21-أبريل-2023
عبد الكريم دالي

الفنان الراحل عبد الكريم دالي (الصورة: التلفزيون الجزائري)

لا طَعْمَ ليوم العيد في الجزائر دون سماع أغنية "مزينو نهار اليوم صح عيدكم"، التي تبثُّ وتذاع على التلفزيون والإذاعة، إيذانًا بفرحة وغبطة العيد.

كثيرون يلقّبون أغنية الراحل عبد الكريم دالي بـ"النشيد الوطني" الخاص بالعيد في الجزائر

الأغنية كتبها ولحنها وغناها، الراحل عبد الكريم دالي، سنة 1952، لتبقى إلى اليوم سيدة عرش أغاني العيد بالبلاد، وفشلت عديد الأغاني العيدية في منافستها وزحزحتها من على عرشها.

كما أنّ عرضها على شاشة التلفزيونات خلال يومي العيد باللونين الأسود والأبيض جعل منها "نشيدًا وطنيًا" للعيد بالجزائر، مثلما ذهب إلى وصفها الكثيرون.

فهذه الأغنية وكلماتها التي بقيت خالدة إلى يومنا هذا، يجمع كثير من الجزائريين على أنه لا طعم للعيد دون سماعها، وما زالت تبث بالأبيض والأسود مترجمة ما يعرف "بالزمن الجميل".

الأغنية الرمز

تقول وهيبة دالي، حفيدة الراحل عبد الكريم دالي، إنّ "سماع أغنية "مزينو نهار اليوم صح عيدكم" كلّ صباح عيد بالجزائر يعتبر فخرًا وشرفًا ا لعائلة الراحل"، معتبرة ذلك "رمزًا كبر وتربى عليه الجزائريون."

وفي تصريحات سابقة للتلفزيون الجزائري، أكّدت، وهيبة دالي، أنّ "الراحل ترك بصمته الفنية للذاكرة بالأسود والأبيض ودليل نجاحها إعادة غِنائها من قبل فنانين آخرين."

وذكّرت أنّها عبر مؤسسة عبد الكريم دالي، التي ترأسها، "تردّ الجميل للقامة الموسيقية الراحلة، وكذا باحتضان مواهب شابة مهتمة بفن الاندلسي."

كما ترى حفيدة دالي بأنه "لم يمت ولا يزال باقيًا في أذهان الجزائريين وموروثه الثقافي حاضر في البلد"، لافتة في الصدد إلى أن مؤسسته تحرص على هذا الجانب أيضًا من خلال "إصدار الكثير من ألبوماته، والتي سمعها الجمهور لأول مرة، من خلال تسجيل أغاني كانت تحتفظ بها العائلة، إضافة إلى إصدار كتاب يحمل اسمه وبه أغاني كتبها بخط يده."

وكشفت وهيبة دالي عن برنامج بالشراكة مع مؤسسة التلفزيون الجزائرية والإذاعة الوطنية والمعهد العالي للموسيقى لإحياء وإعادة بعث 700 ساعة غنائية سجلها الراحل مع هذه المؤسسات وإصدارها، حتى تكون شاهدة على ما قدمه للفن الأصيل."

رصيد لا يُورّث..

تصرّح حفيدة الراحل دالي أنّه "كان من أشد المعارضين لدخول أبنائه عالم الموسيقى والفن، وذلك راجع للصعوبات الكبيرة التي واجهته، والتي كانت تواجه كل فنان في تلك الفترة."

وبحسبها فإنّ "هذا الرفض أو معارضة ولوج أبنائه للموسيقى وتعلمهم أصولها كان بمثابة سرّ لاستمرار بريق أغانيه، التي لم يرثها عنه أحد من أهله."

وعن تعلّقها بالفن الأندلسي، ردّت السيدة دالي: "تعلّقت وتعلمت أصول النوبات الأندلسية من والدي، الذي حفظ بدور ما تيسّر من الأغاني خلال مرافقته لجدّي في الحفلات والأعراس التي كان يحييها."

لتكمل: "كما أنني درست الموسيقى في سن مبكرة، وتتلمذت على يد تلامذة جدي، رحمه الله، ولكن رغم كلّ هذا لم أتخصص في العمل الفني، وانتهى بي المطاف على رأس مؤسسة الراحل، التي أراها إلى اليوم حملًا ثقيلًا، خاصة وأن الهدف منها إكمال رسالته الفنية العريقة."

من هو عبد الكريم دالي؟

ولد الفنان عبد الكريم دالي في السادس عشر من شهر تشرين الثاني/نوفمبر 1914 في حارة "الرمى"، بتلمسان، في وسط عائلي يعشق الموسيقى.

دخل الراحل بن دالي مجال الموسيقى مع عبد السلام بن صاري وهو مؤدي للمدح، والذي ضمه إلى جوقه كناقر على آلة الدربوكة، ثم انتقل إلى التتلمذ على يد الشيخ دالي يحي، بعدها التحق كناقر على آلة الدربوكة بجوق الشيخ عمر البخشي الذي أصبح بمثابة الأب الثاني لعبد الكريم دالي.

دالي

ونهل صاحب رائعة "مزينو نهار اليوم صح عيدكم" الكثير من البخشي، الذي ساعده أيضًا على إتقان الغناء والعزف على آلات عديدة، منها: الرباب، العود، كمنجة، الناي وآلات موسيقية أخرى.

كما عُرف عنه بنشاطه الفني في سنوات الثلاثينيات، ما سهّل انضمامه إلى جوق الشيخة طيطمة، ثم أسّس جوقه الخاص ونشّط حفلات بالإذاعة الوطنية وبالخارج وقام كذلك بجولات على مستوى الوطن.

اختار أن يستقر بالعاصمة في 1947، وأصبح عضوًا في جوقة "المحطة"، الذي يقوده محمد فخارجي، وبعدها اقتحم عبد الكريم دالي تجربة بيداغوجية بإشرافه على تعليم النشء في مدرسة الموسيقى في حسين داي.

دالي

ومنها التحق بالمعهد الوطني للموسيقى سنة 1971 كأستاذ، ليشارك في بحوث حول التراث الموسيقي وسجّل عندئذٍ جميع مقطوعات التراث التي كان مؤتمنًا عليها.

وعُرف بأصالة فنه الراقي وحبه للموسيقى الأندلسية، التي زاوج في روائعه بين كل من طابع الحوزي والصنعة العاصمية، وسجّل منذ 1930 روائعه الغنائية واِشتهر خاصة بأغنية "مزينو نهار ليوم صح عيدكم" (سجلها في 1952)، ومديح عيد الأضحى "إبراهيم الخليل" و"أنا الكاوي" وأخرى بعنوان "رحلة حجازية".

توفي الشيخ الحاج عبد الكريم دالي في 20 شباط/فيفري عام 1978 بمنزله بحيدرة، ووري الثرى بمقبرة سيدي يحي، بالجزائر العاصمة، تاركا وراءه رصيدًا فنيًا كبيرًا زاخرًا في الموسيقى الأندلسية.