06-أغسطس-2021

(تصوير: رياض قرامدي/ أ. ف. ب)

حملات واسعة لجمع التبرّعات تشهدها مدن وقرى عبر كامل التراب الوطني والجالية الجزائرية في المهجر، انطلقت دون تأطير ولا موعد مسبق استجابة لاستغاثات على مواقع التواصل الاجتماعي، فانفلتت هبة شعبية لتوفير الأكسجين بالمستشفيات، ونُصّبت في الشوارع خيّم لجمع الهبات والتبرّعات، وانتشرت فيديوهات توثّق تبرعات النسوة بحليّهن ومجوهراتهن، والأطفال بحصالاتهم، دون بروتوكولات ولا رسميات، حيث استطاعوا في ظرف وجيز اقتناء مولدات أكسجين وأجهزة تنفس وأدوية منع التخثر، وحقّقوا في ظرف قياسي ما عجزت عنه المنظومة الصحيّة في سنوات. 

يُرجع مختصون في قطاع الصحّة ارتفاع عدد الإصابات التي تستدعي العلاج بالأكسجين  مقارنة بالسنة الماضية إلى شراسة الفيروس المتحوّر وانتشاره السريع

بعدما شهدت مستشفيات جزائرية نقصًا حادًا في إمدادات الأكسجين والأسرة والأدوية لمرضى "كوفيد - 19" خلال موجة ثالثة تعرفها البلاد، وبعد فترة ضغط عصيبة عرفتها الطواقم الطبية، وارتفاع عدد الوفيات بسبب تأخر وصول أنابيب الأكسجين لعدة ساعات في عدد من المستشفيات، وقصد احتواء الأزمة المفاجئة، تحرك مواطنون وجمعيات محلية ووطنية، واستجاب للنداء أفراد من الجالية الجزائرية بالخارج قصد التكافل والتضامن من أجل شراء مولدات ومكثّفات الاكسجين، بمختلف الأحجام وإرسال الأدوية المفقودة وتقديم المساعدات الطبية والوقائية.

اقرأ/ي أيضًا: مدير باستور: تلقيح 20 مليون جزائري لبلوغ المناعة الجماعية

نداء الواجب

تعليقًا على حملة أطلقها نشطاء من ولاية عين تموشنت غرب البلاد، قصد تدارك الخطر على مستشفى المدينة الذي عرف نقصًا في مادة الأكسجين، ومبادرتهم إلى حملة جمع الأموال لاقتناء مولد الأكسجين من الخارج، يقول ديدي قدور أحد المتطوعين أن المبادرة تبلورت نتيجة العجز التام عن توفير مادة الأكسيجين بالقدر الكافي بمستشفى الولاية.

يستطرد المتحدث، أنه أمام تزايد عدد لمصابين بكورونا وارتفاع نسبة الوفيات، "قرّرنا رفع التحدي وإطلاق مبادرة وتنسيق بين جمعيات وفعاليات محلية من أجل شراء مولد انتاج الاكسجين وتوفير مكثفات الاكسجين"، مؤكّدًا أن رجل أعمال من المنطقة كان من أوائل المتبّرعين، وقدّم مبلغ 50 مبلغ مليون سنيتم حوالي (3700 دولار).

شكّلت البداية دفعًا قويًا للمبادرة، يقول ديدي قدور، "بعدها توجهنا إلى الساحات العمومية وأطلقنا نداءات عبر صفحات الفيسبوك وخلال خمس ساعات فقط تم جمع 38 مليون سنتيم".

هنا، يقول محدّث "الترا جزائر" إنها مشاهد لا تُنسى، هي دموع أناس يقدمون مبالغ زهيدة بسبب عجزهم عن التبرّع بمبالغ كبيرة. حتى الأطفال ساهموا في المبادرة. منهم من تبرّع بأغلى ما لديه من حلي وخواتم وقلائد، دون نسيان دور الجالية الجزائرية بالخارج التي ساهمت بدروها في تقديم يد المساعدة إلى غاية جمع 330 مليون سننيم  (حوالي 25 ألف دولار). مختتمًا أن هدف المبادرة تحقق عبر تحسيس بمخاطر الوباء والتضامن والتكافل بين أبناء المدينة.

كيف بدأت الأزمة؟

يُرجع مختصون في قطاع الصحّة، ارتفاع عدد الإصابات التي تستدعي العلاج بالأكسجين  مقارنة بالسنة الماضية، إلى شراسة الفيروس المتحوّر وانتشاره السريع في فترة زمنية وجيزة وهو ما لم مستعدًا له، حيث أن الكثير من المستشفيات تتزود بالأكسيجين عبر شاحنات خاصّة تزوّدها بهذه المادة الحيوية، وهو ما يأخذ الكثير من الوقت في ظل امتلاء المستشفيات بالمصابين في ظرف قياسي.

