20-مايو-2020

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون (تصوير: بلال بن سالم/Getty)

احتوت نسخة مسودة الدستور التي أفرجت عنها الرئاسة الجزائرية، إصلاحات سياسية وهيكلية، تحتاج إلى نقاش وإثراء من طرف الفاعلين السياسيين، في الساحة الوطنية من أحزاب ونقابات وشخصيات وطنية.

لعل أبرز النقاط المثيرة للجدل في مسودة التعديلات الدستورية تلك المتعلقة بإتاحة إرسال قوّات عسكرية إلى الخارج

ومسّت الإصلاحات المقترحة للنقاش العلاقات الوظيفية، بين مؤسّسات الدولة، وتركيبة المجالس السيادية  ومعالجة بعض الاختلالات التي كانت تشكّل جدلا في أوساط المجتمع 

إقرأ/ي أيضًا: صلاحيات جديدة للرئيس في مسودة دستور تبون

المجلس الأعلى للقضاء

ومن أبرز التعديلات التقدمية التي تضمنتها مسودة الدستور، تلك التي تحقق فصلًا مهمّا بين السلطة القضائية والسلطة التنفيذية، إذ تم اقتراح استبعاد وزير العدل من المجلس الأعلى للقضاء، وهو المجلس المخوّل له تعيين ونقل واستبعاد القضاة والتحكم في كامل المسار المهني للقاضي، بعد سنوات من المطالبات السياسية بذلك، وعلي أساس التعديل الجديد بات رئيس المحكمة العليا هو نفسه رئيس المجلس الأعلى للقضاء بالإنابة عن رئيس الجمهورية ، كما حصل القضاة علي حصانة جديدة تمنع نقلهم أو معاقبتهم من قبل السلطة السياسية والتنفيذية لأية أسباب.

وحول هذا المقترح، عبّر رئيس نقابة القضاة يسعد مبروك في تصريحات صحفية، عن انطباعات ايجابية إزاء هذا الموقف الدستوري الجديد الذي يعزز من استقلالية السلطة، وبرغم وجود تحفظات قال إنه سيتم العمل على إصلاحها من خلال مقترحات ستقدمها النقابة للرئاسة، على حدّ قوله.

تثبيت النظام الرئاسي ؟

لم تحدّث التعديلات الدستورية المقترحة تغييرًا في طبيعة النظام السياسي، فالجزائر دولة طالما عانت لفترة طويلة من مشكلات مرتبطة بالنظام الرئاسي، الذي يستمر في مركزة كل السلطات الحيوية وتجميعها في يد رئيس الجمهورية، حيث برز ذلك بشكل لافت في مرحلة حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة خلال العقدين الماضيين، ما نتج عنه دفع البلاد إلى الحكم الفردي القائم على سلطة الرجل الواحد، وهو ما دفع بالحراك الشعبي الذي اندلع في الـ 22 شبّاط/فبراير 2019، إلى رفع شعارات تطالب بتغيير عميق للنظام السياسي والمرافعة لصالح التوجّه نحو نظام برلماني أو شبه رئاسي، تنتقل بموجبه صلاحيات تشكيل الحكومة إلى الحزب السياسي الفائز بالانتخابات النيابية.

غير أن التعديلات أبقت صلاحية تعيين رئيس الحكومة لدى الرئيس، الذي يمكن له (بصيغة غير ملزمة)، أن يستشير الأغلبية النيابية وهي الصيغة نفسها التي كانت موجودة في تعديلات 2016، وولعل منح  الرئيس أيضًا إمكانية غير ملزمة، للطلب من رئيس الحكومة تقديم برنامجه عمل الحكومة لعل أبرز تحول في الدستور

ودفعت الاستنتاجات السياسية من الفترة الأخيرة لحكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة ، بعد مرضه في نيسان/أبريل 2013 حتى استقالته في نيسان/ أبريل2019 ، والمشكلات السياسية التي صاحبت غياب الرئيس بوتفليقة بسبب مرضه في عدة فترات وغموض حول السلطة الخفية الصانعة للقرار حينها، اللجنة الدستورية إلى طرح آلية جديدة تتعلق بتعيين نائب لرئيس الجمهورية يساعده في مهامه ويتولي الرئاسة في حال شغور المنصب، و استكمال العهدة الرئاسية، وقبل هذا التعديل، جرى التفكير في نفس الآلية بمناسبة تعديلات 2016، غير أن هذا المقترح الذي وضع في صيغة الإمكانية المتاحة للدستور وليس بصيغة جبرية، يلاقي اعتراضات سياسية كبيرة منذ الكشف عن المسودة، خاصة وأنه يستحدث رأسًا تنفيذيًا ثالثًا إضافة إلى الرئيس ورئيس الحكومة .

مشاركة الجيش في صناعة السلام

لعل أبرز النقاط المثيرة للجدل في مسودة التعديلات الدستورية تلك المتعلقة بإتاحة إرسال قوّات عسكرية إلى الخارج، سواء للمشاركة تحت رعاية الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية كالجامعة العربية والاتحاد الأفريقي في عمليات إحلال السلام، أو إلى دول المنطقة لاستعادة السلام، بعد موافقة ثلثي أعضاء البرلمان، ويعتقد أن ضغوط المرحلة والتحولات الإقليمية، دفعت باللجنة الدستورية إلى إتاحة هذه الإمكانية لصناعة السلام ودفاعًا عن المجال الحيوي والأمن القومي للجزائر..

