كسر جمود الأحزاب السياسية وفتح باب التموقع والاستعداد للاستحقاق عبر المبادرات الحزبية والنقابية
بعد حالة جمود طويلة شهدتها الأحزاب خلال سنتي 2022 و2023، وعقب أزيد من سنة عن مبادرة "لم الشمل"، التي أعلن عنها الرئيس عبد المجيد تبون بتاريخ الثالث أيار/ماي 2022، والتي استقبل -بناءً عليها- جلّ الأحزاب السياسية بقصر المرادية لمناقشة مختلف الملفات المطروحة في الساحة، كسرت حركة البناء الوطني الجمود وأعلنت عن مبادرة جديدة تحت تسمية "تمتين الجبهة الداخلية لمواجهة التحديات الخارجية".
وكشف رئيس الحركة عبد القادر بن قرينة بتاريخ 27 أيار/ماي الماضي، خلال اجتماع مجلس الشورى، عن انخراط العشرات من الأحزاب في المبادرة التي اطلقها حزبه، وهي الخطوة التي قال إنها "لا تزال قيد التنقيح، حيث لم يتم استكمال صياغتها بعد"، مشيرا إلى أن "هذه المبادرة تجمع 97 بالمئة من أعضاء البرلمان و80 بالمائة من النقابات، وعدد من الشخصيات الوطنية ومديري المؤسسات الإعلامية."
ماذا تتضمن مبادرة حركة البناء؟
وفي السياق، خلصت مساء الخميس 25 أيار/ماي 2023، الأحزاب السياسية التي منحت موافقتها المبدئية على مبادرة حركة البناء الجديدة من صياغة أرضية المبادرة تمهيدًا لعرضها على قيادات الأحزاب والمنظمات والجمعيات الوطنية لإبداء مواقفها منها.
وجاء في مضمون الأرضية التي اطلعت عليها "الترا الجزائر" أن الهدف الحقيقي من وراء إطلاق المبادرة هو التصدي للتحديات والمخاطر التي تعترض الجزائر والتي سبق وأن عبرت عنها بمواقفها وسياساتها الاقليمية وما يشكله هذا الخيار الوطني من تحديات واستحقاقات جديدة.
وترى حركة البناء الوطني أن الجزائر "تتعرض لاستفزازات إقليمية خطيرة وخانقة من كل جانب، تديرها من وراء الستار أيادٍ لا تمل من محاولة اختراق سيادة الجزائر والتأثير على المستقبل".
وعليه تضيف أرضية المبادرة، "فإن الجزائر تحتاج إلى جميع أبنائها، وعلى هذا الأساس تدعو حركة البناء الوطني شركاء الساحة السياسية من أحزاب ونقابات ونخب وطنية والمجتمع المدني دون إقصاء الى الانضمام للمبادرة".
كما اقترحت "البناء" عدة تسميات للمبادرة، منها "مبادرة التلاحم أمام التحديات"، ""مبادرة تأمين جبهة داخلية صلبة، "مبادرة بناء الجماعة الوطنية"، أو "مبادرة لم الشمل".
واقترحت الأرضية الأولية 4 محاور أساسية في المبادرة وهي الشراكة الوطنية، مجتمع شامل، اقتصاد قوي وتنمية حقيقية، ومن أجل دولة محورية".
كما أكدت حركة البناء الوطني أن المبادرة مفتوحة لكل القوى والفعاليات والمرجعيات والكفاءات الوطنية دون استثناء.
ولا تعتبر حركة البناء الوطني الوثيقة الأولية سوى خطوط عريضة تحمل مقاصد وأبعاد واضحة، ومسودة مطروحة أمام الجميع في الساحة لإثرائها بكل حرية وعمق ومسؤولية والالتفاف حولها لتشكيل جبهة داخلية متماسكة وبناء مسارات للعمل المستقبلي والتأسيس لإطار دائم للحوار الوطني.
جدار الموالاة ..
ورحب بالمبادرة، مبدئيًا، أكبر حزبين في الجزائر، وهما جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، شريطة أن تكون جامعة وتشمل كل الأحزاب الموجودة في الساحة.
وتضمنت وثيقة مقترحات تقدم بها كل من حزبي "الأفلان" و"الأرندي" اطلع عليها "الترا الجزائر" ضرورة إشراك كل الطبقة السياسية في المبادرة الجديدة بما فيها المقاطعة لعملية الانتخابات، تجسيدًا لما يعرف بالعمل المشترك من أجل الوحدة الوطنية.
كما طالب "الأرندي" في الوثيقة ذاتها بمباشرة مشاورات سياسية مع الأحزاب الفاعلة التي تكون في مقدمة المشهد السياسي، بما فيها ممثلين عن المجتمع المدني، وفتح نقاش صريح وقوي حول كل القضايا ذات الاهتمام الواسع، والعمل على إبراز معالم التوافق لحماية مؤسسات الجمهورية السيادية والدفاع عنها من التحرشات والتهديدات.