مشكلة أخرى تمّ طرحها، وهي أن خلية الأزمة التي كانت تتشكل في كلّ مرّة، لإيجاد حلول لهذه الأومة الصحية، لم تفكّر في هذا الضغط المفاجئ الذي انجر عنه الانتشار السريع للفيروس، إذ كان ينبغي تزويد المستشفيات بمولدات الأكسجين قبل وقوع الكارثة، بدل الاعتماد على الطريقة التقليدية التي تتسبب في انقطاع الأكسيجين عن المرضى لعدّة ساعات.

في ظلّ هذه الأحداث، يشخّص كثير من المتابعين أن تأزم الوضع الصحي في البلاد كان بسبب احتكار السماسرة لأنابيب الأكسيجين، إذ كانت الشركات المنتجة لهذه المادة الحيوية تؤجّر أنابيب الأكسجين للمواطنين بسعر لا يتجاوز خمسة آلاف دينار للسنة (حوالي 37 دولارًا)، مع اشتراط إيداع ضمان مسبق قدره ثلاثة ملاييين سنتيم (حوالي 220 دولار)، وبسبب ارتفاع الطلب على الأكسجين استحوذ المحتكرون على أعداد كبيرة من الأنابيب وقاموا ببيعها بأضعاف سعرها، وتخلى هؤلاء السمامسرة عن الضمانات التي أودعوها لدى الشركات التي أجّرت لهم هذه الأنابيب،  حيث تجاوز سعر أنبوب الأكسيجين حسب شهادات بعض المواطنين سعر الـ 20 مليون سنتيم (1500 دولار تقريبًا).

أدوية مفقودة

من جهتهم، انخرط  كتاب وإعلاميون  في حملات تضامن وتكافل لفائدة مرضى "كوفيد - 19"، من بينهم الإعلامية عائشة قحام، تقول في حديث لـ "التر جزائر" نحن نحاول تقديم قدر المستطاع يد مساعدة لمرضى "كوفيد - 19" .

وأفادت أنه رغم كثرة الطلبات سجلنا ندرة في كثير من الأدوية والمستلزمات الطبية وغلاء أسعارها. وفي ظلّ الأوضاع الصعبة تقول إننا نحاول توفير الأموال لإجراء التحاليل الطبية لمرضى "كوفيد - 19"، ووتوزيع حفاظات للكبار السن وكمامات ومعقمات على المستشفيات.

تسعى قحام وفريق من المتطوعين إلى تحسيس المواطنين من مخاطر الوباء وسرعة انتشار الفيروس وسط العائلات والأفراد. وقيادة عملية توجيه وترشيد ودعم حملة التلقيح، كما تتأسف قحام عن ظاهرة "للامبالاة" في بعض السلوكيات التي لا تلتزم بمعايير الوقاية من "كوفيد- 19".

كلنا ضد الفيروس

في السياق الموضوع، يقوم نورالدين تيكور أحد النشطاء في ميدان الأعمال الخيرية والتضامنية بتجنيد الشباب على مستوى بلدية بئر خادم (وسط العاصمة). فبعد تسجيل نقص كبير في الأدوية والمستلزمات الطبية خاصة مكثفات الأكسجين، سارع نور الدين رفقة شباب من البلدية إلى التواصل مع السلطات المحلية لفتح قاعة علاج مداومة لـ 24 ساعة.

فُتحت قاعة المتعددة الرياضات مركز للعناية بمرضى كورونا، وجُهّزت بكل اللوازم الطبية والمعدات. وحاليًا يسعى نور الدين إلى الحصول على ترخيص من الجهات المعنية لمباشرة حملة جمع الأموال وسط بلدية بئر خادم بالعاصمة.

هنا، يقول محدث "الترا جزائر"، إنه رغم تقص الإمكانيات، نعمل بجهد على توفير الأدوية، وتقديم يد المساعدة لكثير من مرضى "كوفيد - 19" من مكثفات وأنابيب الأكسجين.

شهدت الأيّام القليلة الماضية، خلال الأزمة الصحية التي تمر بها الجزائر، حملة انتقادات مسّت قطاعات وزارية وهيئات رسمية تنشط في مجال التضامن الوطني على غرار وزارة التضامن الوطني والهلال الأحمر الجزائري اللتان سجلتا غياب العمل التضامني الميداني. 

شكلت مواقع التواصل الاجتماعي منصّة للحملات التضامنية ونداءات الاستغاثة بحثًا عن أدوية مثل "لوفينوس" المضادة لتخثّر الدم

شكلت مواقع التواصل الاجتماعي منصّة للحملات التضامنية ونداءات الاستغاثة بحثًا عن أدوية مثل "لوفينوس" المضادة لتخثّر الدم، أو توجيه مرضى كورونا لمخابر طبية والتزويد بمعلومات عن إمكانية الحصول على المكثفات، ولعبت فيديوهات النشطاء دورًا كبيرًا في جمع التبرعات وفتحت نقاشًا واسعًا حول أزمة الأكسجين وأسباب ندرتها، وضربت سوق السمامرة الذين احتكروا أنابيب الأكسيجين لإعادة بيعها في السوق السوداء.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مختصون يقدّمون 3 فرضيات حول عدم تعرض الأطفال لمضاعفات "كوفيد-19"

تعليق أداء صلاة الجمعة بجميع مساجد ولاية سعيدة