16-يناير-2021

الرئيس عبد المجيد تبون تعهّد بإنهاء العراقيل البيروقراطية (الصورة: صحيفة العرب)

توالت في الآونة الأخيرة تصريحات مختلف المسؤولين الجزائريين، بشأن رفع العراقيل الإدارية أمام المواطنين خاصّة الشباب، لإنهاء حالات إهانة المواطن من طرف المسؤولين المحليين، وكذا فتح المجال أمام أهل الاقتصاد لبعث المشاريع المعطلة وتشجيع المؤسّسات الناشئة، فهل تحويل هذه الخطابات التي تناقلتها وسائل الإعلام إلى أفعال بالمهمة السهلة في منظومة غرقت ولا تزال تغرق إلى اليوم في البيروقراطية وكل ما جادت به نفوس البشرية من المحسوبية والحواجز الإدارية، أم أن تجسيد هذه الوعود الوردية لا يزال بعيدًا؟.

من المؤكد أن التخلّص من العراقيل البيروقراطية لن يكون بالأوامر الفوقية

رغم التطوّر الذي عرفه العالم بفضل التكنولوجيا ومرونة القوانين في خدمة الإنسان، إلا أنّ الجزائري لا يزال حتى عام 2021 يشتكي من العراقيل والحواجز التي تصطف أمامه حين يطرق باب الإدارة مهما كان القطاع الذي تنتمي إليه.

اقرأ/ي أيضًا: الوزير الأول: البيروقراطية هي العدو الأوّل للإدارة

وعود رسمية

في تشرين الأوّل/أكتوبر الماضي، تعهّد الرئيس عبد المجيد تبون بالعمل على إنهاء كل العراقيل الإدارية والاقتصادية أمام الجزائريين، معتبرًا هذه السلوكيات المقيتة جزءًا من عهد قد ولّى، ولم يعد له مكان في "الجزائر الجديدة" التي يتحدّث عنها منذ وصوله إلى سدّة الحكم قبل أكثر من عام.

وقال تبون إنّ "عهد العراقيل الإدارية والبيروقراطية قد ولّى"، وجدد تعهّده "بالقضاء نهائيًا على هذه الممارسات التي حرمت كفاءات كثيرة من تجسيد مشاريعهم وتحقيق أحلامهم ودفعت بالكثير منهم للهجرة".

وفي المجال الاقتصادي، أعلن وقتها تبون، عن إطلاق نظام تصريحي جديد لفائدة أصحاب المشاريع المبتكرة يسمح لهم بالشروع في النشاط قبل حيازة السجل التجاري.

وفي الجانب الخدماتي المرتبط بحاجيات المواطن المباشرة، باشرت العديد من الوزارات مشاريع رقمنة قطاعاتها حتى وإن كان بعضها يسير بوتيرة بطيئة، إلا أن المحقق منها حتى الآن، سيجنب المواطن متاعب كثيرة مثل رقمنة مصلحة الحالة المدنية، وتمكين المواطن من الحصول على بعض الوثائق إلكترونيًا دون التنقل إلى البلدية، وهي الخدمة التي أطلقتها وزارة الداخلية مؤخرًا.

واقع مستمر

غير أن هذه التعهدات والدعوات الرسمية للتخلّي عن وضع الحواجز أمام المواطن والمبادرات الفردية، لا تلقى طريقها حتى اليوم إلى التنفيذ، باعتراف وسيط الجمهورية كريم يونسي الذي عين في هذا المنصب بداية العام الماضي، بهدف تذليل المشاكل والصعوبات التي يصطدم يها المواطن يوميًا.

وقال يونسي إن المسؤولين المحليين يهمشون وسيط الجمهورية المحلّي، فإذا ما استدعي إلى لقاء ما يتم عمدا إجلاسه في الصفوف الأخيرة، حتى أن بعض الوسطاء لا يملكون حتى اليوم مقرّات لهم.

وكشف يونسي أن المصالح المركزية لوسيط الجمهورية تلقت منذ تنصيبها يوم 17 في شباط/فيفري إلى غاية يوم الثاني من كانون الأول/ديسمبر الماضيين، 4793 عريضة، وأنه "استقبل شخصيًا 2793 مواطنًا من كل فئات المجتمع ومن كلّ أنحاء الوطن، وتمّت دراسة عرائضهم وأرسلت إلى القطاعات المعنية من أجل التكفّل بها".