من جانبه، شدّد حزب جبهة التحرير الوطني على ضرورة تقديم اقتراحات عملية للسلطات العليا دعمًا للجبهة الداخلية في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وألح حزب "الأفلان" على ضرورة التصدي بشكل موحّد للمؤامرات الرامية إلى زعزعة الثقة في الصف الوطني والوقوف إلى جانب الدولة من أجل استعادة أدوارها المحورية، والإقليمية والدولية.
كما يربط "الأفلان" نجاح المبادرة بمدى تجسيد هذه التطلعات التي لا يمكن مباشرتها حسبه إلا في إطار رؤية تشاركية شاملة مبنية على أساس دولة قوية واقتصاد تنافسي ومنظومة اجتماعية عادلة وأمن قومي مصان".
واقترح الحزب الأوّل في البرلمان تسميات عدة للمبادرة منها "المبادرة الوطنية لتحصين الجبهة الداخلية، المبادرة الوطنية لتحصين الجبهة الداخلية وتأمين المستقبل".
وحول الموضوع، يؤكد القيادي في التجمع الوطني الديمقراطي العربي صافي في إفادة لـ"الترا جزائر" أن الأرندي "رحب بالمبادرة المقترحة من قبل حركة البناء الوطني التي تهدف إلى الحفاظ على مؤسسات الجمهورية والدفاع عنها، مؤكدا أنه لا يمكن أن تكون أي مبادرة فعالة في هذا المسعى بدون جبهة وطنية داخلية متينة وقوية، والتي ترتكز على عمل حزبي قوي، فعلي وصادق تنخرط فيه كل مكونات المجتمع الجزائري".
أحزاب الموالاة ترى بأنّ نجاح المبادرة يرتكز على رؤيتها التشاركية الشاملة عبر فتح نقاش صريح وقوي حول كل القضايا ذات الاهتمام الواسع
ويؤكد العربي صافي، أن التجمع الوطني الديمقراطي ما فتئ دائما يرافع من أجل إنجاح هذا المسعى الذي لن يتأت حسبه إلا بتشكيل طبقة سياسية وطنية قوية تضم الأغلبية الرئاسية والمعارضة.
وقال صافي أن الأرندي سبق وأن أطلق مبادرات سياسية من هذا القبيل، وعليه فأي خطوة تصب في هذا السياق، يساندها حزبه ويتمسك بها، معلنا أن التجمع الوطني الديمقراطي أوفد ممثلين عنه للمشاركة في الصياغة الأولية للأرضية التي ستعرض لاحقا على القيادات الحزبية.
تحفظ المعارضة
من جهتها لم تبد أحزاب المعارضة رفضها لمبادرة حركة البناء الوطني، لكنها لم تعلن انخراطها فيها أو قبولها بالإنضمام، واكتفت بالتحفظ والتريث ورفض التعليق.
وتحفّظ القيادي في جبهة القوى الاشتراكية، حسان فرلي، في حديث مع "الترا جزائر" عن الخوض في مبادرة حركة البناء الوطني، مكتفيا بالقول: "الأفافاس ستنظر في هذه المبادرة"، مضيفا: "أرفض التعليق لكن الشئ المؤكد أن قيادات الحزب ستفصل في مضمونها".
وعاد المتحدث ليؤكد أن جبهة القوى الاشتراكية أعلنت عن مبادرتها الخاصة مؤخرًا خلال دورة المجلس الوطني والتي ستكون شاملة، تتجاوز الانقسامات الإيديولوجية وتعرض على كافة الفاعلين في الساحة السياسية.
وطمأن فرلي بأن "مبادرتنا غير إقصائية، وترمي إلى حماية البلاد من أي مجازفات داخلية أو خارجية من شأنها المساس بسلامة البلاد ووحدتها"، شارحًا: "هذه المبادرة جاءت لتعيد الحركية السياسية في البلاد بعد حالة الجمود الطويلة التي عاشتها" .
أما حركة مجتمع السلم، فأكّد قياديها فاروق طيفور، أنّها "ترحب بأي مبادرة سياسية هدفها حماية وتمتين الجبهة الداخلية للوطن بغض النظر عن الحزب أو النقابة التي دعت إليها".
واستدرك: "بخصوص انضمام الحركة لمبادرة حركة البناء الوطني من عدمه، أشدّد على أنّ المكتب الوطني لحزب هو المخول الوحيد للبث في هذا الموضوع، بعد الاطلاع على الأرضية وأهم المحاور التي تضمنتها"، ما يحِيل على أنّ "حمس" تتحفظ ضمنيًا على المبادرة وتتريث قبل البث فيها.
ويجمع مراقبون على أن مبادرة حركة البناء الوطني ما هي إلّا إيذان باقتراب موعد الرئاسيات وعودة الأحزاب للتموقع في الساحة من جديد بعد حالة "سُبات" طويلة دامت سنتين كاملتين، في أعقاب محليات 2021، وهو آخر استحقاق شاركت فيه الطبقة السياسية.
كما يرتقب أن تعود التشكيلات السياسية في البلاد لتسجيل حضورها إمّا من خلال تحركات فردية أو جماعية أو تحالفات تعبر عن موقفها من المرحلة المقبلة، بحسب متابعين.