01-يونيو-2022

الرئيس عبد المجيد تبون (تصوير: رياض كرامدي/أ.ف.ب)

شهدت الساحة السياسية مؤخّرًا تراجع الحملة الإعلامية الداعية إلى مبادرة " لم الشمل"، وتباطأت سلسلة المشاورات بين الرئاسة الجمهورية والأحزاب السياسية والجمعيات المدنية، ورغم بيانات المساندة التي بادرت بها أحزاب وجمعيات محسوبة على السلطة، تَلاها دعمٌ قوي من المؤسّسة العسكرية بشكلٍ مباشر، غير أن المبادرة لم تراوح أعتاب البيانات والنوايا.

هل السكون السياسي الظرفي سببه أجندة الرئيس عبد المجيد تبون الدولية وزياراته إلى كل من تركيا وإيطاليا؟

بَيدَ أن متتبعي الشأن السياسي في الجزائر توقّعوا محدودية المشروع السياسي، واقتصار المبادرة على دفعة من لقاءات جمعت الرئاسة بأحزاب سياسية وشخصيات وطنية، لم تُثمر ميدانيًا عن حركية سياسية، ولم تكسر الصمت والركود السياسي.

 في المقابل، ما يزال طرف آخر يترقّب إجراءات فعلية وملموسة، مع اقتراب الذكرى الـ 60 لاستقلال الجزائر تساهم في عودة الحياة السياسية إلى طبيعتها، خصوصًا بعد تزكية الجيش للمبادرة.

أسئلة كثيرة تُطرح في هذا السياق، مفادها هل السكون السياسي الظرفي سببه أجندة الرئيس عبد المجيد تبون الدولية، وزياراته إلى كل من تركيا وإيطاليا، وما يتطلب ذلك من تحضيرات دبلوماسية وسياسية على مستوى الرئاسة؟ أم السبب هو الإفراج عن فكرة سياسية لم تظهر بعد معالمها، وفرضتها جملة من الإكراهات الداخلية والخارجية، وبالتالي ولدت هذه المبادرة ميتة؟

أسباب الإخفاق

إلى هنا، شكك محمد هناد، المحلل السياسي، في مساعي المبادرة واعتبر أن الغرض من مبادرة "لم الشمل" ليس تقوية الجبهة الداخلية، وإنما محاولة تجاوز القلق الناجم عن فقدان المشروعية، من خلال فرض الولاء على القوى السياسية والاجتماعية، ولم يستبعد هناد أن تهدف المبادرة إلى توريط القوى السياسية والاجتماعية في أمر تَهُمّ السلطة به، وتتوجس خيفة منه، في وجود إمكانية سخط شعبي، على حدّ تعبيره.

وكشف المتحدث أن رفع الدعم عن مواد الاستهلاك الأساسية يشكّل هاجس السلطات، وبالتالي يهدف مشروع "لم الشمل" إلى توريط أكبر قدر ممكن من القوى السياسية والاجتماعية.

يدعم هذا الطرح، يقول المحلل السياسي، تصريح الدبلوماسي الأسبق عبد العزيز رحابي، بعد لقاء مع عبد المجيد تبون، بتصريحه:  "لدي شعور بأن الرئيس لديه نية في فتح بعض الورشات الاقتصادية وبأنه يعمل من أجل بلورة إجماع وطني حول السياسة الداخلية والخارجية والدفاعية".

يُشار أن الرئيس عبد المجيد تبون أعلن أن لجنة مراجعة آلية الدعم الاجتماعي ستضم خبراء اقتصاديين وأعضاء من الوزرات وممثلين عن المنظمات المهنية بالتنسيق مع الأحزاب السياسية والنقابات العمالية، وخلال زيارة عبد المجيد تبون إلى تركيا أعلن أمام الجالية الجزائرية المقيمة بتركيا عن "لقاء شامل للأحزاب في الأسابيع القادمة".

واعتبر أن "المبادرة ضرورية من أجل تكوين جبهة داخلية متماسكة"، ويعد تصريح تبون أول تحدث بشكل رسمي من طرف رئيس الجمهورية، ولَقيت مبادرة تبون مساندة المؤسسة العسكرية، من خلال قائد الجيش الذي داعا للاستجابة إلى "اليد الممدودة".

لم الشمل ... رؤية تقليدية

من جهته، اعتمد هواري عدي، الباحث في الأنثروبولوجيا، على مقاربة سوسيولوجيا في تفكيك مبادرة "لم الشمل"، إذ أوضح أن هذا المصطلح أقرب إلى الثقافة التقليدية، ومثيل السلطة الأبوية التي تفض الصراعات العائلية وفق مصلحة الجماعة على حساب المصلحة الشخصية، ووفق العاطفة والحكمة وليس سيادة القانون، على حدّ تعبيره.

وأضاف هواري عدي في منشور على صفحة الفيسبوك أن استخدام عبارة "لم الشمل" تعكس تصورًا سوسيولوجيًا، يعتبر الجزائر أسرة ممتدة وليس مجتمعًا مكوّن من أفراد لديهم مصالح متباينة، وتابع أن "هذا التصور السلطوي-الأبوي مضمونه هو رفض المهوس للسياسة بحجة أن السياسة سبب الانقسامات والانشقاق".

الآليات التقليدية والسلطوية في العصر الحديث، بحسب الباحث، لم تعد قادرة على تأطير المجتمعات السياسية العصرية، أو هيكلة الجماعات المتعددة والمتنوعة، وليس باستطاعتهما تشكيل الإطار المنظم للتدافع السياسي والاجتماعي، وفي تقدير ه أن احتواء الاختلافات والصراعات يفرضان إعادة بناء المجال السياسي، وفتح أفق نقل السيادة الوطنية إلى الناخبين، ولا يمكن أن تثمر مبادرة "لم الشمل" ما لم تتضمن الانتقال الديمقراطي السلمي.

لا يمكن إدارة شؤون الدولة أو الأمّة كما ندير عائلة أو أسرة، فالإجماع في الديمقراطيات الحديثة تكتمل صورته عبرَ مسالك حرية التعبير، واستقلال القضاء، والتناوب على السلطة، يقول هواري عدي.

يبدو أن السلطة السياسية في الجزائر في أريحية نوعًا ماأملتها وفرضتها السياقات الإقليمية والحرب الأوكرانية والبحث عن مصادر الطاقة

على العموم، يبدو أن السلطة السياسية في الجزائر في أريحية نوعًا ما، أملتها وفرضتها السياقات الإقليمية والحرب الأوكرانية والبحث عن مصادر الطاقة، وتُوظف الجزائر تحركّاتها الدولية للعب أوراقها الداخلية، ما يفك عنها الضغط والإكراهات ويسمح لها بتأجيل كل حوار أو توافق سياسي.