هنا، يعتقد مراقبون ان التطورات التي حصلت في مالي وليبيا على وجه الخصوص وفي بعض دول منطقة الساحل والتداعيات الأمنية بسبب هشاشة هذه الدول، وانتشار المجموعات المسلحة وتمدد نشاطها إلى داخل التراب الجزائري، تظل الدافع نحو هذا التحول العميق في السياسات والعقيدة الدفاعية للجيش الجزائري، الذي ظلت مشاركته في عمليات السلام الأممية تقتصر على المستشارين العسكريين أو الإمداد اللوجيستي.

بين النصوص و التطبيق؟

من جهتهم، يرى خبراء أن التجربة الجزائرية لم تعان من سوء النّص الدستوري، بقدر ما عانت من الهوة بين النص الدستوري والنصوص التنظيمية تحديدًا، إذ عزا المختص في القانون محمد بلجيلالي ذلك، إلى أن الدستور الجزائري ثري من حيث النصوص، موضّحًا في تصريح لـ "الترا جزائر" أن "ما كانت تعطيه مواد الدستور، كانت تسلبه فقرات التعليمات".

وواصل المتحدث،  أنه في مجال الحريات مثلًا " لدينا نصوصة رنانة، تفيد أن عدد الحرّيات بالدستور الجزائري أكثر بكثير عدد الحريات الدستورية في معظم الدول حتى فرنسا وإسبانيا...".

وبخصوص النصوص الدستورية، المتعلقة  في مجال الحريات يشرح الأستاذ بلجيلالي أنها " فضفاضة من حيث عدد الحريات و ثانيا من حيث تفصيلها؛ إذ "طبيعيا يفترض أن الدستور ينص على الحرية و تحته القوانين العضوية و القوانين العادية و هي تصدر عن السلطة التشريعية ) تفصل فيها و التنظيمات (المراسيم و التعليمات و هي صادرة عن السلطة التنفيذية) تشرح كيفية تطبيق هذه الحريات هذا المفروض".

وفي هذا المضمار، ترى الأستاذة في القانون الدستوري سعدية مناصرية، أن "ما حدث في تجربتنا الدستورية،  فإن الدستور ينصّ على الحرية والقوانين تفصل فيها، لكن التنظيمات والمراسيم والتعليمات، فيما يفترض أنها تشرح كيفيات تطبيقها فهي تقزّم من حجم الحرية أو تلغيها تمامًا بطرق مختلف".

وعلى سبيل المثال لا الحصر، تضيف الأستاذة مناصرية، قائلة لـ "الترا جزائر"، أن الدستور أعطى حرية إنشاء الأحزاب، والقانون العضوي ألزم وزارة الداخلية بقبول الطلبات الموافقة للقانون مع تسليم وصل استلام الملف،و تعليمة الوزير السابق نور الدين زرهوني بعدم منح وصل استلام ملف طلب إنشاء الحزب، جعلت الأحزاب قيد الإنشاء غير قادرة على مقاضاة الوزارة لأنها لا تملك وصولات التسليم".

وهناك أمثلة على تعليمات وزارية كثيرة، عطلت سريان نصوص قانونية تتضمّن حرّيات، وغيرها من الأمثلة عن التعليمات، في شتى المجالات التنظيمية، على حدّ تعبيرها.

يظل السؤال معلقًا في الجزائر، حول التعديلات الدستورية التي شهدها أعلى وثيقة تنظم الدولة والمجتمع، والعلاقات الوظيفية بين جميع السلطات، غير أن المعطى الأساسي، أنه منذ ترشّح الرئيس عبد المجيد تبون،  إلى غاية توليه، مقاليد الحكم، أنه سيقوم بتعديلات عميقة على الدستور الحالي، وتعديلات في القوانين التي تنظم الحياة السياسية.

ميدانيًا، يرى الناشط الإعلامي مروان الوناس، أن المشكلة التي تقع فيها السلطة الجزائرية منذ الإستقلال ومدى تطبيق القوانين، قائلًا لـ"الترا جزائر"، إن الأزمة في الجزائر ليست متعلقة بالنصوص والدساتير والقوانين،  فهي على حدّ تعبيره متوفرة، لكن الإشكال المطروح حاليًا هو مدى توفّر الإرادة الحقيقية في احترام هذه النصوص وعدم الدوس عليها".

أعلنت الرئاسة أن مسودة الدستور أولية، وقابلة للتعديل والزيادة والحذف، قبل أن تتم إعادة صياغتها مجددًا

وللإشارة، كانت رئاسة الجمهورية قد طرحت الخميس مسودّة التعديلات الدستورية، ووجهت نسخًا منها ورسائل بشأنها إلى كل القوى السياسية والمدنية والنقابات والشخصيات الوطنية، تضمنت إصلاحات سياسية أبرزها تعيين نائب لرئيس الجمهورية، ودسترة الحراك الشعبي والسماح لقوات الجيش بالقتال في الخارج بعد موافقة البرلمان. وأعلنت الرئاسة أن مسودة الدستور أولية، وقابلة للتعديل والزيادة والحذف، قبل أن تتم إعادة صياغتها مجددًا، وطرحها لاستفتاء دستوري في غضون الشهرين المقبلين.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تعديل الدستور في زمن كورونا.. لمَ الاستعجال؟

"حمس" تدعو لتجريم استعمال الفرنسية في الهيئات الرسمية