وأشار يونسي، إلى أن تحليل العرائض الواردة أطهر بأن "أكثر من 29 بالمائة تخصّ وزارة الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية، وأن ولاية الجزائر تتصدّر القائمة بـ 883 عريضة واستقبال، تليها ولاية وهران بـ 102عريضة، فولاية سطيف بـ 76 عريضة وولاية سكيكدة بـ 75 عريضة".

ولدى استقباله  لممثلين لكونفدراليات أرباب العمل، اعترف الرئيس تبون بوجود عراقيل بيروقراطية تحد من انتعاش النشاط الاقتصادي الخاص، ولذلك أمر"القطاع المصرفي بلعب دور أكثر فعالية لدعم الإنتاج الوطني وتسهيل مأمورية المستثمرين الوطنيين".

وشدّد تبون خلال هذا اللقاء الذي جرى في الـ 5 كانون الثاني/جانفي الجاري، أي بعد شهرين من توجيهاته السابقة على ضرورة "القضاء على كل أشكال البيروقراطية والإجراءات البطيئة والمعرقلة للاقتصاد الوطني".

في هذا السياق، اعتبر الرئيس أن"العمل على رقمنة قطاع المالية على وجه الخصوص، ولا سيما أملاك الدولة والضرائب والجمارك، في أقرب الآجال، هو السبيل للوصول إلى "الشفافية التامة" في مختلف التعاملات.

وإن كان هذا هو المشهد الذي يعترف به المسؤولون أنفسهم، فإن الواقع الذي يعيشه المواطن البسيط أدهى وأمر، سواءً تعلق بالحصول على منصب شغل مثلما يحدث في ولايات الجنوب، حيث لا يزال الشباب يشتكون صعوبة توظيفهم في الشركات البترولية، أو تعلق الأمر بتوفير أدنى الخدمات والضروريات للموطنين في مختلف الولايات، فمشاكل الإطعام والنقل المدرسيين واهتراء الطرقات وغياب مشاريع التنمية وكبح المبادرات الفردية والجمعوية، لا تزال هي السمة المميزة المعاناة الجزائريين أينما كانوا.

إعادة نظر

من المؤكد أن التخلّص من العراقيل البيروقراطية لن يكون بالأوامر الفوقية، لأن هذا الحلّ في القضاء على هذه الآفات تم تجريبه عديد المرات وأثبت في كل الحالات فشله بامتياز، لذلك وجب البدء في تقديم رؤية جديدة تنطلق من تفعيل أجهزة رقابية جادّة، وإعادة الاعتبار لاستقلالية القضاء، والاعتماد على الكفاءات بعيدًا عن منطلقات الولاء والانتماءات الحزبية الضيّقة التي يتم لاعتماد عليها في تعيين المسؤولين في مختلف المستويات، سواءً المحلية أو المركزية، لأن بيروقراطية بعض الوزراء والوزارات تجاوزت حتّى عراقيل الأميار ورؤساء الدوائر.

وإن كان لا أحد ينكر أن الوضع بعد حراك 22 شباط/فيفري 2019 ليس كقبله، إلا أن عدم إعادة النظر في القانون المسيّر للبلديات والولايات ونظام الانتخابات، وفق نظرة واقعية مستقبلية بعيدة عن المصالح السياسية، يجعل كل محاولة للقضاء على بيروقراطية الإدارة الجزائرية خطوة محكوم عليها الفشل مسبقًا قبل تنفيذها.

قى الواقع اليومي في كل القطاعات يؤكّد أن الأفعال تظلّ بعيدة عن بهرجة التصريحات

وفي انتظار ما ستحمله الأيّام المقبلة من تنفيذ حكومية للالتزامات المقدّمة بشأن القضاء على البيروقراطية، يبقى الواقع اليومي في كل القطاعات، يؤكّد أن الأفعال تظلّ بعيدة عن أفلاطونية الأقوال الصادرة من طرف عدد من المسؤولين الجزائريين مهما كانت رتبهم.

 

اقرأ/ي أيضًا:

جراد: نقص السيولة وانقطاع الماء وحرائق الغابات مؤامرة مدبّرة

جراد: لوبيات سياسية بالخارج تحرّض الجزائريين على الخروج دون كمامة