14-نوفمبر-2019

حملة الاعتقالات لم تتوقّف بين نشطاء الحراك الشعبي (تصوير: رياض كرامدي/أ.ف.ب)

سكتت السّلطة سكوتًا لئيمًا على إخراج زعيم التّيّار السّلفي في الجزائر محمّد علي فركوس، خلال شهر آذار/مارس من عام 2018، لشطرٍ من الشّعب الجزائريّ من دائرة السّنّة والجماعة، المتصوّفة والأشاعرة والإخوان المسلمين، فقط لأنّه حرّم في الفتوى نفسِها الخروج على الحاكم، الذّي كان يومها عبد العزيز بوتفليقة، وحرّم الإضرابات التي، كانت تخنق وزيرة التّربية نوريّة بن غبريط.

لقد تصرّف بوتفليقة ومن معه بصفتهم عصابة تستثمر في كلّ ما يصبّ في مصلحة استمرارها

ولم أكن أدعو إلى سجن الرّجل أو تجريده من منصبه في الجامعة الجزائريّة، فالإيمان بحقوق الإنسان لا يتجزّأ، بل بمناظرته علميًّا على الأقلّ، من طرف وزارة الشّؤون الدّينيّة والأوقاف. إذ ما معنى أن تُغلق الوزارة كنيسة بحجّة الحفاظ على وحدة الهوّيّة الدّينيّة للجزائريّين، وتسكت على تكفير رجلِ دينٍ جزائريٍّ ذي سطوة على النّفوس والعقول لشطر واسع من الجزائريّين؟

اقرأ/ي أيضًا: الجزائر..الانتخابات البرلمانية تبدأ من الفيسبوك

ولئن كانت تلك الخرجة "الفركوسيّة" منسجمةً مع المنهج السّلفي، خاصّة المدخليّ منه، ولكلّ منهج مداخله ومخارجه، فإن السّكوت عليها والرضا بها، من طرف المنظومة الحاكمة يومها، لم يكونا منسجمين مع منطق الدّولة والوحدة الوطنيّة والأمن القوميّ.

لقد تصرّف بوتفليقة ومن معه بصفتهم عصابة تستثمر في كلّ ما يصبّ في مصلحة استمرارها، ولم يهمّها أن يؤدّي ذلك إلى تهديد المصلحة الوطنيّة العامّة.

وها هو الموقف نفسه يتكرّر اليوم، من خلال سكوت السّلطة القائمة على دعوة نقابة الزّوايا الصّوفيّة التّي، كانت محلّ تكفير الشّيخ فركوس بالأمس، إلى عدم دفن رافضي الانتخابات في مقابر المسلمين، في إشارة صريحة من النّقابة إلى اعتبارهم "كفّارًا". وهي بهذا تؤكّد كونها امتدادًا صريحًا للمنطق البوتفليقيّ الذي، جاء الحراك ليضع له حدًّا. فهل يعقل أن تسكت سلطة تحترم نفسها وشعبها وتهتمّ بالوحدة الوطنيّة على هذا الموقف؟ وتقبل بمن يتبنّاه ضمن شبكة مسانديها؟

لست هنا بصدد مناقشة موقف السّلفيّة سابقًا، ولا موقف نقابة الزّوايا حاليًا، فهما في النّهاية محكومان بسياقات معيّنة، منها أنّهما لا يتحرّكان خارج ما تمليه المخابر الأصليّة عليهما، المخبر السّعودي على السّلفيّة، والمخبر الجزائريّ على الزّوايا الصّوفيّة، بل بمناقشة قبول السّلطة الحاكمة بموقفيهما اللّذين، يهدّدان الأمن القوميّ العامّ الذّي تدّعي حمايته، فقط لأنّها مستفيدة مرحليًّا منهما. وهي بهذا تفكّر بمنطق العصابة لا بمنطق الدّولة.

ما معنى أن يتمّ سجن أبناء الشّعب ورموزه، وفيهم من كان ضمن من حرّروا البلاد من قبضة الاحتلال، مثل المجاهد لخضر بورقعة، بتهمة المساس بمعنويات الجيش، ويتمّ السّكوت على من يمسّ، ليس فقط بمعنويات قطاع واسع من الشّعب بل بعقيدته، من خلال "تكفير" من يرفض المشاركة في انتخابات يرى أنّها فاسدة السّياق، عوضًا عن التّعامل مع موقفه على أنّه حقّ دستوريّ؟

من أنت حتّى تحتكر القيم المشتركة بين المواطنين من دينٍ ووطنيّة، فتلغي باسمهما كلّ من يحمل رؤيةً تختلف عن رؤيتك؟ وما دمت تؤمن بأنّ الجزائريّين الذّين، يرفضون خياراتك "خونة" بالمفهوم الوطنيّ و"كفّار" بالمفهوم الدّينيّ، أو هم بيادقُ في خدمة الخونة والكفّار، ماذا تنتظر حتّى تقوم بتصفيتهم؟ أليست عدم تصفية الخونة خيانة وطنيّة؟

الطّرف النّظامي مطالب دستوريًّا وأخلاقيًّا أكثر من الطّرف الحراكي بتقديس مظاهر الوحدة الوطنيّة

أعلم أننا نعيش فترة يُؤطّرها صراع مصيري بين طرفين في المشهد الوطنيّ العامّ، إذ من صالح كلّ طرف أن يكسب كلَّ رافد يصبّ في بحيرته، لكنّ الطّرف النّظامي مطالب دستوريًّا وأخلاقيًّا، أكثر من الطّرف الحراكي، بتقديس مظاهر الوحدة الوطنيّة، برفض كلّ موقف يهدّدها مهما كان يخدمه ظرفيًّا، لأنّه هو من في السّلطة، أي أنّه هو حامل المشعل. فما باله بات يقبل كلّ موقف يزكّي خياراته حتّى وإن كان ضدّ المنطق والنّبل والرّوح الوطنيّة والرّجولة بالمفهوم الجزائريّ؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

محمد شرفي: تزوير الانتخابات مستحيل.. والمعارضة لا تبدو مقتنعة

"سلطة تنظيم الانتخابات".. مكسب في سلّة الحراك الشعبي